عَرَّابو مافيا آل الوحش

3 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
7 minutes

نجم الدين سمان

سأل اصطيف صديقَهُ آرام:

– هل سمعتَ بالجَلطَة التي أصابت العرَّاب الصغير؟

– سمعت؛ لكن ليس هناك سوى تسريبٍ روسيٍ عن وَزمةٍ تحت عينِه اليُسرى.

– فماذا لو أنّه راحَ فيها؟!

قال آرام: – لا أتمنّى مَوتَه بجَلطَةٍ في الدماغ.

– لا تتمنَّى موته؟!

–  لا أتمنّى بالطبع؛ أتمنَّى مُحاكمَتَهُ أمامَ السوريين.

– سيُعدِمونَهُ بالتأكيد، على ما فعلت يداه.

– ولا أتمنّى إعدامَهُ أيضًا.

حدَّق اصطيف في عينيِّ صديقه آرام:

– لا تتمنِّى إعدامَه؟!

– حتى لا يصيرَ شهيدًا كصدَّام حسين؛ ولا خَوزَقَتَهُ كالقذّافي؛ حتى لا يتعاطفَ مع مَوتِهِ ضِعَافُ القلوب.

– لو كنتَ قاضيًا فماذا كنتَ ستحكُمُ عليه؟

– بالمُؤبَّدِ طبعًا؛ مع أشغالٍ شاقَّةٍ نفسيًا.

ضحك اصطيف:

– هذه تَفنِيصَةٌ حقوقيةٌ جديدة!

– ليس الأمرُ تَفنِيصًا؛ بل تخصيصًا لرئيسٍ بالوراثةِ.. قَتَلَ شعبَه.

– هات اشرح لنا أشغاله النفسية الشاقة في السجن؟

– يُعطَى صباحًا صورةً من صور “الشاهدِ القَيصَر”؛ عن شهدائنا تحت التعذيب؛ ويُطلب منه أن يشرحَ كلَّ صورةٍ.. بجملتين فحسب.

– هذا أشدُّ.. مِنَ الشَنق.

تابع آرام:

– وقبل أن يخرجَ وحيدًا إلى باحة التنفُّس؛ وليس مع المساجين الآخرين؛ يكتب -كلَّ يومٍ- ثلاثة أسماءٍ مِمَّن أمَرَ بقصفهم فماتوا تحت ركام منازلهم؛ ويكتب بعدها ثلاثة رسائل اعتذار -يوميًا- لأمَّهاتِ الشهداء والمُعتقلين والمُغتصَبَات والمَفقودين والمُهجَّرين؛ وبعد الغداء.. يحضُرُ فيلمًا وثائقيًا عن الخرابَ الذي حَلَّ بالبلدِ على يديه؛ وقبل العشاء يقرأ ثلاثَ صفحاتٍ من مُذكرات السوريين تحت القصف، أو خلال حصارِهِم، أو في تغريبتهم الكبرى؛ وبعد العشاء.. يقرأ فصلًا من روايةٍ عن السجن السياسي الذي أسَّسَهُ والِدُهُ العَرَّاب الكبير.

– هذا أشدُّ من الخَوزَقَةِ يا آرام.

– ثم تُوضَعُ طوالَ الليل، تسجيلاتُ التظاهراتِ ضِدَّه: يلّا.. ارحل يا عَرَّاب؛ وتختِمُها إدارةُ السجنِ المدنيّ -صباحًا- بسمفونية “القاشوش” لمالك جندلي.

– أنت قاضٍ شرير يا آرام؛ سيموت كلَّ يومٍ ألفَ مَوت.

رَدَّ آرام: – بل هذا أظرفُ الأحكامِ على وَجهِ البسيطة منذ لوائحِ حَمُورَابِي.

– فإذا مات في السجن؛ سيقولونَ: ماتَ تحتَ التعذيبِ النفسيّ!

– اطمئن يا اصطيف؛ العرّابون يموتون اغتيالًا؛ أو.. بالسرطان كالوحش الكبير؛ أو بحادثة سيارةٍ على طريق إهدن- دمشق.

– تقصِد على أوتوستراد المزَّة يا آرام؛ تقصِد جنرالَ البواسلِ بالطبع.

– أظنّ بأنه لم يكن مُجرَّدَ حادثِ سَيرٍ يا اصطيف؛ بل اغتيالًا مُباشرًا؛ ثم نُقِلَت سيّارَتُهُ تحت جُنحِ الظلام إلى أوتوستراد المَزّة.

عَلَّقَ اصطيف:

– هذا يٌشبِهُ أفلامَ المافيا الصِقِلِّية يا آرام؛ وليس هذا موضوعَنَا الآن؛ بَل من سيخلِفُ العرّاب الابنَ إذا ماتَ فعلًا.. بجلطة دماغية؟!.

– ليس مُهِمًا مَن؛ فلم يبق من سلالةِ آل الوَحشِ سوى الأخ الأصغر؛ وإليه ستنتقل مقاليدُ الأمور؛ المهم.. هل ستستمرُّ تلك المافيا في حُكمِ صقليّة السورية؟!.

ضحك اصطيف:

– صِرتَ تُخَربِط في الجغرافيا؛ ليس لسوريا سوى جزيرةٍ واحدةٍ: إرواد.

– صِقليَّة السوريَّةُ هي سوريا المُفِيدَةُ للمافيا الدوليَّة جميعها؛ لكنهم بموت العَرَّابِ الصغير سيفقِدُونَ وَرَقَةَ الشرعيّة التي بها يُقايِضُونَ بعضَهم بعضًا، مِن تحتِ الطاولة.

– عن أيّة شرعيةٍ تتحدّث يا آرام؛ لا شرعيّةَ لرئيسٍ يقتلُ شعبَهُ ويُهَجِّرُهُ.

– هذا ما نقولُهُ نحن الضحايا، يا اصطيف؛ لكنّ المافيا الدوليةَ لا تعبَأ به؛ تتحَجَّجُ بأنّه مُنتخَبٌ من السوريين؛ حتى لو كان استفتاءً بالإكراه؛ أو بانتخابٍ هَزلِيٍّ شَكلِيّ؛ وبخاصةٍ أن كثيرًا من السوريين قد سكتوا عن مَهزَلةِ التوريث.

تنهَّدَ اصطيف حَانِقًا:

– طيّب.. فماذا لو أنّ العرَّابَ الصغيرَ قد قضى الآنَ؛ أو قبلَ انتهاءِ ولايته؛ من الطبيعي في بلاد قمعستان أن يَرِثَهُ من تبقَّى من إخوته؛ طالما أنّ ابنَهُ ما يَزَالُ مُراهِقًا.

– عندها تزولُ الصِفَةُ الرئاسيَّة عن آلِ الوحش؛ ويتحوَّلُ وَرِيثُهُ “ماهر” إلى مُجرَّدِ زعيم ميليشيا طائفية؛ بل إلى واحدٍ من أمراء الحرب؛ مِثلُهُ مِثلُ الجولانيّ وسِوَاه؛ بل.. أقلَّ من البغداديّ؛ إلا إذا بايَعَهُ شبيحته كخليفة للمسلمين، وباركه الملالي في “قُم” نكايةً بالبغداديّ وبالظواهريّ!

ضحك اصطيف بما يُشبِهُ البكاء:

– بخليفةٍ واحد.. اجتمعت في سمائِنَا طائراتُ 56 دولة؛ فماذا يصيرُ بحالنا مع خليفَتَين؟!.

– لا تحتمِلُ سوريا خليفتينِ؛ حتى يلتقيا في “مَرجِ دَابِق” من جديد!!.

– ذاكَ من الفانطازيا.. ما تقول!!.

– من الفانتازيا.. يا اسطيف!؟ ما بالُنَا نَقلِبُ الطَاءَ تاءً؛ ثمّ نقلبُ التاءَ طاءً وقتما نريد؛ فنقول مرَّةً: الطائفية؛ ونُخَفِّفُهَا مَرَّةً: التائفية.. لنتملّصَ من مُمَارَستنا لها؛ ومرَّةً: اتفاق الطائف؛ ومرة: تفاك التائف؛ ومرَّةً أسِتَانَه؛ ثم نعود منها بِخُفَيِّ حُنَين؛ فنُسَمِّيها: أسِطَانَه؟!.

ضحك مصطفى:

– لن أُفاجَأ إذن، حين سيُنادِينِي أحدٌ: كيفك يا استيف؟!.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]