لافروف يسوّق للنظام من بوابة الجامعة العربية


حافظ قرقوط

لم يكن غريبًا أن يطرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على جامعة الدول العربية اقتراحه بعودة عضوية النظام السوري إلى الجامعة، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في أثناء مشاركته في افتتاح (منتدى التعاون العربي الروسي)، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي الأربعاء الماضية.

قال لافروف: “إن إبقاء دمشق بنظامها الحالي، خارج هذه المنظومة لا يساعد جهد إحلال السلام”.

وأضاف: “أريد أن أذكّر بأن عدم تمكن الحكومة السورية، وهي عضو يتمتع بالشرعية في منظمة الأمم المتحدة، من المشاركة في محادثات جامعة الدول العربية، لا يساعد الجهد المشترك”.

وبحسب رأيه؛ فإنه “يمكن لجامعة الدول العربية أن تؤدي دورًا أكثر أهمية وأكثر فعالية لو كانت الحكومة السورية عضوًا فيها”.

من جهته رد أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، على لافروف بقوله إنه “قرار خاضع لإرادة الدول الأعضاء”. وأضاف “إذا نوقش هذا الأمر على مستوى اجتماعات الخارجية أو على مستوى الأمانة العامة، فإن الجامعة العربية سوف تنفذ القرار”.

وأضاف “إذا ما اتضح أن هناك نية صادقة من الجميع لتحقيق تسوية سياسية، يبدأ تنفيذها وتطبيقها، فأعتقد أن مجموعة من الدول سوف تقرر أن تفتح موضوع استئناف العضوية مرة أخرى”، ليؤكد أن “هذا الأمر ليس مطروحًا حاليًا”.

علقت جامعة الدول العربية عضوية النظام السوري فيها اعتبارًا من 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بموافقة 18 دولة واعتراض لبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.

ينص القرار على “تعليق مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية، في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة”.

كذلك نص القرار حينئذ على ضرورة “توفير الحماية للمدنيين السوريين”، وفي حال عدم توقف العنف “يقوم الأمين العام بالتشاور مع أطياف المعارضة، والاتصال بالمنظمات الدولية المعنية، لوضع تصور للإجراءات الملائمة لوقف النزيف “.

لا ندري حقيقة إن كان مجلس الجامعة، ما زال في حالة انعقاد لمتابعة المأساة السورية، ولكن الذي يعرفه السوريون جيدًا أن تدخلًا دوليًا قادته روسيا وإيران، ودافع لافروف عنه بحماسة المقاتل، بل تفوق على وزير خارجية النظام وليد المعلم، في المهمات الديبلوماسية لتبرير سلوك القتل ضد المدنيين، كما هُجّر ملايين السوريين عن بيوتهم، زاد من مآسيهم، وما زالت جامعة الدول العربية دون أي صوت يُذكر، وتعيش خارج إطار حتى مصالحها ومصالح الدول المنتمية لها.

عندما جرى تنسيق هدنة وإطلاق محادثات بالعاصمة الكازاخية أستانا، لم تدعَ أي دولة عربية للمشاركة، ولا حتى جامعة الدول العربية، ولو بصورة مراقب، بل عُدت إيران دولة فاعلة، على الرغم من زرعها عشرات الميليشيات على الأرض السورية.

مطالبة لافروف بعودة الربيب الذي يرعاه إلى حضن الجامعة ليس حالة شاذة من الديبلوماسية الروسية، فسبق لروسيا أن طرحت على أميركا ضرورة توضيح مقصد دونالد ترامب، حول المناطق الآمنة التي يريد العمل عليها، وعلى ضرورة التنسيق مع النظام السوري لإنجاز تلك المناطق.

أي على ترامب تقديم طلب (استدعاء) لبشار الأسد عبر ديوان (كاتب العدل) لافروف، بصفته عراب الصفقات مع النظام، بداية من سحب الكيمياوي باتفاقية كيري – لافروف، وليس انتهاء بتعريف دور الأسد في محاربة (الإرهاب)، وعلى إدارة ترامب أن تنتظر من الأسد الموافقة، بحسب الأصول، مع الخاتم والتوقيع، لكن لافروف لم يُفهمنا حتى اللحظة ممن ستقوم أميركا بحماية تلك المناطق.

جامعة الدول العربية قد تفاجئ الجميع في أي لحظة بقبول عضوية النظام بين صفوفها، وكلام لافروف على أن النظام ما زال عضوًا في “الأمم المتحدة”، هو في الحقيقة أهم شاهد على عكس ما يريد لافروف، على مستوى التدهور في القيم الإنسانية والقانون الدولي، وخاصة عندما يجلس مندوبو دول عظمى وغيرهم، ليتلقوا دروسًا بالأخلاق من بشار الجعفري مندوب النظام السوري.

من المؤلم ألا تستثمر الدول العربية كتلتها العددية، وحضورها الإقليمي، ومصالحها بالمياه الدافئة، التي أصبحت سفن روسيا تجوبها بلا أي اكتراث سوى لمصالح (إسرائيل)، من المؤلم ألا نسمع لها صوتًا يدافع عن لحم السوريين، الذي ابتلعته تلك المياه هربًا من جور نظامهم، ومن المؤلم أن تُبعد المعارضة من المشاركة بلقاءات واجتماعات الجامعة، بعد كل ذلك الزخم في قرارها الذي عرضناه بالأعلى.

في المقابل؛ لا يترك لافروف ونظيره المعلم، مناسبة إلا ويقدم هذا النظام شريكًا لبلاده، فقد قال في أيلول/ سبتمبر 2016: “إن مطالبة الأطراف الأخرى برحيل الأسد، ومطالبة المعارضة بأنها لن تشارك في المفاوضات ما لم يتقرر مصير الأسد، هو انتهاك سافر للمبادئ المثبتة في نص قرار مجلس الأمن الدولي”.

إن دعوة لافروف بعودة النظام إلى مقاعد الجامعة لتكون فاعلة، هي رسالة يجب أن يقرأها ليس النظام العربي الذي تغلغلت فيه إيران لتخريبه وحسب، بل من يعمل على تشكيل وفد للتفاوض مع النظام أيضًا، بناء على تقديم روسيا نفسها ضامنًا أساسيًا في أستانا، فالعقل الباطن الروسي المرتبط بالجدار الأمني، الذي يحكم هذه الأنظمة الشمولية التي أنموذجها بالعصر الحالي بوتين – الأسد، هو دليل على أن روسيا ليست ضامنًا حقيقيًا بقدر ما هي مسوّق لهذا النظام، وهنا يكمن خطر الانزلاق السياسي إن ذهبت المعارضة إلى الحضن الروسي أكثر من اللازم، وصدّقت أن روسيا تحتاج إلى دعم المعارضة للتخلص من العبء الإيراني في سورية، فالدبلوماسية الروسية مستمرة في لعبة التسويف.




المصدر