ترامب واللبرالية وحقوق المرأة

4 شباط (فبراير - فيفري)، 2017

5 minutes

سمير سعيفان

نالت المرأة حقوقًا كثيرة جدًا في جميع الدول المتقدمة، وفي المجالات كافة، ولا يقتصر الأمر على وجود بضع نساء في مواقع مهمة، بل أصبحت حقوق النساء -كافة- “جماهيرية”. وباتت النساء جزءًا رئيسًا من قوة العمل مثل الرجل، وأصبح تعبير “ربة منزل” استثناءً، مثل استثناء تعبير “امرأة تعمل” في بلداننا. ونالت حقوقًا اجتماعيةً واسعةً، إلى حد أن الأمهات الوحيدات، أي اللاتي لا يرتبطن بزوج، أو لا يرتبطن بعقد زواج موثق، يسجلن المولود بأسمائهن، وليس باسم الأب إلاّ بموافقة الأم. وقد باتت المرأة في الغرب تحتل مواقع قيادية في الشركات الكبرى، وتقف “ميركل” اليوم زعيمة لأوروبا، وفازت “ماي” برئاسة وزراء بريطانيا، وكان الأمل أن يكمل الثلاثي بفوز كلينتون، ولكن شعبوية ترامب، ومساندة بوتين تغلبت عليها.

لكن خروج المرأة للعمل لم يترافق مع منحهن حقوقًا وترتيبات داخل الأسرة وداخل المجتمع توازن خروجها للعمل. فما زالت تربية الأطفال والعناية بالبيت يقع عبؤها الأكبر على المرأة، على الرغم من أن الرجال باتوا يعملون مع زوجاتهم أو صديقاتهم في أعمال المنزل والعناية بالأطفال، ولكن يبقى العبء الأكبر على المرأة والمسؤولية على المرأة التي هي أقدر على العناية بالطفل وأعمال البيت. والأهم أن عددًا كبيرًا جدًا من النساء يبقين وحيدات في مساكنهن، وعليهن العمل من أجل معيشتهن ومعيشة أطفالهن، ثم لأن الأجور والرواتب في الدول المتقدمة بالكاد تكفي الفرد للجزء الأكبر من المشتغلين، تحتاج النساء إلى دور حضانة ورياض أطفال بسعر معقول؛ لوضع أبنائهن في الحضانة والروضة؛ كي تستطيع الذهاب إلى العمل، ولكن لا يتوفر عدد كاف من دور الحضانة هذه. إضافة إلى ذلك؛ مازال متوسط أجور النساء للعمل المماثل أقل من متوسط أجور الرجال، بحجة أن المرأة تغيب للولادة، وتغيب إذا مرض ابنها، ولا تستطيع الاستمرار في العمل بعد ساعات الدوام الرسمية؛ بسبب ارتباطها بالبيت. أي: إنها تُعاقب على قيامها بعمل مقدس، بدلًا من أن تُكافأ.

هذه الأوضاع، إضافة إلى أن الطفل يأسر والدته لسنوات وسنوات؛ فيحرمها من الاستمتاع بحياتها الخاصة، وتصبح حياتها مكرسة لأولادها بالدرجة الرئيسة؛ لهذا ينمو العزوف عن إنجاب الأولاد، وهو نوع من الإضراب الصامت للمرأة، ولسان حالها يقول: أنا “خالقة البشر”، “وأنا مصنع الرجال”، ولأنكم أيها الرجال لا تقدّرون ذلك؛ فإنني سأتوقف عن الإنجاب لأقضي عليكم. لذلك؛ كثيرًا ما تحتاج المرأة في الغرب، في أوروبا وأميركا، وكذلك في اليابان والصين وروسيا وكوريا وأميركا الجنوبية، وغيرها، إلى إجراء عملية إجهاض أكثر من مرة في حياتها. ولكن اليمين والكنيسة والمؤسسات الدينية تعارض الإجهاض بشدة، ولكنها لا تفعل شيئًا لدعم حصول المرأة على حقوق وخدمات تسهل حياتها؛ لأن هذا سيكون على حساب ربح الشركات في مجتمع يقوده الربح وليس العمل الإنساني.

السيد ترامب الذي يحتقر المرأة، ويتعامل معها جسدًا وسلعةً، يريد أن يضيق على عمليات الإجهاض، وقد أوقف الدعم المادي الفيدرالي للجمعيات الخيرية الأميركية التي تدعم عمليات الإجهاض للنساء الفقيرات. وينضم هذا إلى موجة سياسات تقليص شبكات الضمان الاجتماعي، وهي موجة بدأت منذ عام 1979، مع صعود تاتشر -1979- إلى رئاسة وزراء بريطانيا، ثم انتخاب الممثل، رونالد ريغن، رئيسًا للولايات المتحدة 1980؛ إذ بدأ هجومٌ واسعٌ على شبكة الضمانات الاجتماعية، وضمان العمل والسكن، وجرى تقليص الميزانيات الاجتماعية، وإضعاف النقابات، وغيرها، لصالح الربح. وترامب -من جانبه اليوم- يريد وقف برنامج أوباما الذي بدأه للضمان الصحي؛ إذ يوجد في أميركا أكثر من 30 مليون شخص لا يوجد لديهم ضمان صحي، بخلاف الوضع في الدول المتقدمة؛ حيث الضمان الصحي جزء من شروط العمل.

نعم نالت المرأة حقوقًا، ونالت كرامةً بخروجها للعمل واستقلالها المادي، غير أن المجتمع وقوى اليمين في الدول المتقدمة تريد معاقبتها لقاء قيامها بوظيفة “الخلق المقدس”، ويريد ترامب وسياسته اليمينة جعل حياتها أكثر صعوبة مما هي عليه الآن. إنه النظام الذي يضع الربح فوق كل القيم الإنسانية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]