في مقابلاتي مع 300 لاجئ سوري، وجدتهم أبعد ما يكونون عن التهديدات الأمنية


وقّع الرئيس ترامب، يوم الجمعة، أمراً تنفيذياً يفرض حظراً على مواطني دول عدة ذات أغلبية مسلمة، كما علّق إعادة توطين اللاجئين مدة 4 أشهر ومنع دخول اللاجئين السوريين كافة إلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من أن القضاة الفيدراليين أصدروا أحكاماً بوقف عمليات الترحيل مؤقتاً، ما يزال مصير الحظر غير واضح. وقد ادعى ترامب أن هذا الحظر خطوة ضرورية لإبقاء “الإرهابيين المتطرفين الإسلاميين” خارج البلاد.

وعلى امتداد قرابة خمسة أعوام، التقيت بما يزيد عن 300 مهجّر سوري في الشرق الأوسط وفي أوروبا. ويبين كتابي القادم، وهو عبارة عن مجموعة شهادات يشرح فيها السوريون ظروف الصراع في بلادهم بتعابيرهم الخاصة، يبين أن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال بعيدون كل البعد عن أن يشكلوا تهديدات أمنية.

 

وكان السوريون الذين التقيتهم أناساً عاديين انقلبت حياتهم رأساً على عقب نتيجة لمعاناة غير طبيعية. فقد تعرّض بعضهم للتعذيب لمجرد مطالبتهم بالحرية، بينما أمضى آخرون شهوراً يقتاتون على أوراق الشجر عندما حوصرا حتى الجوع، وبالكاد نجا غيرهم من القنابل التي دكّت أحياءهم. لقد فقد أولئك الأشخاص منازلهم وأطرافهم وأشخاصاً أعزاء عليهم كما فقدوا أحلامهم. وقال الجميع إنهم يفضّلون أن يعيشوا حياة آمنة وكريمة في بلادهم، لكنهم لا يستطيعون ذلك.

هؤلاء اللاجئون الحقيقيون من سوريا وأماكن أخرى من الشرق الأوسط لا يشبهون “حصان طروادة” في شيء كما أسماهم ترامب. ومع مواصلة الأمريكيين الطعن في خطاب البيت الأبيض بشأن اللاجئين، يجب أن تُؤخذ هذه النقاط الثلاث بعين الاعتبار.

 

  1. إجراءات التدقيق مشددة بالفعل

يحقق أمر ترامب التنفيذي وعده الذي تعهد به في حملته لوضع إجراءات “تدقيق متشددة”. على أية حالة، فإن عملية التدقيق الراهنة التي تقوم بها الولايات المتحدة هي بالفعل إحدى أكثر العمليات تشدداً في العالم، لاسيما بالنسبة للسوريين. إذ لا توافق الولايات المتحدة للسوريين المتقدمين للجوء إلا بعد أن تقوم الأمم المتحدة بتسجيلهم، ومقابلتهم ومنحهم صفة اللجوء ومن ثم تختار إحالتهم إلى البلاد _ وهذا قرار تحظى به نسبة 1% من اللاجئين والتي تعد الأكثر ضعفاً في العالم.

وبعد ذلك تتم مراجعة أوضاع طالبي اللجوء من قبل وزارة الخارجية، التي تجري من عمليتين إلى 3 عمليات فحص لخلفيات المتقدمين وتطابق صورهم وبصمات أصابعهم مع قواعد البيانات الأمنية الحيوية. ويخضع بعدها السوريون لطبقة أو طبقتين من عمليات المراجعة من قبل أجهزة المواطنة والهجرة الأممية، وذلك يشمل مقابلة شاملة مع وزارة الأمن الداخلي، ثم فحصاً طبياً ويأتي بعدها دروس في التوجيه الثقافي. وعندها فقط يتم وصلهم بوكالة إعادة التوطين الأمريكية. وقبل المغادرة وعند الوصول أيضاً إلى الولايات المتحدة، يمرون من خلال فحوصات أمنية إضافية.

وتستغرق عملية الفرز هذه ما يصل إلى عامين. ومن غير الواضح كيف يمكن لها أن تكون أكثر فاعلية في اصطياد التهديدات الأمنية المحتملة .

 

  1. الولايات المتحدة تقر باستقبال عدد قليل جداً من اللاجئين السوريين

دعا ترامب، عندما كان مرشحاً، إلى “وقف تدفق اللاجئين السوريين الهائل إلى الولايات المتحدة” ذاكراً أن أعدادهم تصل إلى “مئات الآلاف” منذ بداية الصراع السوري عام 2011، وحتى نهاية العام 2016. أعادت الولايات المتحدة توطين 18.700 لاجئ سوري _ وكان حوالي 90% منهم قد أعيد توطينهم منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015. وهذا يصل إلى 0.3% من قرابة 5.8 مليون لاجئ سوري في الشرق الأوسط وأوروبا. كما يوجد بالإضافة إلى هذا الرقم 7.6 مليون سوري مهجّرين داخلياً.

كما تقبع الأغلبية الساحقة من اللاجئين السوريين في الخارج في الفقر وبأوضاع قانونية مبهمة في تركيا والأردن ولبنان. كما يوجد من بين أولئك 1.5 مليون طفل، نصف هؤلاء ليسوا مسجلين في المدارس. وفي مخيم الزعتري في الأردن، المدينة الرابعة الكبرى في البلاد، يواجه اللاجئون البالغ عددهم 800 ألف لاجئ العواصف الرملية في الصيف والفيضانات في الشتاء. أما في لبنان، التي يشكل فيها اللاجئون السوريون -الذين يبلغ عددهم مليون لاجئ- قرابة نصف السكان، تعيش العائلات المحتاجة في المستودعات وتحت الجسور وفي مستوطنات غير رسمية في ظل ظروف بائسة. وفي تركيا، التي استضافت ما يربو على 2.8 مليون سوري، يعيش الأطفال والبالغون ظروفاً استغلالية بشدة.

ونظراً لمعاناة هؤلاء في البلدان المجاورة، ليس من الغريب أن يخاطر اللاجئون بكل شيء للوصول إلى أوروبا. الآلاف منهم يغرقون في طريقهم للوصول، والبعض يقدم على هذه الخطوة ليتجمد بعدها حتى الموت. وتتحمل الدول الأقل ثراء عبء أزمة اللاجئين الكبرى في وقتنا الحالي، أما نصيب الولايات المتحدة فهو صغير بالفعل.

 

  1. اللاجئون ليسوا إرهابيين

لقد اتهم ترامب اللاجئين السوريين بأنهم على صلة بالإرهاب، معلناً أنهم “في كثير من الحالات، منحازون لتنظيم داعش”. لكن اللاجئين السوريين أنفسهم قد هربوا من عنف الدولة والحرب والاضطهاد والتطرف كذلك الذي يمارسه تنظيم الدولة. علاوةً على ذلك، تُظهر السجلات التاريخية أنه لم يقدم أي لاجئ على ارتكاب هجوم إرهابي على أرض الولايات المتحدة. بل كان أغلب المتطرفين في الولايات المتحدة المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، كانوا أمريكيي المولد.

وليس هنالك من شيء يسلّط الضوء على حقيقة اللاجئين أكثر من الاستماع إليهم وهم ينقلون معاناتهم، ويتحدثون عن الأشياء الغالية عليهم، وما يريدون تحقيقه. وصوتهم يرسم حقيقة مختلفة كلياً عما يزعمه ترامب بنفسه.

 

رابط المادة الأصلي : هنا.



صدى الشام