ماراثون يومي يواجه المواطن.. وتكاليف تستنزف ما تبقى في الجيوب

4 فبراير، 2017

كابوس يومي يعيشه المواطن السوري بشكل عام وسكان دمشق وريفها بشكل خاص جراء أزمة مزمنة تجاوز عمرها 7 أعوام دون أن تتحرك حكومة النظام لحلها.

أزمة النقل التي يعاني منها معظم فئات المجتمع من الموظف إلى الطالب وحتى المرضى أثناء إسعافهم، وزاد من بؤس الحال ما تشهده شوارع دمشق من ازدحام جراء الحواجز، فأصبح وصول الشخص إلى المكان الذي يقصده يأخذ ساعات كثيرة، وبات على المواطن أن يضع ضمن مخططه اليومي ضياع ما لا يقل عن ساعتين لكي يصل إلى دمشق في حال كان يقطن في ريف دمشق، وساعة على الأقل إن أراد أن يتنقل من إحدى ضواحي دمشق إلى مركز المدينة.

ورغم ندرة وسائل النقل وقِلتها، فإن تعرفة النقل أيضاً شكلت هاجساً مادياً لمعظم الأسر، فأي وسيلة نقل عامة ضمن دمشق لا تقل تعرفتها عن 35 ليرة وربما ترتفع إلى 50 ليرة لبعض الخطوط، في حين تصل إلى 150 ليرة و200 ليرة لخطوط ريف دمشق بالنسبة للسرافيس، مع غياب تجزئة التعرفة، فالمواطن الذي يستقل وسيلة نقل لمسافة 100 متر فقط سيدفع نفس التعرفة التي سيدفعها من يستقل نفس وسيلة النقل لمسافة 2 كيلو متر.

 

 

تكاليف النقل تستنزف الراتب

باحث في الشؤون الاقتصادية بيّن في تصريح خاص لصدى الشام أن أجور النقل باتت تستحوذ على نسبة لا يستهان بها من دخل الأسرة السورية، حيث يصل بعضها إلى نسبة 40% كحال الموظفين في ريف دمشق وتتعدى إلى نحو 80% في حال كان هناك أكثر من فرد ضمن الأسرة الواحدة يتنقلون بشكل يومي، حيث تصل تعرفة التنقل ضمن “التكسي سرفيس” من ريف دمشق إلى دمشق لنحو 500 ليرة يومياً، أي أن الموظف أو الطالب سيدفع شهرياً 11 ألف ليرة مع اقتطاع أيام العطلة “الجمعة والسبت”، حيث يعاني معظم المواطنين في ريف دمشق من ندرة السرافيس ووسائل النقل العامة، رخيصة الثمن، وخاصة في أوقات المدارس، إذ تتعاقد هذه السرافيس مع المدارس الخاصة، وأمام ندرة الحلول يستقلّ المواطنون سيارة عمومية “تكسي” ويدفع كل شخص مبلغاً مقطوعاً يبدأ بـ500 ليرة، وربما يرتفع أكثر كلما بعدت المسافة، وبهذه الطريقة نجد أن التكسي أصبحت تأخذ دور السرفيس.

وفي حال أراد الموظف أو الطالب أن يتنقل باستخدام السرافيس العادي فأجرة السرفيس من ريف دمشق إلى دمشق تصل إلى ما بين 150 إلى 200 ليرة ذهاباً و200 ليرة إياباً و100 ليرة للوصول إلى المكان المقصود ضمن دمشق “ذهاباً وإياباً” ليصبح المجموع الكلي 500 ليرة، أي 12 ليرة للشخص الواحد فقط.

أما بالنسبة للمواطنين القاطنين في ضواحي دمشق كجرمانا أو صحنايا أو غيرها من المناطق، فإن عملية النقل تستنزف منهم نحو 20% من راتبهم الشهري، كون المسافة تعتبر أقل، وبالتالي التكلفة أقل، وبالطبع الحديث هنا عن تكلفة الشخص الواحد، ففي حال كان في الأسرة طالب جامعي فإن تكاليف النقل هنا ترتفع أكثر، وقد تستحوذ على الراتب كله.

 

أسباب أزمة النقل

الباحث الاقتصادي بيّن أن أزمة النقل في دمشق وريفها ناتجة عن عدة أسباب؛ أولها نزوح الكثير من الأسر من المحافظات الساخنة إلى دمشق، الأمر الذي ضاعف عدد السكان فيها حتى بلغ نحو 8 ملايين نسمة، وبالتالي أدى لزيادة الضغط على وسائل النقل بشتى أشكالها، وتزامن ذلك مع خروج الكثير من هذه الوسائل عن الخدمة سواء العامة أو الخاصة بسبب تضررها من العمليات العسكرية.

ويتمثل العامل الآخر بهجرة العاملين على السرافيس أو تغيير عملهم بعد ارتفاع أسعار المحروقات وقطع الغيار وندرتها، وعدم الجدوى الاقتصادية من العمل كسائق على سرفيس أو تكسي، وذلك لصعوبة التنقل وازدحام الشوارع والمخاطر التي قد يتعرض لها أثناء عمله.

ولفت الباحث أن حل أزمة النقل يجب أن لا يقتصر على المفهوم العام، والذي يقوم على توفير وسائل النقل العامة مثلما تعمل حكومة النظام عليه حالياً حيث لجأت إلى استيراد الكثير من باصات النقل الداخلي لوضعها في الخدمة ضمن دمشق، بل يجب أن يشمل الحل أيضاً المعاناة الاقتصادية التي تواجه المواطنين، وتقليل التكاليف الكبيرة التي يتكبدونها بشكل يومي، وذلك عبر التدخل الإيجابي بهذا الأمر ووضع وسائل نقل بأسعار رخيصة ومدعومة للطلاب والموظفين وصرف تعويض تنقل للموظفين القاطنين في الأرياف أو البعيدين عن مناطق عملهم، كما يجب أن ينطبق الأمر ذاته على العاملين في القطاع المشترك والخاص.

 

السير..أسرع وأكثر راحة نفسية

وأشار الباحث إلى أن معظم المواطنين في ظل هذا الواقع الصعب لجؤوا إلى حلول أقل تكلفة وأسرع من حيث الوقت، كالسير على الأقدام، على الرغم من أن ذلك يحتاج لجهد جسدي إلا أن الانتظار لساعات طويلة لحين قدوم السرفيس والانتظار أيضاً لساعات أمام الحواجز يجعل من المواطنين يحبذون هذا الخيار الأريح لهم مادياً ونفسياً رغم التعب الجسدي لهم، لافتاً إلى أن هناك بعض المواطنين قاموا بشراء درجات هوائية للتخلص من أزمة النقل، ولكن هذه الوسيلة لا تفي بالغرض بالنسبة للقاطنين بعيداً عن مراكز عملهم.

وكان عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق هيثم ميداني قال مؤخراً في تصريحه لوسائل إعلام محلية إن “عدد باصات القطاع الخاص العاملة بدمشق يقدر بـ250 باصاً إضافة إلى عدد من باصات النقل الداخلي في القطاع العام ولكن دمشق يلزمها 1000 باص في الأحوال العادية، وأن أكثر من 90% من تخديم المواطنين يتم عن طريق شركات النقل الخاصة، بالتعاون والتنسيق معها”، لافتاً إلى أن هناك 55 باصاً لدى شركة “هرشو” لتخديم خط “شارع الثورة – السومرية” و80 باصاً لشركة ملوك و30 باصاً لشركة الأوائل.

ولا شك أن قطاع النقل حالياً يعاني من مشكلة لا يستهان بها، ألا وهي نقص السائقين والفنيين، وقد أشرنا في أعداد سابقة إلى أن شركة النقل الداخلي سواء في دمشق أو اللاذقية أو غيرها من المحافظات تعاني نقصاً حاداً بعدد السائقين والفنيين، حيث أعلنت الشركة عن مسابقة لتعيين سائقين، إلا أن الإقبال على هذه الوظيفة يعتبر نادراً في ظل صعوبة العمل والازدحام والمخاطر المحدقة بالسائق، سواء من القذائف العشوائية التي تسقط، أو من الحواجز التي “تفيّش” جميع الركاب بما فيهم السائق، أو من الازدحام الذي يجعل من العمل غير مجدٍ اقتصادياً للسائق.

 

 

“بلا تدفيش” لا ما كان لك في السرفيس!

وانخفض عدد الميكروباصات في دمشق وريفها للثلث حيث يقدر عددها حالياً 1200 ميكروباص، وبلغ الانخفاض 3800 ميكرو باص خلال سنوات الثورة السورية، وخلال هذا العام أعلنت حكومة النظام عن موافقتها على استيراد باصات نقل داخلي جديدة لتخديمها في 4 محافظات (دمشق ـ حلب ـ اللاذقية ـ طرطوس).

الموظف “سامر” الذي يسكن في ريف دمشق يشرح معاناته اليومية، ويقول: “نخرج من المنزل في ساعة مبكرة صباحاً ليس بدافع الرياضة بل بدافع الجري خلف السرافيس، وللحصول على نصف مقعد لكي يقلني إلى عملي قبل أن أتأخر، وفي حال تأخرت فأنا مضطر لأن أركب تكسي بتعرفة مرتفعة”.

والحال ليس أفضل بالنسبة للطالب “عدي” القاطن أيضاً في جرمانا إذ يلفت إلى أن”عليك التأهب وأن تكون متيقظاً وحذراً، فقد يأتي السرفيس بأي وقت وعليك الانقضاض عليه، والنجاح بالحصول على مقعد أو موضع قدم لك، في ظل الحشود الغفيرة المتواجدة أمام الموقف…وإلا لن تحظى بالركوب ولن تصل إلى الجامعة أبداً، فإما التدفيش أو لا مكان لك في السرفيس”، مشيراً إلى أن هذا السيناريو يتكرر أيضاً في وقت الذروة الممتد من الساعة الواحدة ظهراً إلى الثالثة عصراً.

 

 

السرقة والتحرش

هذه الظاهرة السلبية ولّدت ظواهر أخرى فقد زادت عمليات السرقة، وخاصة بالنسبة للجولات والحقائب، وبلغ عدد الجوالات المسروقة نحو 25 ألف جوال قيمتها بلغت مليار ليرة خلال العام الماضي، وذلك وفقاً لإحصائية قضائية صدرت مؤخراً. ولا يمكن إغفال ما تتعرض له الفتيات أيضاً من تحرش مقصود أو غير مقصود نتيجة التدافع والتزاحم للحصول على مقعد، أو نتيجة الازدحام ضمن باصات النقل الداخلي.

وحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات تبقى أزمة النقل معقدة ومركبة وتزداد سوءاً، فيما الحلول غائبة، أوبعيدة عن الواقع…وما على المواطن إلا الصبر.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]