آخر الرجال في حلب، السينما تكرم الخوذ البيضاء


مصطفى عباس

لم يكن ليدور في خلد المتطوع في منظومة الدفاع المدني، خالد حِرحْ، عندما كان يحاول إنقاذ الأهالي المدنيين الذين يستهدفهم طيران النظام والطيران الروسي، أنه سيصبح بطلًا لفيلم سيفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان (صن دانس)، أحد أكبر مهرجانات السينما العالمية في أميركا.

استشهد خالد المنقذ، لاحقًا، ولكن الفيلم بقي وثيقةً بصرية توصل الرسالة إلى العالم المتحضر الذي يشيح بوجهه عما يحصل في سورية. اليوم قد يرقد صاحب الخوذة البيضاء بسلام، بعد أن حصل على شيء من حقه المعنوي، وأُهديت له الجائزة، ولكن الذين صوروا الفيلم –أعضاء مركز حلب الإعلامي- لا زالت المعاناة السورية حاضرة كشريط سينمائي تختزنه ذاكرتهم، وبخاصة أن الطيران الروسي كان يستهدف رجال الدفاع المدني استهدافًا مباشرًا.

يقول فادي الحلبي، مدير الإضاءة في الفلم وأحد المصورين، لموقع جيرون:

“الشخص الذي كنت أصوره يوميًا، وآكل وأشرب معه، وأنظر عن كثب إلى معاناته مع زملائه في المنظومة، استشهد وهو يسعف الجرحى، وبات مطلوبًا مني أن أصوره كيف استشهد، لأنقل للعالم قصة بطل حقيقي، قدم روحه لكي يحيا غيره”

“آخر الرجال في حلب” هو اسم الفيلم الذي استغرق سنتين من العمل تحت البراميل المتفجرة التي يلقيها طيران النظام، ثم صواريخ المقاتلات الروسية، ويتناول الفيلم الحياة في الشهباء، من خلال قصة أصحاب القبعات البيضاء وأحداث الحصار، والتفاصيل المتعبة التي عاشتها المدينة في سبيل نيل الحرية، وهو من إخراج فراس فياض، بالتعاون مع شركة “لارام فيلم” الدنماركية، والتنفيذ والإنتاج والتصوير والإضاءة لأعضاء مركز حلب الإعلامي.

“تأتي أهمية الفيلم وجائزته تماشيًا مع التهجير القسري الذي تعرض له سكان حلب من النظام والروس المليشيات الداعمة، ليكون شاهدًا على جرائم ضد الإنسانية، ويظهر حجم والاصرار والفداء لدى رجال الدفاع المدني، لحماية مدينتهم وانقاذ أبنائها من الموت اليومي، وكذلك في مواجهة الدعاية المغرضة التي يقوم بها الروس ضد عملهم الإنساني، في هذا الفيلم هناك وثيقة تثبت القيم الانسانية التي يتحلى بها أصحاب القبعات البيضاء وتضحياتهم”

هذا ما قاله فراس فياض مخرج الفيلم في تصريح لموقع جيرون.

كثير من المصورين أصيب في أثناء عمله، وكاد بعضهم يفقد روحه، من أجل توثيق اللحظة المثقلة بالجراح، والأرواح الصاعدة إلى بارئها ” كانت مهمتنا تتبع الشخصيات على المدى الطويل وتوثيق الصراعات الداخلية التي تعيشها الشخصيات، وليس الجري نحو الخطوط الاولى وتوثيق القصف والموت فحسب، لقد فكرنا بتوثيق الخوف والقلق العلاقات الاجتماعية والصداقة والثقة بين هؤلاء الناس، بوصفهم بشرًا وليس آلات عمل وإنقاذ”، يضيف المخرج السينمائي فياض.

أما لجنة التحكيم في المهرجان، فقالت عن “فيلم آخر الرجال في حلب”: ” بلا أدنى شك، إنه فيلم استثنائي، بما لا يشبه فيلمًا آخر، رفعنا وحلق بنا، ثم اسقطنا في المكان، عمل متكامل من الفن والقوة والانجاز السينمائي، ورواية مقنعة عن أبطال يكشفون في ظل أوضاع مستحيلة عن المزيد من الرحمة والإنسانية والشجاعة غير العادية، هذا العمل الصلب يمزج بين التزام صناعه بالجرأة وعدم الخوف وبين بسالة الآباء والإخوة والأصدقاء الذين تشكل سورية أولويتهم”.

يشار إلى أن مهرجان “صن دانس” يشكل منصة لصانعي الأفلام المستقلة، وكثير من الافلام التي كرمها احتلت مواقع مهمة في جوائز اوسكار بعدئذ، ويحتفي المهرجان الذي أطلق عام 1985، بالمواهب الجديدة، ويسلط الضوء على سينمائيين يعملون خارج مجموعات السينما الرئيسة في العالم.

الجدير بالذكر أن فراس فياض من مواليد 1984، ونتيجة لنشاطه؛ تعرض للاعتقال من النظام مرتين في بداية الثورة، الأولى ثلاثة أشهر، والثانية ثمانية أشهر، يقول إنه لا يدري كيف نجا من الموت، بينما كان شاهدًا على مقتل كثير من المعتقلين تحت التعذيب، وهو مخرج وسيناريست كتب وأخرج عددًا من الأفلام، سواء الوثائقية أو الخيال، ويشارك في المهرجانات السينمائية الدولية، وتلقى أعماله تقديرًا، كونها تتناول القضايا السورية المعاصرة، والتحول السياسي في العالم العربي، وآخرها فيلمه ” آخر الرجال في حلب” الذي نال الجائزة .




المصدر