إعلام بيت الأسد والغسيل اليومي لدماغ الشعب

5 فبراير، 2017

مصطفى علوش – المصدر

أتلفتُ يمنة ويسرة وأنا هنا في أوروبا خشية تسلل مخبر ما إليّ، وذلك كلما باشرتُ بكتابة مقال ما،  فما صرفه نظام الأسد الأب والابن لمراقبة الشعب من مال الشعب، كان يكفي لجعل سورية من أفضل بلدان العالم، ولكن هيهات ومتى كان الطغاة يفكرون بالتنمية!

فكل ما عشناه كان ارتجالاً بارتجال، فخطط حافظ الأسد الخمسية جعلت الزعبي وملحقاته يتربعون ويسرقون ما طاب لهم، طوال سنوات، وبعد ذلك انتحر الزعبي بعدة طلقات!

نعم خطط خمسية وبيادر من الأوراق والاجتماعات كانت تعقد، ودائماً كانوا يوظفون إعلامهم لغسل دماغ الشعب، فلاحظوا معي يا ناس: الحكومة صرفت عشرات المليارات على مشاريع مائية أو كهربائية، وصرفت عشرات المليارات من الليرات على مشاريع خدمية وتنموية، وصرفت الحكومة على الشعب، وتعاد هذه الجملة ملايين المرات، من قبل رئيس الحكومة ومن قبل وزير المالية ومن قبل ملايين البعثيين والخائفين، إلى أن تصل إلى آخر مواطن في أقصى الريف الشرقي، فيصدق الناس أن الحكومة كانت تصرف عليهم، أي أنهم هم من يُصرف عليهم، وليسوا هم من يَدفع الضرائب، وليسوا هم من يعمل في الليل والنهار في مختلف الأعمال من أجل تأمين القوت اليومي.

في الزراعة يعمل الفلاح هو وكل عائلته، وآخر العام التاجر والجمعية الفلاحية يسرقون جهده، ومع ذلك كان الفلاح السوري ينام وهو يستمع بأن الحكومة تصرف عليه المليارات.

في إعلام بيت الأسد كان غسيل الدماغ مسألة جوهرية اشتغل عليها النظام بالليل والنهار، فممنوع توجيه نقد أي ملاحظة للأجهزة الأمنية وللجيش ولوزارة الأوقاف في إعلام النظام، واسرائيل تطبع في مطابع الإعلام كلمتها بين قوسين، كعدم اعتراف بها، حتى أن أحد رؤساء جريدة تشرين رأى في ذلك نضالاً بعثياً خالصاً، بينما نفس رئيس التحرير، منعَ أمين تحرير مجلة تشرين الأسبوعي من وضع عنوان رئيسي على الغلاف وهو(كارثة سد زيزون) وذلك حتى لا توهن نفسية الأمة.

التحليلات السياسية كانت ترسم حدودها العامة من قبل المخابرات العامة ومسموح الاجتهاد طالما أن الاجتهاد يأتي في إطار تكريس ما قاله رأس النظام مثلاً.

دائماً اسرائيل هي الخطر الخارجي، بينما ايران صديق وحليف، آلاف الجائعين والمشردين قبل الثورة كانوا ينامون في حدائق العاصمة، ملايين الاختلاسات اليومية من قبل فاسدين ومع ذلك كان إعلام النظام يرى في تسمية أي فاسد عملاً غير قانوني، بينما تكرار الإنشاء الفارغ من قبل عشرات الإعلاميين البعثيين كان يراه تثبيتاً وتطويراً للدولة.

تم تثبيت الوعي الجمعي السوري ضمن مسافة الرعب والجهل وقوالب العقل الجاهزة، كانت الناس كلها تخاف من بعضها البعض، ومع ذلك كان تلفزيون النظام يبث برنامجه التاريخي (سورية التطوير والتحديث).

تطوير في الإعلام جعل رغداء مارديني رئيسة تحرير، وجعل سميرة المسالمة تقال من منصبها بهاتف من ضابط أمن لأنها بكت على الهواء على قناة الجزيرة، بينما تتابع رغداء مارديني ضحكها أمام كل مجازر النظام.

تطوير في الصناعة يجعل كل معامل البلد تصاب بالإفلاس والعجز، حيث كان معمل الإطارات بحماه يخسر مليون ليرة في اليوم إذا اشتغل، ويخسر مليونين ليرة إذا توقف عن العمل، فهل لليابان أن تدرك سر هذا التطور الصناعي الأسدي.

غسيل دماغ يومي، شعار بيت الأسد: أيها الشعب مسموح لكم كل شيء ما عدا الشغل بالسياسة، فأي معارض ولو كان معارض لقرارات زوجته أو حماته كان يستضاف في فرع التحقيق لشهرين ثم يتابع شرب فنجان قهوته في صيدنايا لمدة تتراوح بين السنة والعشرين سنة.

مروعٌ ما عاشه السوريون قبل الثورة، ثلاث جرائد وإذاعة وتلفزيون وجيش من مرتزقة الإعلام، يرددون ما يريده بيت الأسد، وأي صحفي يمكن أن يكون قلمه نظيفاً كان مصيره التهميش والترويع.

كل صحفي جيد تم قمعه بطريقة ما، وبقي في التلفزيون نضال زغبور ومشتقاته من أصحاب البرامج الأبدية، حيث مدارات البونات تصل إلى ربع مليون لأي واحد من هؤلاء، بينما يتكفل جيش من المخبرين بمراقبة أي إعلامي نظيف، لمجرد أنه صامت مثلاً.

تلك كانت سياسة النظام، فذات مرة جرى تعويم إشاعة أن هناك هزة أرضية ستحدث في سورية، حيث حكى لي صديق أنه هاتفَ أخته التي كانت تسكن في اللاذقية واضطر أن يرن على الجيران لأن هاتفها لم يرد، فرد عليه أحد البعثيين قائلاً حول الهزة قائلاً: يقولون أن الهزة ستأتي بعد ثلاث ساعات!

وأيضاً كل العلم والتطور البشري لم يصل لمستوى إشاعة المخابرات السورية التي شارك الإعلام بها ومفاده هزة أرضية ستحدث بعد عدة ساعات.

تماماً مثل تيس البوكمال الذي جرى تعويم وتعميم إعجازه، فقط لأنه كان في ذلك إشغال للبشر.

اعملوا أي شيء، ولكن لا تتكلموا عن بيت الأسد و بيت مخلوف وشاليش، ولا تتحدثوا عن ملياراتهم المنهوبة.

أي تحديث للعقل كان يصطدم بعقل قدري، بعثي، قوامه ترداد للهراء العام، ومنع أي اجتهاد حقيقي، جرى كل ذلك لترسيخ أبدية بيت الأسد وكل من يسرق معهم البلد ويؤازرهم.

افتتاحيات تشرين تشبه البعث وتشبه الفداء والكل يردد ذات العبارة الطنانة والفارغة عن مؤامرات كونية ويستحمر كل البشر.

تخيلوا الآن وبعد ست سنوات من عمر الثورة وبعد ملايين المهجرين واللاجئين والشهداء والتدمير، مايزال إعلام بيت الأسد يخاف من سطر جريء في جريدة متل البعث أو تشرين مع أن نظام بيت الأسد  كان ومازال عبارة عن حواجز عسكرية وسجون فقط لاغير.

تطوير إعلامي يجعل من هاتف نجاح العطار لتثبيت رغداء مارديني أقوى من أربعين صحفي جرى تقليعهم من مزرعة جريدة تشرين التي تديرها رغداء مارديني، مع أن معظم الصحفيين من الموالاة!

وطبعاً يجري كل ذلك، بينما رأس النظام يحتقر إعلامه، ويدفع ملايين الدولارات من مال الشعب المسروق ليستضيف صحفيين من كل بلدان الأرض، ليجري معهم مقابلات يتحدث بها عن الشعب السوري الإرهابي، وتقوم في اليوم التالي جرائده بنسخ مقابلته.

ويسألونك الشبيحة بعد كل هذا ساخرين من الشعب (بدكن حرية) ؟

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]