إيمانويل ماكرون “الوسيم الرمادي” الطامح لرئاسة فرنسا

5 فبراير، 2017

عماد أبو سعيد – المصدر – أ ف ب

فجأة، في أقل من 6 أشهر، فرض ايمانويل ماكرون نفسه كأحد أبرز المرشحين للرئاسة الفرنسية، إذ فرض حضوراً متقدماً على جميع منافسيه السياسيين من أقصى اليمين إلى اليسار، وما بينهما.

بالأمس، احتشد ما لايقل عن 10 آلاف مواطن للاستماع والتصفيق الحار لكلمة ماكرون، وزير الاقتصاد السابق وزعيم حركة “إلى الأمام” السياسية، والمنافس القوي على منصب الرئاسة الفرنسية.

لا شك أن شعبية “ماكرون” تعززت على  حساب شعبية زعيم الاشتراكيين، رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون الذي يتهمه خصومه باختلاس زهاء 900 ألف يورو من المال العام. ما يفسح المجال أمام “ماكرون” لمنازلة “مارين لوبان” زعيمة “الجبهة الوطنية” وصاحبة الحظ الذي لا يستهان به، في نيل ثقة الناخبين الفرنسيين، على خلفية صعود اليمين في العالم، الذي كثفه فوز ترمب في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعل لوسامة “ماكرون” دور ما في صعود نجمه، لكن أيضاً لخطابه نصيباً لا بأس فيه، حيث يحاكي اليسار كما اليمين، عبر الكشف عن نيته تعزيز الأمن والدفاع وحصره في النطاق الأوروبي بعيدا عن الناتو والولايات المتحدة، حيث قال في كلمته: “بلادنا مستمرة، وبشكل يومي في كفاح “الأسلمة الراديكالية” ومن يحضرون للأعمال الإرهابية ضد أطفالنا ويحاولون تقويض قيمنا، مستندة في ذلك إلى جيشها ودبلوماسييها، وهذا حصرا ما يحملني على زيادة ميزانية الدفاع لتصل بشكل تدريجي إلى 2 في المئة من إجمالي ناتجنا القومي”.

ثم تابع: “من أجل ذلك أيضا أنادي بالدفاع الأوروبي والشراكة بين بلادنا وألمانيا، ولهذا الغرض دون سواه زرت ألمانيا مؤخرا”.

وهو خطاب بحسب مراقبين، يتيح لـ “ماكرون” اقتناص أصوات الفرنسيين المترددين في التصويت للوبان ببرنامجها الراديكالي، وذلك لأنه ينادي بما هو وسط قياسا لطروحاتها.

لكن من هو  إيمانويل ماكرون؟ .. الذي تحول إلى ظاهرة سياسية، تستعد للهبوط انتخابياً في قصر الاليزيه؟

لفت الرجل الأنظار إليه منذ استقالته من منصب وزير الاقتصاد الذي شغله بين عامي “2014 – 2016″، ثم تأسيسه حركة “إلى الأمام”.

اللافت أن “ماكرون” يحرص على عدم تصنيف نفسه في خانة سياسية بعينها “يمين أو يسار”، وهو في نظر مؤيديه لا ينتمي لأي تيار سياسي تقليدي،بقدر ما استطاع  بلورة  أفكار جديدة، تغازل أوسع شريحة ممكنة من الفرنسيين، مثل التشديد في كل تجمع انتخابي شعبي على ضرورة ألا يكون هناك منبوذون ومنسيون في فرنسا ، وعلى أولوية تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، والدفاع عن مشروع متناغم يقوم على رؤية شاملة، كما تعهد بخفض كلفة العمل للمؤسسات العمومية وإبقاء نظام العمل 35 ساعة في الأسبوع.

ولعل المثير في “إيمانويل ماكرون” هو إثارة حفيظة  اليمين واليسار معاً، إذ يصفه اليمين بـ”العميل” ويرى فيه العقبة الأصعب أمام وصول فرانسوا فيون إلى سدة الحكم. فيما يلقبه الحزب الاشتراكي بـ”بروتوس جديد”، لأنه يروا أن بترشحه للرئاسة خدع الرئيس فرانسوا هولاند الذي عينه وزيرا للاقتصاد في 2014، بعدما عمل مستشارا له في قصر الإليزيه في 2012. . و”بروتوس” هو السياسي الفيلسوف الذي شارك في قتل الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر عام 44 قبل المسيح، رغم فضل “الامبرطور” عليه. عدا أن الحزب الاشتراكي، يرى فيه المنافس المباشر الذي يمكن أن يشتت صفوف اليسار ويسمح لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بالتأهل إلى الجولة الثانية مثلما وقع في 2002 عندما جاء والدها جان ماري لوبان في المرتبة الثانية بعد شيراك في حين استبعد ليونيل جوسبان ممثل اليسار.

وما يعزز جاذبية “إيمانويل” هو سيرته الذاتية، التي لا تنقصها مسحة قوية من الرومانسية، حيث وقع المراهق في سن 16 عاماً في غرام مدرسة “برجيت ترونيو” مدرسة اللغة الفرنسية، والتي كانت تكبره سناً بعشرين سنة. لكن العشق لا يعرف كبيراً ولا صغيراً، لذا تزوج “ماكرون” بعد قصة حب امتدت لسنوات بمعشوقته “برجيت”، ولا تزال تشاركه حياته

لعبت برجيت ترونيو دورا أساسيا في تألق نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أو السياسي، وعملت على منحه الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى المنصب الأعلى للسلطة.

  عمل “إيمانويل” بعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي، مستشار الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران. لكنه غادر في 2008 عالم الإدارة العليا والتحق بمصرف “روتشيلد” ليكتشف أسرار البنوك والمالية. وفي حوار مع جريدة “لوموند”، علق ماكرون عن خبرته البنكية قائلا:” تعلمت مهنة، واكتشفت كيف يسير عالم المال والاقتصاد”.

وفي عام 2012، التحق بالرئيس هولاند وعمل مستشارا اقتصاديا إلى غاية 2014 ليعينه هولاند بعد ذلك وزيرا للاقتصاد محل أرنو مونتبورغ، الذي استقال من منصبه. وعن هذا التعيين، قال ماكرون:” طلبت من الرئيس أن يمنحني ساعة واحدة فقط للتفكير. كنت أريد أن أضمن أن تكون لي حرية كاملة في التصرف. في الحقيقة لست رجل النزاعات والخلافات، لكن الرئيس كان يدرك في نفس الوقت بأنني قادر على الاستقالة في أية لحظة”.

دامت عهدة ماكرون الوزارية سنتين (2014-2016) وظف خلالها خبرته في مجال البنوك لإعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وتخفيض نسبة البطالة التي تطال ملايين الفرنسيين. لكن عندما غادر الحكومة، اعترف بوجود عوائق كثيرة في الشركات والإدارات الفرنسية تحول دون القيام بإصلاحات عميقة وكفيلة بإخراج فرنسا من الأزمة التي تمر بها منذ سنوات عديدة.

ولم يشرح ماكرون سبب استقالته من منصبه ولم يكشف عما إذا كان يفكر آنذاك في خوض غمار الانتخابات الرئاسية أو إذا كان بصدد تأسيس حزب سياسي. عمل ماكرون في الظل و بعيدا عن أنظار الإعلام إلى غاية تأسيس حركته ” إلى الأمام” واستقطب عشرات الألاف من المساندين، غالبيتهم من الشباب الذين يرون فيه الرجل السياسي النظيف الذي جاء بأفكار حديثة ويتحدث لغة أخرى غير لغة السياسيين الفرنسيين التقليديين.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

5 فبراير، 2017