“الترجمة.. سفر النص”: كتب بسبع أرواح


من سؤال الترجمة تتناسل عشرات الأسئلة التي تتجاوز حدود التعريفات، لتلامس سقف الشروط الجوهرية لاكتمال جدوى المنتوج الإبداعي، وميلاده الجديد بلغات أخرى. تلك الأسئلة الإشكالية الطابع، كانت موضع نقاش في الندوة الثقافية، التي عُقدت على هامش “معرض القاهرة الدولي للكتاب” الذي يتواصل حتى العاشر من الشهر الجاري، تحت عنوان “الترجمة.. سفر النص”، والتي شارك فيها ثلاثة مترجمين مغاربة، وأدارها أنور مغيث رئيس “المركز القومي للترجمة”.
هل المترجم ظلّ الكاتب؟ سؤال استهلّ به المترجم المغربي فريد الزاهي مداخلته، ليخلص إلى “أن المترجم ليس مجرّد ظل للمؤلف الأصل، وإنما ندٌ موضوعي له”، مؤكداً أن الترجمات الناجحة هي التي تضمَن حياة جديدة للنصوص بلغات أخرى، وأنها “حالة من حالات استنبات النصوص في بيئة جديدة”.
يضع الزاهي مسافة فاصلة بين ما يسمّى الترجمة التقنية، وبين الترجمات الأدبية التي عدّها بمثابة ممارسة كتابية لا تختلف عن النصية، فهي بحسب الزاهي، وإن لم تكن نصاً موازياً بشكل كامل، فعلٌ كتابيٌّ يملك نفسَه وتاريخه الخاص، وقد يخلق أجواءه الخاصة والمختلفة، نتيجة لعدة عوامل تتعلّق “بالحاجيات اللحظية لكل ثقافة، فإذا ما وافقت ترجمة ما تلك الحاجيات فإنها قد تمنح النص خواصَّ جديدة تتجاوز تلك التي خلقها النص الأصل في بيئته الأولى”.

ويرى الزاهي أن هناك أيضاً عوامل ذاتية أخرى سواء تلك التي تتعلّق بقدرة المترجم على ملامسة هواجس لغوية أو ثقافية معيّنة ذات علاقة بالبيئة الجديدة أو ما تترقّبه ثقافة ما، كعامل موضوعي يتقاطع مع خصوصياتها الذاتية؛ كما هو الحال بالنسبة إلى ترجماته لـ جاك دريدا في عمل بعنوان “حوارات مع جاك دريدا” أو كتاب “علم النص” لـ جوليا كريستيفا، التي أثارت نقاشات جادة في المشرق العربي، أكثر من المغرب لأنها لامست حاجة ما، لدى هذا المجتمع.
هواجس الترجمة لدى الزاهي تتجاوز سلطة اللغة، ففي التاريخ المعاصر ساهمت الصورة في تغيير الكثير من المفاهيم المتعلّقة باللغة، إذ يعتبر أن إيماننا التقليدي كعرب باللغة، رهان خاطئ؛ عن ذلك يقدّم جملة من الأمثلة التي تتعلّق بثورة المعلومات التي كرّست مفهوم الصورة الحية التي تتلقّفها وسائط الاتصال الحديث، لتشكّل صورة إدراكية جديدة.
عن هذه النقطة تحدّث أيضاً خالد بن صغير، أستاذ التاريخ السياسي في “جامعة محمد السادس”، في ورقته البحثية، التي قاربت بين الحاجيات النفعية لترجمة البحوث العلمية، وبين الضرورات الثقافية للنصوص الإبداعية، التي تصدر في الغرب، مؤكداً أن الترجمة الأنغلوساكسونية تعدّ حديثة العهد في المغرب، وهي في الغالب تتعلّق بالمنتوج العلمي، فيما يعتمد المغرب الأقصى على الترجمات المشرقية للنصوص الإبداعية الأميركية والبريطانية، والتي لا تأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمغرب. كما يلاحظ بن صغير الخصوصية المغاربية، في ترجمتها للنصوص الفرنسية والإسبانية، مقارنة بالترجمات اللبنانية مثلاً.
بدوره، يتساءل المترجم المغربي حسن بحراوي، أستاذ في “كلية الآداب والعلوم الإنسانية”، إن كانت الترجمة بمثابة “سفر النص” كما هو حال عنوان الندوة، أم أن الأصح هو “هجرته” التي يحمل فيها كل الأدوات من (لغة – متاع – ذاكرة – تجارب حياتية – خصوصيات ثقافية واجتماعية ..الخ) بحيث أن النص عندما يهجر موطنه الأصلي، وكاتبه، إنما يعاد إحياؤه في ذاكرة جديدة، وبلغة موازية، وبحاجيات كتابية مغايرة، وبتصوّرات تختلف تماماً عن مؤلّفه، وبالتالي فإن الحديث عن “سفر النص” يعدّ قاصراً عن إشباع حاجيات الترجمة.



صدى الشام