الله محيي الجيش الحر

5 فبراير، 2017

ثائر الزعزوع

“الله محيي الجيش الحر” يفتقد السوريون هذا الهتاف، مثلما يفتقدون كثيرًا من الهتافات والشعارات التي أطلقوها منذ الأيام الأولى لثورتهم التي ستطفئ -عما قريب- شمعتها السادسة في طريق الحرية والكرامة الشاق، وما زالوا حتى يومنا هذا مؤمنين متمسكين بها، على الرغم من كل ما وقع عليهم من كوارث، على أيدي قوات النظام، وقوات الاحتلال الحليفة له، والميلشيات المرتزقة متعددة الجنسيات، وبطبيعة الحال الجماعات الإسلامية المتطرفة التي عدّت الحدث السوري بتداعياته واضطراباته تربة ملائمة لبسط نفوذها وسيطرتها وتحقيق مشروعاتها.

وإن كانت تلك الشعارات الأولى ما زالت في آخر نفق الثورة، ويؤمل السوريون أنفسهم بأن يصلوا إليها، طال الزمن أم قصر، فإن الجيش الحر الذي تجسد واقعًا بعد ستة أشهر تقريبًا من انطلاقة الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، ربيع عام 2011، على أيدي بعض العسكريين الذين رفضوا أن يطلقوا الرصاص على أبناء شعبهم، وفضلوا عصيان الأوامر العسكرية والتمرد، ومن ثم؛ الانشقاق عن المؤسسة العسكرية التي ينتسبون إليها، وتكوين ذلك الكيان الأقرب إلى الشعب، الذي سيشكل -لاحقًا- بندقية الثورة، وخاصة بعد أن أعلنت السلطة أنها ستخوض حربًا مفتوحة على أولئك المندسين والمتآمرين الذين يريدون “زعزعة استقرارها” بمظاهرات سلمية، حمل المشاركون فيها أغصان زيتون في مواجهة دبابة تطأ أجسادهم، ولا تبالي بسحقهم واحدًا تلو الآخر، وباعتراف رأس النظام نفسه الذي قال في أكثر من مقابلة تلفزيونية: إن “الثورة” لم تتسلح إلا بعد مرور تلك الأشهر الستة التي شهدت عنفًا وهمجية وصلت إلى حد تدمير البيوت على رؤوس ساكنيها؛ للقبض على المتآمرين، قتل خلالها من السوريين قرابة خمسة آلاف، واعتقلت السلطات عشرات الآلاف.

كان الجيش الحر قرارًا شجاعًا ومغامرة، الهدف منه حماية المظاهرات السلمية قدر المستطاع، فكان قوة دفاع فعالة، وبفضلها تمكن المتظاهرون من حشد عشرات الآلاف في مظاهرات ضخمة شهدتها مدن حماة ودير الزور، وسواها من المدن، وبمجرد تحوله من الدفاع إلى الهجوم  استطاع أولئك العسكريون الذين التحق بهم كثير من المدنيين، وبأسلحتهم الخفيفة، أن يوجعوا النظام، ويلحقوا به خسائر كبيرة، ويسيطروا على مناطق شاسعة، بل إن مجرد ذكر عبارة “الجيش الحر” كان كفيلًا ببث الخوف في صفوف قوات النظام،  فكان لابد من تفكيك ذلك “الجيش الحر”، أيًا تكن الوسيلة، وأيًا تكن تبعاتها المستقبلية، حتى وإن وضعت مستقبل سورية، الدولة والتركيبة السكانية، على حافة الهاوية، وهذا ما حدث؛ فقد تشكلت فصائل ذات طابع إسلامي متشدد في عدد من المناطق، سيتبين -لاحقًا- أن أولئك الذين تزعموها هم سجناء سابقون، كانوا متهمين بالإرهاب، وقد أطلق النظام سراحهم في صفقات ما زالت تفاصيلها خفية حتى اللحظة، وانفردت تلك الفصائل في قراراتها واستراتيجيتها، وبطبيعة الحال في طروحاتها التي تتنافى كليًا مع طروحات وأهداف الثورة السورية؛ فبدلًا من الكرامة والحرية صار الحديث عن شريعة إسلامية، ثم -لاحقًا- إلى دولة إسلامية، ويمكن عدّ  ظهور جبهة النصرة التي ستغير اسمها -لاحقًا- إلى “جبهة فتح الشام” بداية النهاية لحلم “الجيش الحر”، وخاصة بعد أن تمكنت “النصرة” ربيبة تنظيم القاعدة من الانتصار على الجيش الحر في عدد من المناطق، وأزاحته من المشهد، ربما بسبب خبرة عناصرها القتالية، عدد لابأس منهم شاركوا في القتال في أفغانستان، وفي العراق أو في مناطق أخرى، وقد يعود الأمر -أيضًا- إلى تواطؤ من بعض الدول التي دعمت النصرة، وسهلت لها الحصول على السلاح والعتاد اللازم للتفوق على “الجيش الحر” الذي مورس عليه حظر مبكر من عدد من الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، و قد مهدت “النصرة” الطريق لظهور تنظيم “داعش”، ربيع عام 2013، الذي دخل من باب خلفي، متسللًا من العراق، في تنسيق ما بين حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونظام دمشق، وكل ذلك لم يعد خافيًا على أحد، وقد وضع التنظيم، منذ البداية، نصب عينيه القضاء على الجيش الحر، فعدّ عناصره مرتدين وزنادقة، ونفذ فيهم حكم الردة؛ فقطع الرؤوس ومثل بالجثث، فلم يجد مقاتلو الجيش الحر بدًا من الانشقاق عن جيشهم الحر، بعد أن ضاق الخناق عليهم، وتحولوا إلى أقلية في الساحة، وحوصروا من الجهات كافة، فصار من النادر أن ترى راية الثورة مرفوعة في كثير من المدن الخارجة عن سيطرة النظام، بل إن مجرد رفعها سيكون جريمة، يعاقب مرتكبها إما بالسجن وإما بالقتل.

حل الشيوخ والأمراء محل القادة العسكريين والضباط، وحل المشرعون ولجان الإفتاء محل الأوامر العسكرية، ولا نريد القول إن البوصلة الثورية قد ضلت الاتجاه، لكن من المؤكد أن صورة الثورة قد تغيرت كثيرًا، فملايين المدنيين الثائرين باتوا مهجرين ونازحين، بسبب قوات النظام وحلفائه بالدرجة الأولى، ثم بسبب الفصائل المتطرفة التي تقول إنها “خرجت لنصرة هذا الدين”، فتحولت إلى استبداد وديكتاتورية بغيضة باسم الدين، في موازاة ديكتاتورية بغيضة باسم المقاومة والممانعة، وكلاهما يسحقان الحرية والكرامة التي كانت وما زالت شعار الثورة السورية وجيشها الحر الذي ظل منه اسمه فحسب.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]