ترامب يدّعي أن اللاجئين السوريين لا يخضعون للتدقيق.. ها نحن ذا، وهذا ما اختبرناه


لو لم نأتِ إلى هنا، لقُضي علينا. أما العملية، فكانت بالغة الدقة.

 

ملاحظات المحرّر: “ليندا. ج” وعائلتها، لاجئون سوريون شقّوا طريقهم من دمشق إلى لبنان ليصلوا بعدها إلى بالتيمور. تعاونت ليندا مع عامل اجتماعي ومترجم من لجنة الإنقاذ الدولية، الوكالة غير الربحية التي قدمت لهم المساعدة في إعادة توطينهم هنا، لتسرد قصة لجوء أسرتها. (“نبيلة حجازي”، طالبة عمل اجتماعي سورية أمريكية، قدمت الكثير من المساعدة في عملية الترجمة). وقد وافقت صحيفة واشنطن بوست على اختصار اسمها الأخير وحذف التفاصيل الأخرى المتعلقة بهويتها لحماية أفراد عائلتها في دمشق من التعرض للاضطهاد.

يقول الرئيس ترامب إنه ليس من الآمن قبول أنواع معينة من اللاجئين دون “التدقيق الشديد” الذي سيحدد تفاصيله لاحقاً.  لذلك، يفرض الآن حظراً على الناس من سبع دول بما فيها سوريا، التي هربت وعائلتي منها عام 2014. إلا أننا تعرضنا للتدقيق الشامل قبل مجيئنا إلى هنا، كما حصل مع غيرنا من اللاجئين _ تم تدقيق وضعنا بشدة، وعلى نحو مستفيض. نحن لسنا إرهابيين، ولو أننا لم نأتِ إلى هنا، لكنا نقاسي مختلف أشكال الرعب حالياً.

 

عندما توفي ابننا البالغ من العمر (7 أعوام) أثناء تلقيه العلاج لمرض اليرقان في إحدى مستشفيات مدينة دمشق، قررت وزوجي مغادرة البلاد مع بناتنا. (لقد شرحت تلك التجربة في مقال لصحيفة واشنطن بوست، وفي هذا المقال بضعة أجزاء منها). انتهى بنا المطاف في شقة ضيقة في طرابلس في لبنان، وسرعان ما أنفقنا مدخراتنا؛ فضلاً عن أننا كنا بالكاد نؤمن لقمة عيشنا.

بعد عام من ذلك، تلقيت اتصالاً من الأمم المتحدة يسألونني فيه عما إذا كانت العائلة ترغب في أن تتم إعادة توطينها في مكان آخر. ونظراً للوثائق التي بحوزتنا والتجارب التي مررنا فيها، فضلاً عن ظروفنا الصعبة _ذلك أن عائلتنا كبيرة تتألف من 5 فتيات، كما إن زوجي عامل في مجال الصحة _ رؤوا أننا مؤهلون للتقدم بطلب للحصول على صفة لاجئين.

 

لم نكن لنتمكن من العودة إلى بلدنا سوريا، كما لم نكن قادرين على مواصلة العيش على حافة الموت جوعاً في لبنان. كان هناك خيار متاح وآمن بالنسبة لنا: بدأنا بعملية التقديم إلى الولايات المتحدة.

ابتدأت العملية بسلسلة من اللقاءات مع ممثلي الحكومة الأمريكية، وكانت خمس مقابلات شخصية، على الأقل، مع كل فرد منا، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من المحادثات الهاتفية. كانت الأسئلة تفصيلية للغاية؛ فقد كانت تدور حول عائلتي، وأصدقائي، وكيف أمضي وقتي. أما الأشخاص الذين يجرون معنا تلك المقابلات، فقد كانوا على علم بالإجابات عن تلك الأسئلة قبل أن يطرحوها علينا. سألوني عن حياتي منذ مولدي؛ وكانوا يعلمون كذلك موقع المستشفى. قصتي هي قصتي، لذلك أنا أعلم أن التفاصيل التي كنت أرويها مطابقة لمعلوماتهم، إلا أنني كنت مذهولة بمستوى الفحص الدقيق وطول مدة العملية.

قام كل فرد من عائلتي بسرد قصته، وكان ينبغي لتلك القصص أن تكون متناسقة مع المقابلات التي أُجريت مع أشخاص يعرفوننا. وفي حال لم تتوافق إجاباتنا مع المعلومات التي كانت بحوزة المسؤولين الأمريكيين، أو في حال لم يتمكنوا من التأكد من صحة تلك المعلومات، لم يكن بوسعنا التقدم إلى الخطوة التالية. كان لدي بصيص أمل في نجاح ذلك الأمر، وبذلك سنحظى بحياة آمنة من أجل فتياتي. كنا نحيا على ذلك الأمل.

 

في نهاية المطاف، وبعد أكثر من عام منذ بدء التقديم، أي بعد ما يزيد عن عامين من موعد هروبنا من دمشق، تم السماح لنا في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، بإعادة توطيننا في بالتيمور. كنا نملك 30 دولاراً أمريكياً لأجل الرحلة، وخلال توقفنا في مطار ألمانيا، اشتريت شراباً دون أن أدرك أنني أنفقت ثلث مدخراتنا على زجاجة ماء بقيمة 10 دولارات. وعندها قال لي زوجي مازحاً أننا انتهينا الآن بالفعل، ويجب علينا أن نعود أدراجنا.

ونحن أيضاً أفزعتنا الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أرجاء العالم، كما أننا ندين ذلك بكل إخلاص. لقد شهدت وعائلتي أعمالاً وحشية كهذه من قبل. أعتقد أن عملية الفحص التي مررنا فيها كانت مكثفة ودقيقة وطويلة للغاية، لذا من المستحيل للمسلحين أن يأتوا إلى هنا.

أما الآن، التحقت بناتي، اللواتي لم يتحدثن الإنكليزية من قبل، بالمدرسة. كما حصل زوجي على عمل جيد؛ إذ يعمل سائقاً في شركة للملابس. إن أكبر أحلامي هو أن تحظى الفتيات بالتعليم ومن ثم بمهن مناسبة، وآمل أن نكون جزءاً من هذا المجتمع: أن نتعلم اللغة، وأن نقوم بشيء فعال، وأن نندمج أيضاً. وهذا بالضبط ما يعتقد ترامب أن تحقيقه ضرب من الخيال.

 

لو لم نتمكن من المجيء إلى هنا، لكنّا نعاني الآن. ما يزال والداي وإخوتي في طرابلس، ويخبروننا أن الوضع مزرٍ للغاية إلى درجة لا يمكن تصورها. ليس هنالك فرص عمل، بالإضافة إلى أنه لا يمكن للمرء تحمّل تكاليف الإيجار، كما أن نصف الشعب هناك يتلقى الدعم من الأمم المتحدة. أما بالنسبة للمساعدات الطبية فهي قليلة، وعندما يمرض أحدهم فهو لا يملك النقود لشراء الدواء. الوضع سيئ جداً، كحال أماكن اللجوء الأخرى أيضاً: مثل الأردن وتركيا ومصر.

والوضع في دمشق، مسقط رأسي، ليس أفضل حالاً، بل على العكس. ما تزال أختي تعيش هناك مع زوجها المريض وأطفالها الخمسة. أتحدث إليها عبر الواتس أب بين الحين والآخر، وتخبرني أن الحال قد تصل بهم أحياناً إلى عدم تناول الطعام مدة 4 أو 5 أيام، على الرغم من أنها كانت حاملاً مؤخراً. ونظراً لقلة عدد الأطباء (وارتفاع أجور الأعداد القليلة المتبقية)، اضطرت شقيقتي إلى أن تلد في منزلها منذ 7 أيام. قالت لي أنها لا تتغذى جيداً لتتمكن من العناية بوليدتها، لذا يقومون بطهو حبات الرز وإطعامها للرضيعة. وأضافت أنه في حال استمرت الأمور على هذا المنوال، سيفقدون الطفلة. من الصعب لك أن ترى طفلك يموت جوعاً أمام عينيك، لكن ما الذي يُفترَض بهم أن يفعلوه؟

يزعم ترامب أنه ينوي محاربة الإرهاب، لكنه بدلاً من ذلك يحارب ضحايا ذلك الإرهاب. أود أن أسأله: إن كانت أمريكا تعتمد على أشخاص مختلفين من ثقافات وبلدان متنوعة، بأي حق تقول للمسلمين الذين يعانون الكثير أنهم ليسوا موضع ترحيب؟ كيف ذلك وزوجتك من المهاجرين! هل السبب في ذلك أنها ليست من بلد مسلم؟

ونحن، باتباعنا سياسة ترامب، كأننا نقول للناس الذين يحتضرون: ليس بوسعنا مساعدتكم، ابقوا حيث أنتم حتى تلقوا حتفكم.

رابط المادة الأصلي : هنا.



صدى الشام