‘واشنطن بوست: “النفوذ الروسي الجديد قد يحدّ من صلاحيات ترامب في الشرق الأوسط”’

5 شباط (فبراير - فيفري)، 2017

10 minutes

أحمد عيشة

رجل سوري يمشي بين المباني المدمرة في حي الشعار الذي كان يسيطر عليه المتمردون سابقًا في حلب يوم 21 كانون الثاني/ يناير، بعد شهر من استعادة القوات الحكومية المدينة السورية الشمالية من المقاتلين المتمردين. (لؤي بشارة/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور غيتي)

في وقتٍ يتزايد فيه القلق العالمي كثيرًا من أهداف السياسة الخارجية للرئيس ترامب، يقف الشرق الأوسط وحده تقريبًا متفائلًا إزاء رئاسته.

يأمل الحلفاء العرب التقليديون للولايات المتحدة أن يعاود (الرئيس الجديد) الاهتمام بالمنطقة بعد سنواتٍ ممّا يعدونه إهمالًا من إدارة باراك أوباما، كما يأمل منافسو الولايات المتحدة أن يصبح حليفًا لهم، ويتوافق مع مصالحهم. ولكن بعد ثمان سنواتٍ من انسحاب سلفه المستمر، قد يجد ترامب فرصته في المناورة مقيّدة بالنفوذ المتزايد لكلٍ من روسيا وإيران، كما يقول محلّلون. “حتى لو أراد ترامب أن تكون له سياسةٌ أكثر حزمًا، فلن يكون قادرًا على إعادة أميركا إلى موقعها كأقوى لاعبٍ إقليمي، لن يتمكن الأميركان من العودة إلى مكانتهم السابقة، بوصفهم قوّةً عظمى وحيدة بعد الآن”، كما يتوقع إبراهيم حميدي، كبير المراسلين الدبلوماسيين لصحيفة الحياة العربية.

عدم نية ترامب في مواصلة سياسةٍ شرق أوسطية أكثر حزمًا، كان أمرًا واضحًا من خلال بعض تصريحاته المتناقضة في كثير من الأحيان، بما في ذلك تعهده وقت تنصيبه بإزالة ما أسماه بـ “الإرهاب الإسلامي المتطرف من على وجه الأرض”.

على الرغم من أنَّ الرئيس، وبعضًا من مرشحيه لتولي مسؤوليّات سياسته الخارجية يظهرون أنَّ لديهم وجهات نظر متعارضة حول بعض القضايا -مثل أهمية حلف شمال الأطلسي، ومثل إمكانية الوثوق في روسيا- لكن يبدو أنَّهم متوافقون على ضرورة بذل المزيد من الجهد لمحاربة الدولة الإسلامية، والوقوف ضد النفوذ المتوسّع لإيران، ما يجعل منطقة الشرق الأوسط واحدة من عدد قليل من المناطق التي يبدو أنَّ هناك مستوىً معينًا من التوافق عليها في السياسة الخارجية، كما أنها واحدةٌ من المناطق التي دمّرت فيها سياساتُ إدارة أوباما بصورةٍ ملحوظة دور الولايات المتحدة الذي كان لا يُنافس.

تتحكم روسيا الآن في سورية، روسيا التي أقامت علاقةً وثيقة مع تركيا يمكن أن تهدد علاقات أنقرة مع حلف شمال الأطلسي، كما تقوم بمغازلة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة مثل مصر، والمملكة العربية السعودية، وفي الآونة الأخيرة، تسعى نحو إقامة علاقاتٍ مع ليبيا، حيث أوفِدت حاملة طائراتها إلى المياه قبالة ليبيا، ودعت حليف الولايات المتحدة السابق (خليفة حفتر) للحضور إلى الحاملة من أجل عقد مؤتمرٍ مع وزير الدفاع الروسي عبر الفيديو هذا الشهر.

إنَّ وعود ترامب المتكررة لإقامة علاقاتٍ وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من شأنها أن تسّهل هذا النوع من التحالف في الشرق الأوسط، ضد الإرهابيين الذي سعت إدارة أوباما إليه، لكنها فشلت في تحقيقه، لكنّ روسيا لا تريد أن يكون مثلُ هذا التحالف على حساب الدور الذي استطاعت أن تستحوذ عليه فعليًا في المنطقة، كما قال فلاديمير فرولوف، وهو كاتبُ عمودٍ في صحيفة موسكو تايمز. وتابع قائلًا: “لقد خرجت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في عهد أوباما لفترة من الوقت، ويبدو أن حديث ترامب عن أجندة أميركا أولًا، سيخلق المزيد من الفرص لروسيا لكي تملأ الفراغ، وقد نرى نتيجة ذلك حالةً تُمكّن فيها الولايات المتحدة فعلًا روسيا من القيام بهذا العمل القذر في منطقة الشرق الأوسط”.

الارتباكات هي الأكثر وضوحًا بصورة مباشرة في سورية، حيث أخذت روسيا دور القيادة في تعزيز مبادرة السلام التي تضمّ كلًا من تركيا وإيران بصفتهماـ ضامنين، لكن من دون أن تعطي أيّ دورٍ للولايات المتحدة، حيث تنسّق روسيا وتركيا جدول الأعمال للمفاوضات التحضيرية للمحادثات التي ستبدأ الإثنين 23 كانون الثاني/ يناير في عاصمة كازاخستان، أستانة.

وصل المسؤولون الأتراك، والروس، والإيرانيون، وموظفو الامم المتحدة، ودبلوماسيون أوروبيون، والمتمردون السوريون، وممثلون عن الحكومة السورية إلى أستانة لإجراء المحادثات يوم الأحد، 22 كانون الثاني/ يناير، حيث لن ترسل إدارة ترامب وفدًا، وستكون الولايات المتحدة ممثلةً بـ سفيرها في كازاخستان. وقال فرولوف: سترحب روسيا بعروض المساعدة من ترامب لقصف الإرهابيين، وربما توفر التمويل لإعادة الإعمار، لكنها لا تريد أن تشترك الولايات المتحدة في صوغ شروط التسوية.

من غير المرجح أنّ يقبل النظام السوري أن تلعب الولايات المتحدة أيّ دورٍ مهم في البلاد، لأنّ لديها تاريخًا طويلًا من العلاقات المشحونة مع واشنطن، كما قال “سالم زهران”، وهو رجل أعمال سوري [لبناني الجنسية. المحرر] يعمل في مجال الإعلام، ويتخذ من بيروت مقرًّا له، حيث يدير وسائل إعلام في سورية، وله علاقاتٌ وثيقة النظام السوري، وتابع زهران قائلًا: تأتي تصريحات ترامب عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد بوصفه منقذًا للحكومة السورية، ما يشير إلى نهاية تعويذة إدارة أوباما أنه يتوجب على الأسد أن يتنحى في نهاية المطاف، لكنّ النظام السوري يأمل أن تبقى الولايات المتحدة بعيدةً، عن طريق وقف الدعم للمتمرّدين، ورفع العقوبات ووقف دعواتها بضرورة تنحي الأسد.

“ترامب رجلُ أعمال، وإذا كانت سورية شركة، فإنه سيعدّها شركةٍ خاسرة، ولماذا يستثمر أيّ شخصٍ في شركة خاسرة؟” تساءل زهران. وأضاف “تريد سورية من ترامب فقط أن يكون محايدًا، الآن لدى السوريين روسيا، فهم لا يحتاجون إلى أميركا.” أما إيران، فلديها أكثر من سببٍ للخوف من الخطاب المتشدد المعادي لإيران الذي صدرَ عن كلًّ من ترامب ومرشحيه لتولي مسؤوليات السياسة الخارجية، ولكنّ أي محاولةٍ لإبعاد إيران من شأنها أن تناقض أهداف التحالف بشكلٍ وثيق مع روسيا وسورية -المتحالفتين مع إيران، اسميًا على الأقل- وتعرّضها لخطر المواجهة أيضًا.

“لماذا ستستجيب إيران لأيّ شيءٍ آخر غير الضغط العسكري؟” سأل توبياس شنايدر، وهو محللٌ ألماني، ومقيمٌ في واشنطن، “لقد ربحت إيران في الوقت الحالي، فهي ممَثلةٌ في كل مكان، وهي متوافقةٌ مع الفائزين في كل مكان”. وكان لإيران دورٌ أساسٌ في إنقاذ الأسد، حيث أرسلت المال والميليشيات للقتال في الخطوط الأمامية، وضمنت في هذه العملية التأثير الهائل في كل البلاد.

في الأسبوع الماضي، وقّعت طهران سلسلةً من العقود مع المسؤولين في الحكومة السورية، تضمّنت منح إيران السيطرة على أكبر منجمٍ للفوسفات في سورية، ورخصةٍ لتشغيل شبكة الاتصالات الخليوية. وقال ريان كروكر، سفير الولايات المتحدة السابق في العراق، والذي هو الآن في جامعة A&M  في تكساس: منذ انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011، عزّزت إيران أيضًا مكانتها بعدّها القوة الأكثر نفوذًا في العراق، وإحياء دور الولايات المتحدة هناك لن يكون مستحيلًا، ولكن “سيكون صعبًا جدًا جدًا.”

لدى الولايات المتحدة حلفاء أقوياء، إذ تعوّل إسرائيل على ترامب أن يفيَ بوعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس؛ ما يجعل الفلسطينيين واحدة من المجموعات الوحيدة المعارضة بشدة لرئاسته، كما تأمل المناطق الكردية في العراق وسورية أن تترجم تعهداته في محاربة الدولة الإسلامية إلى مزيدٍ من المعونة العسكرية لها.

وقال أنتوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة: لا تزال الولايات المتحدة، أيضًا، تُمسك بمفاصلَ مهمةٍ في الشرق الأوسط، ولا سيما وجودها العسكري الكبير في الخليج، وقوتها الاقتصادية، الذي لا يمكن لروسيا أن تضاهيهما، وقال: إنّ الحلفاء العرب من مثل السعودية يلومون أوباما بسبب تزايد نفوذ إيران، ويتطلعون إلى إدارةٍ يمكنها أن تعكسَ بصورةٍ وثيقة أولوياتهم. وتابع أنتوني كوردسمان قائلًا: “تحتاج دول الخليج أن تكون الولايات المتحدة قوة ًموازنةً لإيران، وتحتاج إلى إعادة الثقة بها بوصفها قوةَ دعم لحلفائها، وهما أمران لا يستلزمان تغييرًا جذريًا، لكنهما يحتاجان إلى جهدٍ مستمر وصبور وثابت”.

ولكن سواء كان ترامب هو القائد الذي سيوفر الصبر والثبات، فذاك هو مصدر القلق لبعض أهل المنطقة، كما قال حميدي. وأضاف: “الشيء المخيف هو أنَّ تمهيد الطريق أمام الدور الأميركي في السنوات القادمة يحتاج إلى الرؤية والخيال، وإذا لم يكن لديك هذه الرؤية، فقد تجد نفسك في المواجهة، أو منسحبًا تمامًا، ومتنازلًا عن كلّ شيءٍ لروسيا”.

اسم المقالة الأصلي Russia’s new influence may limit Trump’s scope in Middle East الكاتب ليز سلاي، Liz Sly، 22/1 مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 22/1/2017 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/trump-might-not-find-it-easy-to-assert-a-us-role-in-the-middle-east/2017/01/21/474b76e0-d918-11e6-a0e6-d502d6751bc8_story.html?hpid=hp_hp-more-top-stories_trumpmideast-740pm%3Ahomepage%2Fstory&utm_term=.87d754c74ab7 ترجمة أحمد عيشة

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]