‘واشنطن بوست: “هل يحارب ترامب “الدولة العميقة” أم يؤسس دولته الخاصة؟”’
5 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
أحمد عيشة
من صور واشنطن بوست
بالنسبة إلى معظم الأميركيين، “الدولةُ العميقة” شيءٌ موجود في مكان آخر. عبارةٌ، غالبًا ما تكون مرتبطةً بالدكتاتورية الخانقة، والديمقراطيات الضعيفة، وجمهوريات الموز. عندما تطرح “الدولة العميقة”، فإنك تشير إلى جمعياتٍ تعمل في السرّ، أو خارج العملية الديمقراطية، وعندما تحدث الأشياء المثيرة -انقلابٌ يطيح بحكومةٍ مدنية، أو قتلُ مبعوث أجنبي، أو اعتقال أحد أحزاب المعارضة- يمكن للهامسين في المقاهي أن يتحدثوا خلسةً بين بعضهم حول القوى الخفية التي تمسك بالخيوط.
إنه الأسبوع الثاني تمامًا من رئاسة ترامب، ولكن حان الوقت للتفكير في “الدولة العميقة” في أمريكا.
ليس الأمر غريبًا لأن نشير إلى وجود “دولة عميقة” في واشنطن. تفحص الرئيس السابق دوايت أيزنهاور العلاقة بين الشركات المصنعة للأسلحة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وصاغ عبارة: “المجمع الصناعي العسكري”. ويشير المراقبون اليوم أيضًا إلى تواطؤٍ بين مصالح الشركات، وسماسرة سلطة العاصمة، بوصفه اليد التي توجه حقيقة السياسة الأميركية. الصحافي اليساري والمدافع عن الشفافية غلين غرينوالد يعرّفُ الدولة العميقة أنَّها “مجموعة فصائل” -فلنَقُلْ، أجهزة الاستخبارات أو البنوك الكبيرة- تمارس السلطة مع قليلٍ من المساءلة العامة. ويقول غرينوالد في رسالة إلكترونية إلى جريدة (Today’s World View): “إنّها في الأساس سلطةُ مؤسسة موحدة، على الرغم من أنَّها غيرُ منتخبةٍ، يمكنها التحكم في المسؤولين المنتخبين، واستغلال أعمالهم لمصالحها الخاصة، وعادةً، تمارس السلطة في الظلام”.
يستحضر بعض أنصار ترامب، أيضًا “الدولة العميقة”، ويسعون لخرابها؛ فداعيةٌ ومنظِّر المؤامرة أليكس جونز، الذي انتقل العام الماضي من موقعه الهامشي إلى حليفٍ للرئيس الأمريكي الحالي هذا العام، روّج مؤخرًا لنظرياتٍ حول كيف أنَّ عملاء “الدولة العميقة” يريدون إثارة أزمةٍ وطنية يمكن أن تؤدي إلى إطاحة ترامب. ادّعى روجر ستون، المقرّب والموثوق من ترامب، أنَّ تقارير التحقيق الاتحادي عن علاقاته مع روسيا كانت مكائد من دولةٍ عميقة تؤيد هيلاري كلينتون. “تحتاج الدولة العميقة إلى أن تتغلب على الأمر. مرشحهم خسر”، قال ستون لمجلة نيويوركر في الأسبوع الذي سبق تنصيب ترامب.
يبدو أنّ البيت الأبيض في عهد ترامب بالفعل، وكأنّه في حالة حربٍ مع ما يمكننا تسميته “الدولة العميقة”؛ حيث تواجه الآلاف من البيروقراطيين في الحكومة الاتحادية مع الواقع المزعج في العمل من أجل الرئيس، الذي شنَّ حملةً بصوتٍ عال ضد الموظفين الرسميين في واشنطن، ووعد بـ “تجفيف المستنقع “عندما يصبح في السلطة.
هذا الأسبوع، وقّع نحو 1000 دبلوماسيّ أمريكي على مذكّرة معارضة ضد قرار ترامب التنفيذي بشأن الهجرة، ما دفع السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، شون سبايسر، أنْ يعلن ببرودٍ شديد أنَّ “الموظفين البيروقراطيين” يمكنهم “إما التوافق مع البرنامج أو الانصراف”. وخلاف ترامب العلني مع القائم بأعمال النائب العام سالي ييتس، وهي معيّنة من طرف أوباما التي سعت إلى تحدّي قراره حول الهجرة، حيث انتهى الخلاف بطردها في مذكرةٍ غاضبة، تقشعر لها الأبدان، ادّعت أنها “خانت وزارة العدل.”
“وما يعلمنا تصريح ترامب، الذي انتشر على نطاقٍ واسع”، كتب المراسل السياسي كريس سيليزا، “هو أنَّ هذا الرئيس لا يرى إلّا نوعين من الناس في العالم: الأصدقاء المخلصين والأعداء الخونة الرهيبين”.
مثل هذا التصرف هو ببساطةٍ غير صحيّ لنظام ديمقراطي من المفترض أن يكون مؤسّسًا على الضوابط والتوازنات، والمداولة والمناقشة. وهو يستقطب المحادثات السياسية، ويخلق الثنائيات الزائفة بين “الشعب” -طبعًا، أولئك الذين صوّتوا لمصلحة ترامب فحسب- ومنظومة واشنطن. ومن المفارقات، يمكن لهذا التصرف أن يعطي ترخيصًا للمستبدين لتخريب هذه الآلية وإعادة صوغها، وتشكيلها نحو دولةٍ عميقة متوافقة أكثر مع أذواقهم.
هذا نموذجٌ مألوف في بلدٍ له تاريخ حقيقي أكثر بكثير من تاريخ دولة عميقة: تركيا. الرئيس رجب طيب إردوغان جاء الى السلطة بوصفه ديمقراطيًا متّهمًا بإبعاد الجيش عن التدخل الطويل في سياسة البلاد، وبدلًا من ذلك، من خلال عمليات التطهير والمحاكمات، سلَّح البيروقراطية لمصلحته، وبنى ما يبدو أنه أساس سلطةٍ لا يمكن أن تُهاجم بصورةٍ متزايدة على حساب الديمقراطية التركية. إضافة إلى تلك المسألة، فإنّ إردوغان، وعددًا من وسائل الإعلام وسائل حلفائه، يعلنون بثبات عن السيطرة على التهديدات الغامضة من المعارضين في الدولة العميقة، وبمساعدة من الأعداء في الخارج.
لا يزال في إمكاننا أن نتخيل أيّ شيءٍ من هذا يحدث في الولايات المتحدة. ولكن في غضون أسبوع فقط، فقد وضّح البيت الأبيض أنّه سيدير البلاد بطريقته الخاصة، فقد احتفظ بكبار المسؤولين، وأعضاء حزبه في الظلام لأنه وضع لائحةً للأوامر مثيرةً للجدل، ومجبرًا العاملين في الكونغرس على توقيع اتفاقاتِ عدم الكشف عن عملهم. ذكرت مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy أنَّ كبير الإستراتيجيين في البيت الأبيض، ستيفن بانون، بموقعٍ دائمٍ غير مسبوقٍ في مجلس الأمن القومي، “يقوم بتشغيل عصابة، تقريبًا مثل مجلس الأمن القومي الظلّ”، وفقًا لمسؤولٍ في المخابرات. وإذا قرر موظفو الخدمة المدنية الغاضبين أن يستقيلوا من الخدمة في إدارة ترامب، ستكون مناصبهم الشاغرة هي أهداف محتملة لفرض التعيينات الجديدة بحيث تتوافق مع الرئيس (حالًا يبطل التعاقد مع التجميد، على أي حال).
وفي طبيعة الحال، يمكن لـ ترامب أن يعتمد على مساعدةٍ من الموقع الاخباري بريتبارت Breitbart – ، وهو الذراع الاعلامي للدولة بحكم الأمر الواقع نظرًا إلى دور بانون المركزي، (رئيس الموقع السابق)، وربما الخط المتشدد في الإدارة، الذي يدير الآن البيت الأبيض، وإذاعة حرب المعلومات، Info wars وغيرها من الوسائل اليمينية في مهاجمة الأجهزة القديمة. “ترامب أداةٌ غيّر حادةٍ بالنسبة إلينا”، قال بانون لمجلة فانيتي فير، Vanity Fair في الصيف الماضي. “أنا لا أعرف ما إذا كان حقًا يعرف ذلك أم لا.”
سنرى ما إذا كان الأميركيون سيقبلون، وإن كانت ظلال دولة عميقة جديدة ستطول.
اسم المقالة الأصلي Is Trump fighting the ‘deep state’ or creating his own? الكاتب إسهأن ثأرور، Ishaan Tharoor مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 1/2/2017 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/02/01/is-trump-fighting-the-deep-state-or-creating-his-own/?utm_term=.711f4f741861 ترجمة أحمد عيشة
[sociallocker] [/sociallocker]