المعارضة تقاوم الضغوط الروسيّة.. وإدارة ترامب تتقرّب من المشهد السوري


تستمر التحضيرات لاجتماع جنيف المقرر في العشرين من الشهر الجاري بين وفدَي نظام الأسد والمعارضة السورية وسط محاولات من كل طرف لتوجيه الاجتماع كي يتوافق مع أولوياته ورؤيته الخاصة، وبينما تضغط روسيا لإدخال جهات وشخصيات محسوبة عليها وعلى نظام الأسد في وفد المعارضة السورية، ترفض الأخيرة هذه الضغوط وتؤكد تمسّكها بمرجعية جنيف وقرارات مجلس الأمن الناظمة للعملية التفاوضية، وحقها الحصري في تشكيل وفدها المفاوض.

كما رفضت المعارضة مسودة الدستور التي تسلمتها من روسيا خلال اجتماع أستانا في 23-24 الشهر الماضي.

وفي هذا السياق شهدت العاصمة التركية أنقرة اجتماع وفد المعارضة السورية مع الجانبين الروسي والتركي والذي جدد خلاله وفد المعارضة طلبه لروسيا بتنفيذ تعهداتها بالتزام النظام وميليشياته باتفاق وقف إطلاق النار قبل الذهاب إلى مؤتمر جنيف الذي تم تأجيله إلى 20 من الشهر الجاري، مؤكدًا أنه لن يذهب إلى هذا الاجتماع ما لم يتم تثبيت وقف إطلاق النار على الأرض بشكل فعلي، إضافة إلى تطبيق الإجراءات الإنسانية كوقف القصف وإيصال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين وخاصةً النساء.

وقد رفض المجتمعون إجراء أي نقاش في الوقت الحاضر، حول الدستور السوري الجديد، أو التقسيمات الإدارية في سوريا وفق المقترحات الروسية المقدمة، معتبرين أن طرح موضوع النظام الإداري السوري المقبل في هذه المرحلة، ومحاولة الدخول في نقاش حول الدستور الجديد أو الحكم الذاتي أوالفدرالية سابق لأوانه.

وكانت روسيا وزّعت على المشاركين في مؤتمر أستانا الشهر الماضي مسودة دستور لسوريا، إلا أن ممثلي المعارضة أكدوا رفضهم مناقشتها أوحتى استلامها.

كما تعقد “الهيئة العليا للمفاوضات” اجتماعاتٍ في الرياض في 10 الشهر الجاري لمناقشة القضايا المتعلقة بالمفاوضات، وتشكيل الوفد المفاوض الذي سيضم كلاً من الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات والفصائل العسكرية لاجتماعات جنيف.

ويأتي اجتماع الرياض في وقت تسعى فيه روسيا إلى ضم “منصات” القاهرة وأستانا وحميميم إلى الوفد، علمًا أن مواقفها بحسب رأي المعارضة أقرب إلى مواقف النظام منها للمعارضة، فيما هدّد المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بأنه سيتولى تشكيل الوفد بنفسه في حال عجزت المعارضة عن القيام بذلك.

ورفضت أطراف المعارضة تدخلات دي ميستورا في تشكيل الوفد واعتبرتها خروجاً من جانب المبعوث الدولي عن صلاحياته، وأكدت أن الكلمة النهائية في تشكيل وفد المعارضة ستكون لاجتماع الهيئة العليا للمفاوضات وهي الجهة المخولة بحث هذا الأمر دون أن تستبعد إدخال بعض التعديلات على وفد أستانا من دون الخضوع للإملاءات الخارجية.

كما عُقد في أستانا الاثنين الماضي اجتماع لمناقشة عمل آلية الرقابة على نظام وقف إطلاق النار في سوريا ضمّ وفوداً من روسيا وتركيا وإيران وبمشاركة ممثل عن الأمم المتحدة.

وحمل الاجتماع وفق وزير الخارجية الكازاخستاني “خيرت عبد الرحمنوف” طابعاً فنياً، واقتصر على الخبراء المنخرطين بشكل مباشر في مراقبة استمرار وقف إطلاق النار في سوريا.

 

مناطق آمنة

وإذا كان الملف السوري بات محصوراً في الآونة الأخيرة بين بعض العواصم المحددة مثل موسكو وأنقرة وأستانا فضلاً عن طهران ودمشق مع تداخلات من بعض ممثلي الأمم المتحدة، فان الادارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بدأت في التقرب من المشهد السوري من بوابات عدة. فقد التقى وزير الخارجية الأمريكي الجديد “ريكس تيلرسون” في واشنطن مع المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا، في أول لقاء لهما لبحث الأوضاع في سوريا، وذلك بعد أيام من تصريح الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن رغبته في إقامة مناطق آمنة في سوريا لإيواء اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب، وهي المسألة التي بحثها ترامب مع الملك الأردني، عبد الله الثاني خلال اجتماعهما في واشنطن الأسبوع الماضي.

وكان البيت الأبيض، قال في بيانٍ قبل أيام “إن السعودية وافقت على دعم مقترح ترامب بإنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا، وذلك خلال مكالمة هاتفية أجراها الأخير مع الملك السعودي، لتبدي روسيا استعدادها لدراسة المقترح في حال وافق عليه نظام الأسد”.

وطالب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الرئيس الأميركي بأن يكون “أكثر تحديدًا” بشأن اقتراحه إقامة مناطق آمنة في سوريا.

غير أن رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” شكّك بنجاح مشروع المناطق الآمنة داخل سوريا في حماية النازحين.

وقال غراندي في مؤتمر صحفي في بيروت “إنه لا يرى الظروف المواتية لإقامة مناطق آمنة فعالة وناجحة”، معتبرًا أنه “في ظل التشظي وعدد الأطراف المتقاتلة ووجود جماعات إرهابية، فإن سوريا ليست المكان الصحيح للتفكير في مثل هذا الحل” بحسب تعبيره.

ووفقًا لوثيقة اطّلعت عليها وكالة رويترز فمن المتوقع أن يأمر ترامب وزارتي الدفاع والخارجية بوضع خطة لإقامة مناطق آمنة، دون أن يوضح حتى الآن كيف سينشئ تلك المناطق سوى بالقول إنه سيجعل دول الخليج العربي تدفع تكلفتها.

 

 

استراتيجية ترامب

وفيما لم يجرِ الإفصاح أكثر عن الاستراتيجية الجديدة التي من المحتمل أن يتبعها ترامب في سوريا، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنَّ طاقم ترامب بحثَ خطة أعدها طاقم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تقضي بتقديم السلاح للمسلحين الأكراد من أجل استعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم الدولة، معتبرًا بأنها “هامشية جدًا ومتناقضة وغير كافية وتهرب من المخاطر”، وخلُصَ إلى اعتبارها “فاشلة بشكل قطعي”.

وبحسب الصحيفة فإن خطة أوباما كانت تقضي بتسليح المقاتلين الأكراد في شمال سوريا تمهيدًا لبدء الهجوم على الرقة، وتدريبهم على استخدام الأجهزة الجديدة والقتال في المدن ذات الكثافة السكانية العالية، وكان من المقرر أن يتولى جنود أمريكيون تلك التدريبات.

وأوضح أحد الموظفين في فريق ترامب للصحيفة أن الإدارة الجديدة وجدت “ثغرات هائلة” في هذه الخطة، واصفًا الوثيقة بأنها نتيجة لعمل سيء، وقال مسؤولون آخرون في فريق ترامب الأمني “إن تلك الخطة أفزعتهم كونها لا تتضمن أي بنود حول التنسيق مع روسيا أو أية استراتيجية واضحة لمعالجة الأزمة المحتملة مع تركيا في حال مضي واشنطن في رفع دعمها للمقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة جماعات إرهابية”.

وكان ترامب قال في وقت سابق أنه يفضّل الاعتماد على نفسه في محاربة تنظيم الدولة متعهدًا بشن هجوم سريع وقاس لتدميره نهائيًا، وفي لقاءات مع فريقه الأمني وافق الرئيس الأمريكي على إعطاء وزير الدفاع “جايمس ماتيس” حرية التصرف الكاملة ليفعل كل ما يعتبره ضروريًا لمحاربة الإرهاب، وذلك في إطار مراجعة شاملة تجريها إدارة ترامب لسياسة الإدارة السابقة في الشرق الأوسط.

ولم تستبعد الصحيفة أن يقرر ترامب تعزيز التنسيق مع القوات الروسية أو حتى مع قوات نظام الأسد من أجل السيطرة على الرقة، كما أنه قد يتخلى عن خيار تسليح الأكراد نهائيًا.

 

معارك الشرق

وبالتوازي مع هذه التحركات السياسية تنشط المعارك على الأرض وخاصة في وسط البلاد وشرقها حيث استعاد تنظيم الدولة السيطرة على بلدة “بزاعة” بريف حلب الشرقي، بعد 4 ساعات فقط على تحريرها على يد فصائل الجيش الحر المنضوية في عملية “درع الفرات” المدعومة تركيًا، وذلك إثر هجوم معاكس بعربة مفخّخة على البلدة الواقعة شرقي مدينة الباب معقل التنظيم الرئيس.

وتتصاعد حدة المعارك حول مدينة الباب بعد فترة من الجمود بسبب المقاومة العنيدة التي يبديها تنظيم الدولة ضد القوات المتعددة التي تحاول السيطرة على المدينة وخاصة قوات “درع الفرات”.

وبعد أن نجحت هذه القوات في إبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” التي يسيطر عليها الأكراد عن حلبة المنافسة على مدينة الباب من خلال سيطرتها على القرى والمناطق الواقعة إلى الشرق من المدينة، يأتي تقدم قوات النظام والميليشيات التي تقاتل معها من الجهة الجنوبية الغربية وسيطرتها على العديد من القرى خلال الأسابيع الماضية ليضع تلك القوات على بعد كيلومترات قليلة من المدينة التي تطوقها “درع الفرات” من الشمال والشرق وتحاول إحكام تطويقها من الغرب أيضاً لقطع الطريق على قوات النظام ومنعها من التقدم إليها.

لكن إذا أصرت قوات النظام على التقدم فسوف يعني ذلك حصول تصادم بين الطرفين، سيكون هو الأول من نوعه بين قوات تدعمها تركيا ميدانيًا بالمدفعية والدبابات والطائرات والأفراد، وقوات النظام المدعومة من روسيا، ومن الميليشيات الإيرانية، ما يعني بالنتيجة تصادمًا بين تركيا من جهة وروسيا وإيران والنظام السوري من جهة أخرى، وهو تطور من شأنه إنْ حصلَ أن يُغيّر المعادلات في المنطقة عسكريًا وسياسيًا.

وفيما يُبدي التنظيم مقاومة في وجه قوات درع الفرات التي لم تستطع تحقيق اختراق في الجبهة الشمالية لمدينة الباب رغم الهجمات الكثيرة التي شنتها بدعم مباشر من الجيش التركي وسلاحه الجوي، فإنه بالمقابل أظهر “تراخيًا” ملحوظًا أمام قوات النظام التي استحوذت خلال فترة وجيزة على قرى كثيرة فيما يشبه الاستلام والتسليم وفق ما يصف معارضون سوريون.

 

ويرى مراقبون أن نظام الأسد يدرك أن سيطرته على مدينة الباب تعني فتح قنوات مع الولايات المتحدة التي تُغير موقفها منذ استلام دونالد ترامب للسلطة، مع ما يعني ذلك من إعادة تعويم نظام الأسد في الساحة الدولية، لكن الاعتقاد السائد حتى اللحظة هو أن النظام يهدف من تقدمه نحو مدينة الباب لخلط الأوراق، ولا سيما بعد مشاركة الروس للأتراك بعمليات القصف الجوي، وذلك بهدف التشويش وإعاقة إكمال عملية درع الفرات، فضلًا عن تأمين مواقعه في مطار كويرس ورسم العبود.

كما أن لمدينة الباب أهمية كبرى لدى الأكراد في سعيهم لتشكيل إقليم يحمل طابعًا كرديًا على طول الشريط الحدودي الشمالي للبلاد بموازاة الحدود مع تركيا، وربط مناطقه جغرافيًا من محافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا إلى مدينة عفرين شمالي غربي حلب مرورًا بمدينة تل أبيض شمال الرقة، وعين العرب ومنبج شمالي شرقي مدينة حلب، وهو ما تعتبره تركيا خطًّا أحمر وأعلنت مرارًا أنها لن تسمح بحدوثه.

وفي موازاة المعركة حول مدينة الباب أعلنت ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية”  بدء المرحلة الثالثة من معركة “غضب الفرات” والتي تهدف للسيطرة على ريف مدينة الرقة الشرقي.

وقال بيان لتلك القوات “إن قوات التحالف الدولي ستشارك بفاعلية أكبر في الإسناد الجوي، وبمساندة بريّة من الفرق الخاصة في أرض المعركة”. مشيرة إلى انضمام مقاتلين جدد إلى صفوفها من أبناء المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً.

وفي جنوب البلاد شنت قوات النظام والمليشيات الأجنبية الداعمة لها هجوماً واسعاً على مواقع المعارضة في حزرما والميدعاني والنشابية بمنطقة المرج في غوطة دمشق الشرقية، وذلك بعد أن استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ثكنة الدفاع الجوي بضاحية الأسد السكنية الواقعة في أطراف غوطة دمشق الشرقية، تمهيداً لحملة عسكرية قريبة هدفها الغوطة الشرقية أهم معاقل المعارضة المسلحة في ريف دمشق.

ويأتي هذا في وقت وصلت فيه قوات روسيّة إلى معبر مخيم الوافدين شمال مدينة دوما الذي كان آخر ممر إنساني للغوطة الشرقية قبل إغلاقه من قبل قوات النظام في عام 2013.

وقالت وسائل إعلام تابعة للنظام إن معبر مخيم الوافدين فُتِحَ للمدنيين وللراغبين من المعارضة المسلحة بتسليم أنفسهم وتسوية أوضاعهم، مضيفة أنه سيتم افتتاح معابر أخرى للغرض نفسه، بيد أن مصادر محلية نفت ذلك.



صدى الشام