إعلاميون قُصّر ضحايا جبهات المعارك في سوريا


قبل فترة أعلنت قناة تلفزيونية سوريّة عن مقتل مراسلها في ريف دمشق، لكن اللافت أن الصحافي بدا طفلاً لا يتجاوز عمره 16 عاماً في أحسن الأحوال وذلك كما اتضح من خلال الصور التي تم تداولها له.

وبعد فترة نعى الإعلام الحربي التابع لميليشيا حزب الله الإعلامي المدعو “أبا تراب” الذي قيل حينها إنه سقط خلال تغطيته للمعارك مع تنظيم داعش،  وفي هذه الحالة أيضاً لم يتجاوز القتيل 15 عاماً، لتتوالى بعدها صور ومعلومات عن تشغيل وسائل الإعلام وقوى تقاتل على الأرض السورية للقُصّر تحت سن 18 عاماً، وهو ما يُعد مخالفاً للمعايير والقوانين الدولية الخاصة بالعمل في مناطق النزاع، والعمل الصحافي شديد الخطورة على وجه التحديد.

 

إقرار بالظاهرة

يقول محمد الصطوف الباحث في المركز السوري للحريات الصحفية لـ “صدى الشام”: “إن انخراط الأطفال في أعمال خطيرة بات أمراً منتشراً في سوريا” مضيفاً أنه في سوريا تزداد هذه الظاهرة مع ارتفاع وتيرة المعارك الدائرة، ومقتل عددٍ من أرباب الأسر، الأمر الذي أدّى إلى دفع أطفال عمرهم دون 18 عاماً للبحث عن عملٍ لتأمين المعيشة.

 

وأضاف أن الأمر يُمكن عكسه على العمل في الحقل الإعلامي، لكنه بيّن أن عمالة الأطفال في هذا المجال هي أقل مما هي عليه في المجالات الأخرى، مُرجعاً السبب إلى أن العمل الإعلامي محفوف بالمخاطر والمصاعب ويحتاج إلى خبرة، ورغم ذلك هناك حالات لعمالة الأطفال في الحقل الإعلامي.

 

حظر وجرائم حرب

بالنظر إلى التبعات القانونية لتشغيل الأطفال القُصّر في الأعمال الخطرة لفت مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني إلى أن تجنيد الأطفال من قبل الجيوش النظامية أو فصائل المعارضة المسلّحة في أعمال حربية أو مساندة لأعمال حربية له حالتان: الأولى إذا كان الطفل دون سن 18 عاماً فإن هذا يعد محظور بالقانون، أما إذا كان الطفل دون 15 عاماً فيُعتبر تشغيله “جريمة حرب”.

وجاء في اتفاقية “الجمعية العامة للأمم المتحدة” الخاصة بحقوق الطفل والتي صدرت عام 1989 أن “الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز 18 من عمره” مؤكّدةً على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عملٍ يُرجّح أن يكون فيه خطر على حياته، أو يمثّل إعاقة لتعليمه أو ضرر بصحّته،أو بنموّه البدني أو العقلي أو الروحي أو الاجتماعي”.

وألزمت الاتفاقية الدول الأعضاء فيها باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل حماية الأطفال من هذه الأعمال.

 

وأقرت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في العام ذاته “الإعلان العالمي لحقوق الطفل” الذي نصَّ على “وجوب كفالة وقاية الطفل من أشكال الإهمال والقسوة والاستغلال وألّا يتعرض للاتجار به بأي وسيلة من الوسائل وألّا يُسمح له بتولي حرفة أو عمل يضرُّ بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضرُّ بنموّه البدني أو العقلي أو الأخلاقي”.

 

 

ليسوا مجنّدين

وبيّن مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” لـ صدى الشام أن الشبكة وثّقت مقتل 9 إعلاميين تحت سن الثامنة عشر منذ بدء الثورة في سوريا، 8 منهم قتلهم نظام الأسد، في حين قتلت فصائل المعارضة المسلّحة إعلامياً واحداً قاصراً، مشيراً إلى أن القسم الأكبر من هؤلاء القُصّر ليسوا مجنّدين أو متطوّعين مع الأطراف المتقاتلة، وإنما ذهبوا هم بأنفسهم وعرضوا على الفصيل أن يعملوا معه.

وعلى غرار تشغيل إعلام النظام والميليشيات الموالية له للأطفال، كشف عبد الغني أن ثمّة عدداً من فصائل المعارضة تورّطت بالاعتماد على إعلاميين قصّر.

 

وظائف بديلة

حتّى وإن لم يكن الطفل متطوّعاً أو مجنّداً، وإنّما طلب من الفصيل العمل بكامل إرادته فإن على الفصيل ألّا يزجَّ به على الجبهات أو في أماكن خطرة على ما يشير عبد الغني.

وتابع: “من الممكن تشغيل الأطفال الساعين للعمل في تغطية مؤتمرات أو ندوات أو تشغيل في المكاتب التحريرية وغيرها بما لا يعرّض حياتهم للخطر أو يؤدّي لمقتلهم أو إصابتهم”.

يشاطره الرأي محمد الصطوف الباحث في المركز السوري للحريات الصحفية، الذي قال “إنه يمكن فتح المجال أمام القصّر الذين هم دون سن الثامنة عشر للتدرّب على العمل الإعلامي ضمن شروط وظروف تضمن سلامتهم، وبما لا تعرّض حياتهم للخطر وذلك عبر اتخاذ كافة الإجراءات بحق وسائل الإعلام للحد من هذه الظاهرة، وإصدار التوصيات والتوجيهات بهذا الخصوص، على أساس القوانين المعمول بها”.

 

دوافع

واعتبر الصطّوف أنَّ  معظم القُصّر يتّجهون نحو أعمال غير آمنة بدافع مادي، لكنه أشار إلى أنَّ دافع وسائل الإعلام من القبول بتشغيلهم هو استغلال اندفاع وطموح القصّر للعمل في هذا المجال، إضافةً إلى سهولة التحكّم بهم وتوجيههم نحو أهداف معينة بغض النظر عن حيادية الاعلام.

وبيّن أن رابطة الصحفيين السوريين تسعى إلى إقامة الندوات وإصدار البيانات والتوصيات التي تحذر وتنبه من خطورة هذه الظاهرة ومخالفتها للقوانين والأعراف الدولية والمهنية، إضافةً إلى إقامة دورات ومراكز للتوعية وتدريبي الراغبين  بالعمل في الحقل الإعلامي.

 



صدى الشام