الشعوب العربية… هل تتواضع قليلًا


صفاء مهنا

مثلما أن الإرهاب لا دين له، فالإنسانية -كذلك- لا دين لها، بل هي العقيدة الوحيدة التي يتشاطر فيها الملايين الإيمان بالإنسان وحقوقه، على الرغم من اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وثقافاتهم، ومع ذلك؛ ما زالت تتعثر في الوصول إلى المرتبة الأولى بين المعتقدات.

شهدت الولايات المتحدة الأميركية مظاهرات حاشدة، منذ اليوم الأول لتولي دونالد ترامب مهماته الرئاسية في البيت الأبيض، احتجاجًا على سياساته وبرامجه الانتخابية، لتكبر موجة الاحتجاجات فور اتخاذه قرار منع اللاجئين من سبع دول مسلمة دخول أميركا.

لم تتوقف الاحتجاجات على الحراك الشعبي للمواطنين الأميركيين، بل تعداه ليتصدى محامون في البلاد لتلك القرارات، مؤكدين أن لا أحد فوق الدستور حتى وإن كان الرئيس، وقد آلت بعض القضايا التي رُفعت إلى المحكمة ضد قرارات ترامب إلى النجاح، وقُدرت بما يزيد عن أربعين قضية.

لا يستطيع المرء في خضم هذه الأحداث، إلا أن يجري مقارنة بين تلك الشعوب، وما تتمتع به من إنسانية تمكنها من الوقوف في وجه أي قوة، وبين شعوبنا التي تخال نفسها أفضل شعوب الأرض، وهي التي تتعامل مع الوقائع بطريقة شعاراتية صرف.

في أيلول من عام 2001 ضرب الإرهاب أكبر برجين في أقوى دولة في العالم، دون أن نشهد تحركًا من العالم العربي والإسلامي يدين تلك الحادثة! على العكس ارتفعت أصوات الشماتة بما أصاب أميركا “الإمبريالية”. أميركا التي ينادي الفقراء والمقهورون دائمًا بدمارها، وإن سألتهم السبب ربما لن يجدوا جوابًا مقنعًا، وسيتلعثمون مرات عديدة وهم يحاولون الإجابة.

في أثناء الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وفي خضم تصريحاته الفجّة، تعالت أصوات كثيرة مبشرة بقرب بداية النهاية لأميركا “المتغطرسة”، وكأن نجاحها وتقدمها هو السبب في فشل دولنا ومجتمعاتنا.

في كندا، وبعد حادث تفجير المسجد في إحدى مدنها، يبني الكنديون سورًا من أجسادهم لحماية المصلين في أثناء صلاة الجمعة، في مشهد إنساني يجعلنا نتساءل كيف أصبحت تلك الشعوب على هذه الدرجة من الإنسانية، وكم سنستغرق من الزمن، حتى تدرك شعوبنا المعنى الحقيقي لها، خارج إطار العقائد والتوصيفات البائدة الجاهزة في قوالب مرت عليها مئات السنين.

هذه الصور، وغيرها كثير من الأمثلة التي يزخر بها المجتمع الغربي، سواء في أميركا أم أوروبا، تقابل في مجتمعاتنا بالدهشة، وبالقليل من مراجعة النفس، لكن لا تلبث أن تتلاشى تلك المشاعر، لتستمر النظرة العنصرية المبطنة، والتعالي وبأننا خير العالمين.

قبل سنوات قليلة ماضية، لم يكن بمقدور غير المسلم دخول بعض الدول الإسلامية، بل حاليًا، معظم تلك الدول أقفلت أبوابها في وجه نكبة السوريين في الوقت الذي فتحت “بلاد الكفر” أبوابها ومدارسها ومصانعها لهم.

كما أن ردود الفعل في مجتمعاتنا تتسم بالعنف والمبالغة، تجاه إهانات يلحقها بعض الاجانب برموز دينية وإسلامية، ولا تخلو من بعض الهمجية، وهذا ما حصل -مثلاً- بالهجوم على السفارة الدانماركية في دمشق وإحراقها منذ سنوات، إثر صدور رسوم مسيئة للرسول.

لا شك في أن ثورات الربيع العربي، جاءت بسبب تراكم الأزمات في بلداننا، ولا ندري إن كنا سنشهد مرحلة لاحقة أكثر عنفًا بسبب الإحباط الذي ساد بفعل الثورات المضادة.

نحتاج إلى مراجعة نقدية لسلوكنا أفرادًا وجماعات، وبحاجة لنقد جريء لهذه التفاصيل التي نظنّها بسيطة، تأييدًا أو احتجاجًا.

“تفوقت الشعوب الغربية علينا إنسانيًا بأشواط عديدة”، وإذا بقينا بتلك الذاتية والنظرة المتعالية، لن نلحق بها. وعلى الرغم من كل المآسي التي نتجرعها من سلطاتنا، إلا أننا نفتقر إلى الحس الإيجابي تجاه الآخرين، بل على العكس علمتنا التقوقع والانغلاق والتوجه إلى الآخرين بسلبية.




المصدر