الفرات حدود التقسيم … والحسم ينتظر “داعش”
7 فبراير، 2017
كل المعطيات الواردة من الجبهات الشرقية والشمالية الشرقية لمدينة “حلب” تقول أن التوافقات الدولية تبدو وكأنها حسمت أمرها وتم التوافق على ملامح المرحلة المقبلة من حيث نوعية القوى المشاركة والتحالفات، أو من حيث جغرافية التوزع والانتشار، أو من حيث حدود التقدم والسيطرة عبر عمليتي “درع الفرات” و”غضب الفرات”.
من حيث المبدأ لا توجد منطقة سوريّة وعلى مدار سنوات الثورة حظيت بهذا التنافس وهذا التدافع للقتال في منطقة واحدة كما يحصل الآن في محيط مدينة الباب. أربع قوى متباعدة متنافرة بمعظمها تتصارع للحصول على المدينة التي ما تزال حتى الآن ترزح تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والذي ما زال ممسكاً بمفاتيح أبوابها ويغلقها على الجميع.
من حيث تصنيف القوى المتصارعة حول مدينة “الباب” يمكن القول أن ميليشيات قوات سورية الديموقراطية “قسد” هي من كانت أول من حاول التوجه نحو مدينة الباب بعد سيطرتها على مدينة منبج بمشاركة وجهود كبيرة من قبل طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تتوقف محاولات “قسد” حتى فترات زمنية قريبة لتعود وتتجدد حيث وصلت إلى بلدة “العريمة” التي تبعد حوالي 20 كم فقط عن الباب، وتُولي ميليشيات “قسد” أهمية كبيرة للقتال في تلك المناطق كونها تمنّي النفس بالحصول على الجغرافيا التي تصل المناطق بين مدينة “عين العرب” ومدينة “عفرين” وبالتالي وصل مناطق “روج آفا” التي تُعتبر الوطن الكوردي الذي تبحث عنه مخيلة “صالح” مسلم قائد ميليشيات “قسد” والحزب الديموقراطي الذي يعتبر الحليف الأكبر والأوفى لنظام “الأسد”.
قوات “درع الفرات” وهي فصائل من الجيش الحر مدعومة من الجيش التركي كانت القوة الثانية التي توجهت نحو مدينة “الباب” بعد تحريرها لمنطقة بعرض 98 كم على الحدود التركية تمتد بين بلدتي “إعزاز” و”جرابلس” وبعمق وصل حتى حدود مدينة “الباب” لكنها اصطدمت بدفاعات قوية من قبل تنظيم “داعش” أجبرتها على الخروج من المدينة بعد سيطرتها على جبل “عكيل” والمشفى الوطني داخل “الباب” من البوابة الشمالية لكنها سرعان ما نظمت صفوفها وعادت لتحرر بلدة “بزاعة” على بعد 3 كم من مدينة “الباب” بعد أن سيطرت على قرى “الغوز” و”أبو الزندين” ومن قبلها السيطرة على تلال “العمية” و”الكروم”، لكن التنظيم استطاع استعادة “بزاعة” لاحقاً ليتبادل الطرفان السيطرة بمحيط الباب.
أما ميليشيات “الأسد” التي تتشارك السيطرة مع ميليشيات “حزب الله” على مطار “كويرس” و”الكلية الجوية” والمنطقة المحيطة بهما فتشكّل القوة الثالثة الحالمة والباحثة عن الوصول لمدينة “الباب” والسيطرة عليها.
ومع سقوط عاصمة الشمال مدينة “حلب” بيد ميليشيات “النظام” شعرت بنوع من الراحة وأرادت التمدد نحول الشمال والاقتراب من مدينة “الباب” نظراً لأن تلك المنطقة تعتبر العمق الاستراتيجي لمدينة حلب، والسيطرة عليها تعطي بعداً عسكرياً يؤمّن حماية مواقعها في الشمال السوري، لكن الواقع يقول أن التفاهمات الروسية تحول دون ذلك رغم وصول تلك الميليشيات لمسافة تقل عن 9 كم عن مدينة الباب وفي قرية “دير قاق” بالتحديد بعد أن مارس تنظيم “داعش” لعبة خبيثة تمثلت باستماتة القتال شمالاً أمام فصائل “الجيش الحر” والتهاون والاسترخاء وترك أكثر من 22 قرية في الجنوب والجنوب الغربي للباب أمام ميليشيات “الأسد” لخلق نقاط اصطدام بين ميليشيات النظام وفصائل الجيش الحر قد تخفف من ضراوة المعركة التي يخوضها “داعش” ضد الجميع.
ويشكّل تنظيم “داعش” القوة الرابعة والأكثر حضوراً وتعرُضاً للضغط في مدينة الباب، وهو يقاتل على ثلاث جبهات ضد “قسد” وضد “الجيش الحر”، وإلى حدٍّ ما ضد ميليشيات “النظام”، ويدرك تنظيم “داعش” أن خسارته لجبهة “الباب” لا تعني خسارة المدينة فقط، ولا تعني خسارة العمق الاستراتيجي لمناطق سيطرته أيضاً بل تعني خسارة الخط الدفاعي الأول عن مدينة “الطبقة” وعن العاصمة البغدادية في “الرقة”، وتعني أيضاً انكشاف ظهر “داعش” في الجنوب وتهديد تموضعاته العسكرية وخطوط إمداده وحتى أنه قد تتهدد مصالحه الاقتصادية في كامل المنطقة الجنوبية والتي تُشكل الرافد الأول لاستمراره، وقيام التنظيم بزج “أشبال الخلافة” (مقاتلين أطفال لداعش أعمارهم تقل عن 16 عامًا) يُظهر ضعف المخزون البشري لديه ومدى الضغط الذي تعاني منه جبهات قتاله.
على مقربة من جبهة “الباب” تتحرك جبهة مشتعلة عبر عملية “غضب الفرات” التي أعلنتها ميليشيات “سوريا الديموقراطية” “قسد” ويدعمها طيران التحالف الدولي والتي تستهدف عزل عاصمة “البغدادي”، وتضمنت ثلاث مراحل حتى الآن. وقد أعلنت مرحلتها الأولى في 5 تشرين الثاني لعام 2016 وتركزت عملياتها في الجبهة الشمالية لمدينة الرقة، واستُتبعت بالمرحلة الثانية بتاريخ 10 كانون الأول عام 2016 واستهدفت تنظيم “داعش” في الريف الشرقي لمدينة “الرقة”.
وانطلقت مرحلتها الثالثة منذ أيام بتاريخ 4 كانون الثاني” 2017 وتستهدف الريف الشرقي للعاصمة الداعشية وقطع طريق إمداده والفصل بين “ولاية الخير” دير الزور ومدينة الرقة.
الصراع المخفي الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين تركيا حول هوية القوى المشاركة بالحرب على الإرهاب وعلى تنظيم “داعش” بالذات بدأت تتفكك عقدها، فشحنة الأسلحة التي وصلت لميلشيات “قسد” وأزعجت الجانب التركي تم تحويلها للمكوّن العربي من الفصائل المشاركة مع “قسد” ولم تذهب لميليشيات “مسلم” بعد أن طالت تلك الميليشيات الكثير من الاتهامات بطرد وتهجير وحرق القرى العربية والتركمانية وحتى الكوردية غير المتوافقة مع تهج تلك الميليشيات في الريف الجنوبي لمدينة “الحسكة” وكذلك في الريف الجنوبي لمدينة “عين العرب”، ومنعت سكان تلك القرى من العودة لمنازلهم.
وقد نشرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريراً بهذا الخصوص، وتلك الأسباب جعلت وزارة الدفاع الأمريكية تحجب أسلحتها عن “أكراد” ميليشيات “قسد” ومنحها للمكون العربي فقط رغم أن تلك الشحنة مقررة منذ زمن إدارة الرئيس “أوباما”. كما أن هناك تغيرات أخرى قد نلحظها في الأيام القادمة مع معلومات عن توافق تركي- أمريكي-كوردستان عراقي باستقدام قوات “البشمركة” إلى الشمال السوري لتشكل بديلاً عن ميليشيات “مسلم” وعوناً في عملية “درع الفرات”، وقوات “البشمركة” تلك هي عبارة عن جنود سوريين “أكراد” انشقوا عن جيش “الأسد” وأدخلتهم حكومة “كردستان” العراق بمعسكرات تدريب وتم الزج بهم سابقاً في معركة تحرير “عين العرب” وأبلوا بلاءً حسناً.
المعارك الدائرة في الشمال تتزامن مع مشروع المناطق الآمنة الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي “ترامب”، ومسودة القرار التي أرسلها للخارجية الأمريكية ولوزارة الدفاع “البنتاغون” لدراستها خلال 90 يوماً ومن ثم وبناءً على توصيات تلك الوزارات قد يصدر الأمر بإنشاء تلك المناطق، فالمناطق الآمنة تحتاج لمعدات ووسائط حماية ورصيد جوي وتوافقات دولية إذا لم تصدر عن مجلس الأمن (كما هو متوقع).
ولكن بعيداً عن احتياجات المناطق الآمنة فالمؤشرات تقول أن هناك أربع مناطق سيتم العمل عليها:
المنطقة الأولى: تمتد من الحدود العراقية شرقاً وحتى جرابلس تقريباً غرباً، وتضم المناطق الكوردية غرب الفرات وتقع تحت المسؤولية الأمريكية.
المنطقة الثانية: وهي بعرض حوالي 65 كم على الحدود التركية، وتفصل جرابلس عن إعزاز، وتقع تحت المسؤولية التركية.
المنطقة الثالثة: وهي مناطق الساحل السوري، وتمتد حتى دمشق مروراً بالقلمون وحمص، وهي تحت الرعاية الروسية.
المنطقة الرابعة: وتمتد من محافظة السويداء في الجنوب الشرقي لسورية وحتى حدود الجولان المحتل، وهي تحت الوصاية الأردنية- الأمريكية.
الملاحظ بتلك المناطق أنها مقسمة على أسس طائفية تقريباً وهذا الأمر يقلق الشارع السوري الذي يشعر أنها تقسيم مقنع تحت عنوان “مناطق آمنة”، وأنها قد تكون حدود لفيدرالية قادمة تحدث عنها “الدستور” الروسي الذي رفضته أطياف المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي.
بالتأكيد السياسة الأمريكية الجديدة وقرارات الرئيس ترامب اللامتوقعة بعثرت كل الأوراق بما فيها التفاهمات الروسية الأخيرة رغم أن طاقم وزارة الخارجية الأمريكية لم يدخل في معتركه السياسي بعد، ومن الواضح أن ضفاف نهر الفرات أصبحت إحدى الخطوط الهامة- وفق النظرة الغربية- بالفصل بين مكونات الشعب السوري.
لكن مما لا شك فيه أن كل تلك الترسيمات لن تحظى بموافقة قوى الثورة وفصائلها المسلحة التي لن تقبل بأي حلول تؤدي لتقسيم الجغرافيا السورية أو زرع الحدود المصطنعة بين مكوناتها وأبنائها، ولن يقبل أي وطني سوري بأن يكون ثمن كل التضحيات المقدمة على مدار السنوات الست الماضية هي عملية تقسيم المقسّم وتجزيء المجزّئ.
الشعب السوري الحر خرج لإسقاط ديكتاتورية متسلطة من أجل بناء سوريا المستقبل؛ سوريا الدولة الديموقراطية المدنية التي تحافظ على كامل وحدة جغرافيتها وتضم جميع مكوناتها.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]