خيارات ترامب: التراجع أو الخروج المبكر من البيت الأبيض


لا يملك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أي صلاحيات استثنائية تخوله التأثير على قرارات محكمة الاستئناف الفدرالية التي ردت أمس الأحد، الطعن الذي تقدمت به وزارة العدل الأميركية يوم السبت الماضي، لإبطال حكم القاضي الفدرالي، جايمس روبرت، الذي ألغى قرار الرئيس منع رعايا سبع دول من دخول الولايات المتحدة. ولن يكون بمقدور ترامب إقالة القاضي روبرت من منصبه على غرار إقالته الأسبوع الماضي وزيرة العدل بالوكالة، سالي ياتيس، بعد ساعات قليلة من تمردها على قرار الحظر. والسبب يتمثل في أن الفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية في الولايات المتحدة أمر مفروغ منه ولا يحتمل التأويل، وسلطات الرئيس التنفيذية، أياً يكن هذا الرئيس، تتعطل مفاعيلها في المحاكم وأمام سلطة القضاء “المقدسة” والمحمية بالنصوص الدستورية والقانونية التي تساوي بين المواطنين الأميركيين.

المفارقة أن ترامب خلال حملته الانتخابية ضد مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، تغنّى بشعار “فرض القانون” على الجميع. وشدد على أن “لا أحد فوق القانون” أياً يكن موقعه. لكنه لم يتوان عن اللجوء إلى “سلاح” التغريد على “تويتر” لمهاجمة القاضي روبرت ووصْف حكمه بـ”السخيف”، متجاوزاً هالة الاحترام والحصانة التي يحظى بها القضاء الأميركي والسلطة المبرمة لأحكامه، المستقاة من نصوص الدستور.

فالاعتراض على الأحكام القضائية له قنواته القانونية الخاصة ولا يشبه الاعتراض على القرارات السياسية. ومن غير المألوف في أميركا أن يلجأ رئيس البلاد الذي يفترض أنه حامي الدستور والقوانين، إلى توجيه انتقادات علنية ومباشرة لأحكام قضائية صادرة عن المحاكم الفدرالية. بهذا المعنى، سيكون لتهجم ترامب العلني على القاضي روبرت تداعيات كبيرة، وستفتح عليه جبهة جديدة ومواجهة مفتوحة مع السلطة القضائية في الولايات المتحدة.

ولا يخفي خصوم الرئيس الأميركي مراهنتهم على القضاء والمحاكم لإلحاق الهزيمة به وإبطال شرعية رئاسته. وقد تراكمت الدعاوى القضائية ضده حتى قبل وصوله إلى سدة الرئاسة، بدءاً من دعاوى تتعلق بالفضائح النسائية والاتهامات بالتحرش التي وجهت إليه، إلى قضايا التهرب الضريبي، وصولاً إلى الطعن بنتيجة الانتخابات الرئاسية والتحقيقات الجارية في قضية التدخل الروسي وعمليات التجسس الإلكتروني التي استهدفت الحزب الديمقراطي وحملة كلينتون الانتخابية. ولا شك في أن الضربة التي تلقتها إدارة ترامب بإبطال قرار حظر دخول الولايات المتحدة على رعايا سبع دول، ستفرض على الرئيس الجديد مراجعة جذرية لطريقة الحكم التي اتبعها منذ وصوله إلى البيت الأبيض وإعادة قراءة موازين القوى في واشنطن.

وبات من الواضح أن إدارة ترامب تخوض معركة خاسرة بكل المعايير وعليها إجراء مراجعة سريعة للتداعيات الداخلية والخارجية التي تسبب بها قرار المنع بدءاً من حركة التمرد الداخلي في وزارة العدل والمؤسسات القضائية الأميركية إلى التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدن الأميركية، وصولاً إلى الأضرار البالغة التي ألحقها القرار بعلاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي وموجة الاستنكار الدولي التي فجرها هذا القرار العشوائي. ولا يوجد خيار آخر أمام إدارة ترامب سوى التراجع عن قرار حظر دخول المسلمين وإلا فإن أزمة الحكم التي تواجهها ستتفاقم.

وبعد أسبوعين فقط من تسلم ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض، يبدو جلياً أن السير قدماً في تنفيذ الشعارات التي رفعت خلال الحملة الانتخابية من بناء الجدار مع المكسيك إلى إلغاء “أوباما كير” ومحاربة فساد الطبقة السياسية في واشنطن، وصولاً إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، كلها شعارات مستحيلة بالمعنى السياسي ولا يمكن تنفيذها. أما إصرار إدارة ترامب على تحقيق هذه الأجندة الانتخابية، دون النظر إلى التداعيات والفوضى السياسية التي تتسبب بها في أميركا والعالم، سيؤدي إلى أزمة دستورية كبيرة في البلاد، وسيكون لأخصام ترامب في الشارع وفي “الإستبلشمنت” وأجهزة الاستخبارات والإعلام والقضاء، الكلمة الفصل فيها. ولا يستبعد أن يؤدي ذلك إلى وضع نهاية قريبة جداً لولاية ترامب الرئاسية والخروج مبكراً من البيت الأبيض، لتكون ولايته الرئاسية من أقصر الولايات الرئاسية في تاريخ الولايات المتحدة.



صدى الشام