هل تبقى تركيا بيئة آمنة للعمل بعد تخفيض تصنيفها الإئتماني؟

7 فبراير، 2017

 

لا تكاد تبعات انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية تتوقّف، ولا سيما مع استمرار تدهورها وإن بوتيرة متفاوتة، الأمر الذي خلق تخوّفاً لدى المستثمرين السوريين الذين باتوا يشكّكون بقدرة البلد المستضيف على تأمين بيئة استثمارية مناسبة لأعمالهم ومشاريعهم التي شرّعوا بافتتاحها منذ بدء موجات اللاجئين السوريين إلى تركيا قبل سنوات.

 

استثمارات بملايين الدولارات

شهدت الاستثمارات السورية في تركيا ثورةً حقيقية خلال السنوات الماضية، حيث احتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها في عام 2014 المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تركيا وذلك وفقاً لبيانٍ صادرٍ عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية “آفاد” التابعة لمجلس الوزراء التركي.

وأضافت “آفاد” مطلع 2015 أنه “مع استمرار الحرب في سوريا منذ 5 سنوات، بلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا أكثر من 2.4 مليون لاجئ، حيث يسعون لنسيان آثار الحرب من جهة، ومن جهة أخرى أصبحوا عاملاً مهماً في الاقتصاد التركي”، فقد أسّس رجال الأعمال السوريين خلال هذه الفترة ألف و429 شركة، منحتهم المركز الأول.

وصرح “جاغري بولوت” الأستاذ المشارك في قسم إدارة الأعمال بجامعة “يشار” في ولاية إزمير أن هناك زيادة مستمرة في عدد الشركات السورية في تركيا، لدرجة وصلت معها نسبتها إلى 10 بالمئة من إجمالي عدد الشركات الأجنبية في عموم البلاد، ولفت إلى أنه “بناء على معطيات اتحاد الغرف والبورصات التركية فإن عدد الشركات السورية في تركيا عام 2011 كان 81 شركة بإجمالي رأس مال 11 مليون ليرة تركية، وارتفع بعد سنوات ليقارب 5 آلاف شركة”، وتبلغ قيمة هذه الشركات ملايين الدولارات.

 

تخوّف من القادم

ومع استمرار انخفاض الليرة التركية من جهة، وعدم استقرار الحالة الأمنية من جهة أخرى بات أصحاب هذه الشركات يفكّرون جدّياً بمصير استثماراتهم.

يقول عبد الكريم زبدي، وهو مستثمر سوري افتتح مصنعاً للزجاج في غازي عينتاب في تركيا لـ “: “إنه دفع أموالاً طائلة لتأسيس المصنع والحصول على ترخيصٍ قانوني له”، مضيفاً أنه حتى مطلع عام 2016 كانت الأمور لا بأس بها، لكنه يوضّح أن المواد والسلع الأولية ارتفع سعرها لتضاف إلى التكلفة، نتيجة ارتباطها بسعر صرف الدولار ما أدّى لتضاؤل قيمة الربح التي يحقّقها.

يضيف زبدي: ” ليست المشكلة تماماً في تضاؤل الربح، لكن الخوف الأكبر ينطوي على احتمال استمرار تهاوي الليرة التركية مقابل الدولار، الأمر الذي سيؤدّي لتهاوي رأس المال الذي تم دفعه بالعملة المحلّية”، إضافةً إلى احتمال رفع الأسعار على المستهلك وتاجر المفرّق تماشياً مع ارتفاع بعض أسعار المواد الأولية، ما يجعل الاستثمار خاسراً حسب وصفه.

خوفٌ من نوعٍ آخر يتحدّث عنه مسثتمر فضّل أن يُعرّف عن نفسه باسم “أبو عدنان”، وكان هذا المستثمر قد افتتح سلسلة محلّاتٍ للذهب في شطري مدينة اسطنبول، وأزمير وغازي عينتاب.

يقول أبو عدنان لـ “صدى الشام”: “إن سوق أونصة الذهب يرتبط بشكلٍ كبير بأسعار القطع الاجنبي وانعكاساتها على العملة المحلّية التركية، وهذا ما جعلنا نتخوّف قبل شراء الذهب سواءً بالعملة المحلّية أو الأجنبية وذلك بسبب تأرجح سعر الصرف”.

ويَرى أبو عدنان أن سوق الذهب تحديداً يحتاج إلى بيئة آمنة للعمل، وذلك لأن الأوضاع الأمنية غير المستقرّة تؤثّر بشكلٍ كبير على سوق المعادن”، لافتاً إلى أن أوضاع السوق التركية لا تستدعي تخوفاً كبيراً إلى درجة الانسحاب لكن من الأفضل التوقّف حالياً عن تداول وصناعة المعادن الثمينة.

 

تخفيض التصنيف يؤثّر على الاستثمارات

في يوم الجمعة 27 من شهر كانون الثاني الماضي خفّضت وكالة “ستاندرد آند بورز” توقّعاتها للتصنيف الائتماني السيادي لتركيا من “مستقرّة” إلى “سلبية” مع تصنيف  BBسلبي.
وقالت الوكالة: “إن النظرة المستقبلية السلبية تعكس المخاطر التي تشكلها القيود السياسية على الاقتصاد وزيادة التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة وضغوط ميزان المدفوعات”، متوقّعةً أن يصل صافي الدين الحكومي إلى نحو 23% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الفترة الممتدة بين 2017 – 2020.
وأضافت أن سياسة البنك المركزي النقدية التي جاءت استجابة للضغوط التضخمية والضغوط على العملة قد تكون “غير كافية لدعم نظام يستهدف التضخم.”

وكان خبراء واقتصاديون أتراك يترقّبون قرار الوكالة قبل صدوره بتخوّف من النتائج التي من الممكن أن تتوصّل إليها.

وكانت شركة “موديز” القابضة والمخصّصة لخدمة المستثمرين قد خفضت تصنيف تركيا سابقاً إلى” Ba1″ مستقر، في 23 أيلول 2016، في حين خفضته “ستاندرد أن بورز” إلى “BB” مستقر أيضاً.

ومن جانب المستثمرين الأجانب تُعتبر هذه التصنيفات مهمّةً للغاية، إذ يعتمد معظم المستثمرين من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، على تصنيفات هذه الشركات لمعرفة وضع البلد الاستثماري.

من جهته اعتبر الصحافي في صحيفة حرييت التركية “أوغرو غور سس” أن تخفيض المستوى الائتماني التركي سيؤثر سلباً على الأسواق المالية في المدى القريب،  وأضاف غور سس”: “إن تخفيض تصنيف تركيا الائتماني ليس مُستغرباً وإنما كان متوقّعاً من قبل الاقتصاديين الأتراك، لافتاً إلى أن هذا التوقّع سببَّ أزمةً في الأسواق التركية، بسبب انعكاساته المتوقعة على الأسواق والليرة التركية التي هبطت مؤخراً، نتيجة عدّة عوامل، أبرزها قرار البنك المركزي الذي قام بتثبيت معدل الفائدة دون اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض”.

 

ماذا على تركيا أن تفعل؟

 يَعتبر الخبير والباحث الاقتصادي حسين الجنيد أن “نتائج التصنيف الجديد ستؤثّر على الاستثمار لأن أموال المستثمرين تكون جبانة من وجهة نظر الاقتصاد”، لكن كلامه لم يتخذ طابعاً سلبياً شاملاً حول هذه المسألة.

وقال الجنيد لـ “صدى الشام”: “إن الاقتصاد التركي ليس كالسوري، لأنه اقتصاد مندمج بالعالم الخارجي، ولديه ارتباطات كبيرة مع شركات عالمية ورؤس أموال غربية ضخمة جداً” مشيراً إلى أن هذه الجزئية تساعد تركيا على النهوض مجدداً.

وأضاف الجنيد أن على تركيا عدم السكوت أو التغاضي عن هذا التصنيف، داعياً إياها إلى أن “تنصح المستثمرين ورجال الأعمال والشركات لترشدهم كيف يوجّهون أموالهم لتتمكّن من كسبهم لاحقاً”، لكنه أشار إلى أن الاستثمار الأجنبي سيتباطئ حتماً جراء هذا القرار، وسينتج عنه تراجع القروض الممنوحة لتركيا طالما أن تصنيفها بات سلبياً بسبب احتمال عدم قدرتها على سداد هذه القروض، وهو ما سيؤدّي إلى مزيدٍ من تراجع الليرة التركية بشكلٍ ملحوظ يُضاف إلى تراجعها الحالي.

وشدّد الجنيد على أن أمام تركيا عدد من الخطوات لتحسين الليرة والخروج ولو بشكلٍ جزئي من هذه الضائقة، وتتمثّل هذه الخطوات بتدخل المركزي التركي من خلال البنوك عن طريق رفع أسعار الفائدة، ومن ثم سحب القطع الأجنبي من الأسواق ثم تخفيص سعر الدولار واليورو مقابل الليرة التركية للحوالات النقدية، إضافةً لإجراءات أخرى مثل رفع كميات الصادرات وضبط الاستيراد إلى أكبر حدٍّ ممكن.

 

انعكاسات تأثير الليرة

ويرى محلّلون أن من أكثر العوامل التي أدّت لتخفيض الائتماني السيادي لتركيا هو تراجع سعر صرف الليرة خلال الفترة الماضية إلى أدنى مستوى لها في تاريخها، الأمر الذي زاد من تخوّف المستثمرين ودعا الوكالة لمراجعة هذا التصنيف الذي كان مستقّراً.

وشهدت الليرة التركية خلال الفترات الماضية موجات انخفاضٍ حاد لم تشهده البلاد من قبل، حيث قارب حائط 3.9 ليرة للدولار الواحد، بعد أن كانت كل 2.5 ليرة تعادل دولاراً قبل نحو عامٍ ونصف.

ويعود هذا الانخفاض الملفت إلى عدّة عوامل بعضها داخل تركيا وبعضها الآخر في الخارج وفقاً لما يتوقّع خبراء ومراقبون، ويأتي على رأسها التعديل الدستوري الجاري في تركيا والذي يقضي بالانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، والذي أدّى بدوره إلى احتدام التصادم بين حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكمة من جهة، والأحزاب المعارضة الرافضة لهذا التعديل من جهة أخرى.

ومن جملة الأسباب أيضاً العمليات العسكرية الشرسة التي تخوضها القوات المسلّحة التركية في مدينة الباب ومناطق أخرى شمالي سوريا في إطار عملية “درع الفرات” التي انطلقت في 24 من شهر آب الماضي، حيث تسعى تركيا إلى تأمين حدودها الجنوبية وإبعاد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ووحدات حماية الشعب الكردية.

يُضاف إلى ذلك الانخفاض الحاد في عدد السياح القادمين إلى تركيا، وتراجع الصادرات بعد الأزمة الدبلوماسية مع روسيا، وتنامي خطر التفجيرات الإرهابية في مناطق مأهولة، والتي تؤدّي إلى صرف نظر السيّاح عن القدوم إلى هذا البلد.

وكانت تركيا قد شهدت عدّة تفجيرات في مناطق تشهد تواجداً كبيراً للسيّاح الأجانب، وأبرزها مطار أتاتورك الذي يُعتبر واحداً من أهم المطارات التركية، ومنطقة السلطان أحمد السياحية، وشارع الاستقلال ومنطقة بكر كوي، وآخرها التفجير الذي حصل ليلة رأس السنة في ملهى “رينا” الذي يُعتبر أحد أهم الملاهي في مدينة اسطبنول.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]