الكوادر الطبّية في سوريا.. بين قتيل ومعتقل ومفقود
8 فبراير، 2017
تعرّض القطاع الطبّي خلال سنوات الثورة السورية لخسائر كبيرة، وما يزال يعاني حتى الآن من بطش نظام الأسد وحلفائه، وذلك عبر القصف المتعمد للمنشآت الطبية وقتل مئات الأطباء والمسعفين.
لكن على الجانب الآخر ما يزال مئات الأشخاص من الكوادر الطبية معتقلين في أقبية سجون الأسد، وسط إدانات خجولة من المنظمات الدولية المعنية.
لكن من بقي من هؤلاء الأطباء والمسعفين لم ييأس من مزاولة مهنته الإنسانية واختار البقاء داخل المناطق السورية المحررة رغم الخطر المحدق به واحتمال استهدافه بشكل مباشر.
وبعد توقف ثلث المشافي عن الخدمة بحسب منظمة “أطباء بلا حدود” اضطر الأطباء للالتحاق بالمشافي الميدانية أوالنقاط الطبية متواضعة الإمكانيات التي بات يتعامل معها النظام على أنها تابعة لفصائل المعارضة في محاولةٍ لتبرير استهدافها من قبل طائراته والطائرات الروسية.
استهداف ممنهج
وقال مدير صحة إدلب منذر الخليل لـ “صدى الشام”: “إن الاستهداف الممنهج والمتكرر من قبل النظام وحلفائه الروس هو التحدي الأكبر للعمل في المجال الطبي في المناطق المحررة منذ بداية الثورة إلى الآن”، لافتاً إلى أن محافظةِ إدلب وحدها شهدت 130 حالة استهداف مباشر للمنشآت الطبية من مشافي ونقاط طبية ومراكز تلاسيميا وأشعة وبنوك دم وغيرها.
وأضاف الخليل أن القصف بدأ يشمل مؤخّراً الأحياء السكنية التي تحتوي على برامج طبية، كالحي الذي يوجد فيه مراكز لقاح شلل الأطفال.
وكشف الخليل عن مقتل 182 شخصاً من الكوادر الطبية في محافظة إدلب، على يد قوات النظام، إضافةً لاعتقال 700 شخص آخر منذ اندلاع الثورة السورية، وما يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن.
448 اعتداءً خلال 2016
وثّق تقرير نشرته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تموز 2016 نحو ما لا يقل عن 448 حادثة اعتداء على مراكز حيوية طبية ومراكز للدفاع المدني خلال العام الماضي فقط، 257 منها على يد قوات نظام الأسد، من بينها 89 منشآت طبية، و41 سيارات إسعاف، و120 استهدفت مراكزَ للدفاع المدني، إضافة إلى سبعة مراكز للهلال الأحمر السوري.
وسجّل التقرير 174 اعتداءً على المراكز الطبية من قبل القوات الروسية، من بينها 74 منشأة طبية، و55 سيارة إسعاف، و38 مركزاً للدفاع المدني، إضافة إلى سبعة مراكز تابعة للهلال الأحمر السوري.
وذكر التقرير أن 167 شخصاً من الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني قتلوا خلال عام 2016، منهم 77 شخصاً قُتلوا على يد قوات نظام الأسد، بعضهم ماتوا تحت التعذيب بالمعتقلات، في حين قتلت القوات الروسية 55 شخصاً من هذه الكوادر.
مخاطر عديدة
من جهته أوضح حذيفة الحمّود، مدير مكتب شؤون الجرحى والمفقودين في محافظة إدلب، والذي يملك سيارة إسعاف يموّلها شخصياً، أنه أسعف 4275 مصاباً منهم 1250 شخصاً تم نقلهم إلى المشافي الحدودية مع تركيا.
وتعرّض الحمّود لاستهدافٍ مباشر من الطيران خمس مرات خلال عمله، وفي عام 2014 نجى الحمّود من انفجار سيارة مفخخة رُكنت على باب مشفى الشفاء في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي.
وفي العام ذاته أُصيب الحمّود بحالة إغماء جرّاء استهداف المنطقة التي كان يُسعف فيها بغاز الكلور.
يشرح الحمّود أن أكثر الأمور خطورةً على حياة المسعفين هو نقل المصابين ليلًا بسبب استهدافهم مباشرةً من الطائرات الحربية بالرشاشات الثقيلة، لأنها تكون قد أخذت إحداثيات المسعفين من خلال تتبّع إنارة المركبات التي تسير على الطرقات المؤدّية إلى المكان المستهدف.
ولا يخلو عمل الكوادر الطبّية من بعض المضايقات من قبل بعض الفصائل، وهو ما حدث في مشفى القدس بحي السكّري بحلب عام 2014، وأعقبها حادثة اعتداء على مشفى عمر بن عبد العزيز في حي المعادي، التي أدت حينها إلى توقّف العمل الطبي في المدينة، لحين تحقيق مطالب العاملين في المجال الطبي.
وينفي الخليل أن تكون محافظة إدلب قد شهدت اعتداءاتٍ كهذه قائلاً: “لم تتعرض كوادرنا الطبية في محافظة إدلب إلى اعتداءات مباشرة يمكن أن ترقى لظاهرة كبيرة”، لافتاً إلى أن المضايقات أو التجاوزات التي صادفته تمثّلت في غياب السلطة المركزية والقوانين والتشريعات، وكانت صادرة عن بعض الأفراد في الفصائل المسلحة والتي تم تطويقها وتجاوزها بشكل سريع.
وأضاف أن القطاع الطبي يلقى في إدلب الاحترام من كافة شرائح المجتمع بسبب الحاجة الملحة إليه.
واعتبر أن منظمات المجتمع الدولي عادةً ما توثق الانتهاكات وتصدر عنها إدانات شكلية لا تحقق الغاية المرجوة منها ولا تحدد الجاني الحقيقي المتمثّل بنظام الأسد وحلفائه، وتابع: “ندرك أن ما يحصل من توثيقات على يد منظمات الولايات المتحدة لن يفيد الشعب أو يطبق العدالة المنشودة، وإنما يصب بمصلحتها كوسيلة ضغط سياسي لتحقيق أهداف سياسية، لكن نحن نوثقها من أجل تاريخ ومستقبل سوريا”.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]