"حتى الموتى يتعرضون للضرب".. مشفى تشرين العسكري مسلخ الأسد للتنكيل بجثث معتقلي صيدنايا وإخفاء جريمة قتلهم


تتكشف المزيد من الخفايا المرعبة التي كانت ولا تزال تحصل في سجن صيدنايا سيء الصيت في ريف دمشق، من خلال التقرير الذي نشرته "منظمة العفو الدولية"، أمس الثلاثاء، والذي تحدث عن إعدام نظام الأسد لـ 13 ألف معتقل في صيدنايا منذ العام 2015.

ويتحدث التقرير عن عمليات قتل جماعية، ودفن للضحايا في مقابر جماعية بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام، معتمداً على شهادات معتقلين وموظفين ومسؤولين سابقين في السجن.

ومن بين أكثر الأمور وحشية التي تحدث عنها تقرير المنظمة، ما يحدث بعد تنفيذ عمليات الإعدام الجماعية بحق المعتقلين في سجن صيدنايا، حيث يجري نقل الجثامين إلى مشفى تشرين العسكري، وهناك لا يسلم المعتقلون من التنكيل حتى وإن كانوا أمواتاً.

ويتحدث التقرير بالتفصيل عن نقل جثث المعتقلين الذين أعدموا في صيدنايا إلى المشفى الواقع بدمشق، عقب جمعها في الزنزانات، ومن ثم نقلها عبر شاحنات بيضاء اللون تعرف باسم "برادات اللحوم" إلى المشفى.

تنكيل بالجثث

تتعمد قوات نظام الأسد الإساءة للمعتقلين السوريين في سجن صيدنايا حتى بعد وفاتهم جراء الإعدام، وهو ما يشير إليه المعتقل السابق محمد، الذي قال لـ"منظمة العفو": "توجهنا ذات مرة إلى المحكمة رفقة الجثث في الشاحنة. وحتى الجثث لم تسلم من الضرب أثناء وضعها في الشاحنة. وكانت أصفاد أحد الزملاء مكسورة فتمكن من ترتيب الجثث في صفوف، وهذا ما أمكننا القيام به على أقل تقدير."

أما خالد وهو معتقل سابق أيضاً، فيسرد ما رآه بالقول: "مررنا في طريقنا إلى المحكمة بمشفى تشرين، وشاهدت أكواماً من الجثث هناك، أي في الباحة الخلفية للمشفى. وأوصلنا الجثث التي كانت معنا في الشاحنة في تلك الباحة، وأخبر الشخص في المشفى سائقنا قائلًا: يمكنك الآن تنزيل البضاعة، أي الجثث التي في الشاحنة."

وينقل التقرير عن موظف سابق في سجن صيدنايا حديثه عن إجراءات جمع جثث المحتجزين من الزنزانات قائلًا: ""كانوا يضعون الجثث في المضلع سداسي الشكل وسط المبنى الأحمر، داخل غرفة صغيرة أمام العنبر (ج)، ثم توضع في شاحنة بعد نقلها من الغرفة. وعادة ما كانت الجثث توضع في شاحنة

مخصصة لها، ولكن قد يتصادف وجود محتجزين يتم ترحيلهم إلى محاكمة فتوضع الجثث معهم. ويتم تعصيب أعين السجناء، ولا يهم بالتالي إذا ما نُقلت الجثث في نفس الشاحنة مع الأحياء أم لا".

إخفاء للجريمة

يواجه نظام بشار الأسد جميع الاتهامات الموجهة إليه بارتكاب مجازر بحق المعتقلين، بالنكران، وينفي دائماً صحة أية تقارير موثقة تتحدث عن عمليات قتل جماعية في السجون، وهو ما تكرر في موقف النظام من تقرير "منظمة العفو"، إذا قال النظام، اليوم الأربعاء، إن ما ورد في التقرير غير صحيح.

سياسة الإنكار هذه، لا يمكن أن تنفصل عن الإجراءات التي يتبعها النظام لإخفاء الجريمة في المعتقلات، وإخفاء الأسباب الحقيقية لموت المعتقلين، سواءً من شدة التعذيب، أو إعدامهم شنقاً أو بالرصاص.

وفي هذا السياق، نقل تقرير المنظمة عن ثلاثة أطباء سابقين في مشفى تشرين، قولهم أنهم بدأوا بشكل منتظم اعتباراً من 2011 ، استلام جثث المحتجزين الذين يموتون في صيدنايا، وأضافوا أنهم كانوا يستلمون جثث المحتجزين الذين ماتوا لدى فروع الأجهزة الأمنية، ونوهوا بأن جميع الجثث الواردة تم التعامل معها على النحو الوارد تالياً:

"يقوم الطبيب بمجرد وصول الجثة بتحرير تقرير طبي يوضح سبب الوفاة، ويتضمن الرقم الوطني للمتوفى، والفرع الذي كان محتجزاً فيه، وهي معلومة تكون مكتوبة عادة بقلم حبر على ذراع المحتجز المتوفى وجبهة رأسه. ويتم بعدها إرسال التقرير إلى قسم البحث الجنائي في مشفى تشرين، حيث يتم تصوير الجثة من طرف أفراد من الشرطة العسكرية، وتصدر شهادة وفاة بناء على ما ورد في تقرير الطبيب".

وعن إخفاء الأسباب الحقيقية للوفاة قال موظفون وأطباء سابقون عملوا في صيدنايا: "تقتصر التقارير الطبية وشهادات الوفاة على إدراج سببين فقط من أسباب الوفاة، وهما: توقف القلب، أو الجهاز التنفسي".

وأكد موظف سابق في صيدنايا وجود هذه الممارسة بقوله ما يلي: "يتم إصدار شهادة الوفاة إذا توفي الشخص جراء التعذيب أو الظروف السيئة. وذلك

للتغطية على السبب الحقيقي للوفاة. وهم أذكياء في ذلك، لأن السببين الواردين في شهادة الوفاة صحيحان من الناحية الفنية، حيث لا بد وأن تتوقف عن التنفس أو يتوقف قلبك عن العمل في نهاية المطاف. وهذا صحيح بالنسبة لكل من يموت في هذا العالم."

وتشير المصادر التي تحدثت لـ"منظمة العفو" أنه بعد الانتهاء من مشفى تشرين العسكري، يجري نقل الجثامين إلى مقابر جماعية بشكل سري في ريف دمشق.           

ووفقاً لما قاله اثنان من الموظفين السابقين في صيدنايا فإنه يتم في الغالب نقل الجثث إلى قرية ناجحة الصغيرة على الطريق الرئيسي الرابط بين السويداء ودمشق. ويتم في أغلب الأحيان دفن الجثث في ناجحة في مقبرة كانت قائمة قبل عام 2011 ، ويُشار إليها أحياناً "بالمقبرة القذرة".

وصرح موظفان سابقان بأنه يتم أيضاً دفن الجثث في قبور جماعية في بلدة قطنا في الضواحي الغربية من دمشق، وذلك داخل قاعدة تابعة للفرقة 10 في الجيش السوري.

ويشار إلى أن "منظمة العفو" أوضحت أن معتقلي سجن صيدنايا يتعرضون لمحاكمة "تستغرق ما بين دقيقة وثلاث دقائق، ويمثل فيها المعتقل أمام القاضي الذي يستند إلى الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، للبت في الحكم الذي سوف يصدره"، عندها يصدر الحكم ويُحكم على المعتقل بالمؤبد أو الإعدام، ليصبح ميتاً في أماكن مظلمة تشهد على أكبر المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد في تاريخ سوريا الحديث.




المصدر