أيها العالم.. تتفرج على “المسلخ البشري” وتصمت

9 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
7 minutes

حافظ قرقوط

ما زال تقرير منظمة العفو الدولية الذي أخذ عنوان “سورية: مسلخ بشري، التصفيات والإعدامات الجماعية في سجن صيدنايا”، يتفاعل دوليًا، وتتوالى التعليقات حول ما ورد فيه.

فقد قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس: إنه يشعر “بالرعب” من تلك الإعدامات “لآلاف المدنيين في سجن عسكري قرب دمشق”.

ونقلت وكالة “الأناضول” للأنباء، عن استيفان دوغريك، المتحدث باسم غوتيرس، قوله في مؤتمر صحافي عقده في الأمم المتحدة: إن المنظمة “أعربت مرارًا عن مخاوفها الجديّة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في سورية، بما في ذلك مراكز وسجون الاحتجاز التي تديرها الحكومة”.

من جهتها قالت الخارجية الفرنسية في بيان أصدرته: “إن التقرير يؤكد الفظاعات التي يرتكبها النظام في حق الشعب السوري من أجل البقاء في السلطة”، كما طالب البيان بضرورة “مواصلة عمل اللجنة الدولية المستقلة التي يقودها باولو بينايرو، إضافة إلى لجان التحقيق الأممية من أجل كشف حقيقة الانتهاكات في سورية”، ودعت إلى تحرك المجتمع الدولي لمنع إفلات النظام السوري من العقاب.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي غرّد جان مارك أيرو، وزير الخارجية الفرنسي، معلقًا “العفو وثّقت الرعب في سجون النظام السوري، هذه الوحشية لا يمكن أن تكون مستقبل سورية”.

أيضًا علق وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، بتغريدة قال فيها: إنه “مشمئز من تقارير (أمنستي) عن الإعدامات في سورية، الأسد مسؤول عن موت كثيرين، ولا مستقبل له قائدًا للبلاد”.

من المؤلم للسوريين أن يسمعوا من رجال سياسة، بعد نحو ست سنوات من الجرائم التي ارتكبت على الهواء مباشرة، وبعد تقديم “قيصر” لنحو 55 ألف صورة -سابقًا- عن التعذيب في سجون النظام، وبعد إطلاق النار على المتظاهرين في الشوارع، وفي ظل تقارير واضحة عن استخدام أسلحة محرمة دوليًا، منها السلاح الكيماوي، ووصول الملايين من اللاجئين إلى أنحاء مختلفة من دول العالم، أن يُغرّد مسؤولو دول كبرى بجملة “لا مستقبل للأسد كقائد”.

كما من المستغرب أن نسمع بعد كل ما جرى، بضعة كلمات كـ “الاشمئزاز” و”الاستنكار” و”القلق”، أو “الرعب”.

في آب/ أغسطس 2011، شكّل “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، لجنة تحقيق دولية مستقلة، حول انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، قدمت تقريرًا أشارت فيه إلى “ارتكاب قوات الأمن السورية لجرائم ضد الإنسانية في قمع المدنيين الذين خرجوا في احتجاجات سلمية”.

ذكر التقرير أن اللجنة قدمت أدلة قوية حددت فيها “أنماطًا من الانتهاكات مارستها القوات المسلحة والأمنية، من بينها الاستخدام المفرط للقوة ضد المظاهرات السلمية، واستخدام الذخيرة الحية لتفريق حشود المدنيين، واللجوء إلى القناصة لإطلاق النار بغرض القتل”، وأشار إلى “مقتل 256 طفلًا على يد قوات الدولة؛ حتى التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2011”.أنطونيو غوتيرس, منظمة العفو الدولية

وقال باولو بينيرو، رئيس اللجنة: “إن بشاعة التعذيب الذي مارسته قوات الأمن قد أسفرت في العديد من الحالات عن الوفاة”، وأضاف: “إن النساء في أماكن الاحتجاز قد تعرضن للاعتداء الجنسي”، وقد طالبت اللجنة الأمم المتحدة ومجلس الأمن “بحماية الشعب السوري”.

في تموز/ يوليو 2013، قال بينيرو أمام الأمم المتحدة: “إننا لا يمكن أن نستمر في تلاوة سلسلة الانتهاكات والتجاوزات دون تسجيل تأثير يذكر”، وتابع “لا يكفي أن نشعر بالفزع”، وأكد أنه يجب على الدول الأعضاء “التصرف بحزم ووضع حد لأعمال العنف والمذابح”.

أهم ما قاله بينيرو لأعضاء الأمم المتحدة “أنتم والعالم اعتدتم على مستويات من العنف، كان لا يمكن تصورها في السابق، إن غياب اتخاذ إجراءات حاسمة، من المجتمع الدولي ككل، عزز ثقافة الإفلات من العقاب التي تطورت في سورية” وأوضح: “إن أولئك الذين يستمرون في انتهاكات حقوق الإنسان لا يبدو أن لديهم أي خوف من المساءلة في المستقبل”.

التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، علق عليه أيضًا السفير الأميركي السابق لشؤون جرائم الحرب، ستيفن راب، وقال: “الجرائم التي تنفذ في السجون السورية، تنفذها مؤسسات خاضعة لإمرة الرئيس بشار الأسد”.

وفي مقابلة مع شبكة “CNN” قال راب: “فكرة أن 13 ألف شخص شنقوا بعد محاكمة امتدت لدقيقة أو دقيقتين، ما هي إلا جزء من قصة، أعتقد أنها تضم أكثر من 50 ألف سوري عُذبّوا وقُتلوا على يد حكومتهم، بتوجيهات من أعلى المستويات”.

وأضاف: “نوع الأدلة التي بحوزتنا ضخمة، يمكنها أن تقود إلى محاكمة واضحة وصريحة على المستوى الدولي”.

يشار إلى أن تقرير “منظمة العفو الدولية” قال: إن نظام بشار الأسد “أعدم ما بين 5 آلاف و13 ألف مدني، من دون محاكمة، في سجن صيدنايا العسكري قرب دمشق، منذ 2011 وحتى أواخر 2015”.

وكشف أن تلك العمليات كانت تنفذ “مرة أو مرتين في الأسبوع، وتشمل من 20 إلى 50 معتقلًا”، ولفت إلى أن الضحايا “كانوا يُدفنون في مقابر جماعية”.

كما أكد التقرير “أن أوامر الإعدام كانت تصدر من أرفع مسؤولي النظام، ويصادق عليها مفتي سورية، أو وزير الدفاع، أو رئيس الأركان، نيابة عن رئيس النظام بشار الأسد”.

آلاف الوثائق والتقارير أصبحت موجودة بيد أصحاب القرار الدولي، وآلاف الشهادات الحية لأشخاص عاشوا تلك التجربة، وأوضح السوريون للعالم بأكثر من طريقة، أن النظام الذي يحكمهم لم تر البشرية مثيلًا له، وأن الممارسات التي جعلتهم يطلقون ثورتهم، مدعومة بوثائق عن أفعال وانتهاكات، تفوق أي تصور يمكن لخيال أن يصل إليه في ابتكار جريمة.

المؤلم بعد كل هذا، أن العالم الحر ومنظماته المختلفة، يُجبرون الشعب المغلوب على أمره، بل يفرضون على أهالي الضحايا، الجلوس للتفاوض مع قاتل أحبائهم، للبحث في مستقبل بلدهم وإعادة بناء ما انكسر في المجتمع.

والمؤلم أيضًا أنهم يطلبون من القاتل، رأيًا في صوغ دستور البلاد وقوانينها المقبلة، ووجهتها السياسية والأخلاقية.

الخشية أن تمر تلك التقارير كأي مسلسل درامي يحوي مزيدًا من التراجيديا، والعالم ما زال مستمتعًا بالمشاهدة، ولا يريد لمتعته أن تتقطع بتوقف السيناريو والعرض، لينتظر مزيدًا من الدهشة و”الرعب” أو “الاشمئزاز”، الذي يقود إلى استنتاج عبقري مذهل، أن بشار الأسد “لا مستقبل له كقائد للبلاد”، يا لها من نتيجة لدول كبرى! ستجبر السوريين على القول: أيها العالم، أنت شريك السجان والقاتل.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]