ثقافة الهامبرغر والكولا الأميركية


سحبان السواح

بمعنى من المعاني تعني ““الأنكلوفرانكفونية”” كل ما هو ثقافي وجميل، بعكس “الأميركانية” التي تعني كل ما هو بشع وقبيح وغير ثقافي.

كل ما يحيط بنا، بوصفنا مثقفين، كل ما يحدث ويجري، يقول لنا: آن الأوان للعودة إلى الثقافة “الأنكلوفرانكفونية”، والابتعاد عن الثقافة الأميركية الأنانية والمهيمنة والاستعمارية. إذا أردنا البحث في الفوارق بين الثقافتين، نكتشف سلوكيات كثيرة تدعونا إلى مقاطعة الثقافة الأميركية الاستهلاكية التي أفقدتنا روحنا منذ ما يزيد عن خمسين عامًا ببطء، وبتسلل في البداية، إلى أن وصلت إلى فرض نفسها على عقولنا قسرًا، عن طريق إعلامها المتفوق، لقد سكنت أدمغتنا، واحتلت أرواحنا؛ بحيث بتنا غير قادرين على التنفس.

صرنا أجسادًا من دون أرواح، أرواحًا هائمة دون قرار، موتى أحياء، وأحياء موتى، أفقدونا القدرة على تغير مصيرنا، وبات قرارنا منذ جمال عبد الناصر، بطل القومية العربية الأوحد، وصولًا إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي نصب نفسه أمينًا عامًا لهذه القومية التي تحولت إلى لعبة كرتونية لا طائل منها، ثم حذفت القومية العربية، وبقي هو الأوحد الذي نفديه بالروح والدم من دون أن نعرف لماذا، وكيف، وماذا فعل لنا؟ تدنت مستويات معيشتنا، كبر اللصوص حولنا، وصرنا نرى ونسمع بمبالغ من المال لم نكن حتى في الحلم نتصور بأنها موجودة. كل ذلك بدعم مباشر من الثقافة الأميركية.

وعلى الرغم من محاولات الثقافة “الأنكلوفرانكفونية” عرض جمالها، وكل مفاتنها، من شعرها الجميل، إلى ثدييها المشدودين المتماسكين؛ وصولا إلى ساقيها، مقدمة لنا الأمثلة، لكن كل ذلك لم يغونا. فثقافة المال كانت هي الأهم، المال، ثم المال، ثم المال، ثم السلطة، ثم ما يتلو ذلك من أمور كالكتابة والإبداع والسينما والفن التشكيلي، والموسيقا والمسرح. الثقافة “الأنكلوفرانكفونية” لم تعد مقبولة لدينا، على الرغم من قناعتنا الداخلية، والمتوارثة، بأن الثقافة “الأنكلوفرانكفونية”، هي الثقافة الأصيلة، وأن الثقافة الأميركية هي الثقافة المتسلطة التي لا يهمها -أبدًا- غيرها من الثقافات. إنها كوحش أسطوري، أو كوحش قادم من أحد الأفلام الأميركية، يتغذى على دماء الآخرين وأجسادهم وأرواحهم؛ لينمو ويكبر ويسيطر على كل شيء.

لم تكن الثقافة الأميركية لتهتم يومًا بالثقافات الأخرى، ما يعنيها ثقافتها فحسب، وبما أنها لا تملك تلك الثقافة، فإنها تسرقها وتجترها من ثقافات الآخرين وتدعيها لنفسها، دون أي إشارة إلى مصدرها الحقيقي، كل ذلك في محاولة لإيجاد ثقافة خاصة كتلك التي امتلكتها الإمبراطوريات التي سبقتها.

دائمًا، حين يكون هم الإمبراطورية الوحيد هو التوسع، ومزيد من التوسع، لا يمكن أن تولد ثقافة ما، لذلك؛ تشابهت الثقافة الأميركية والثقافة الرومانية القديمة، بينما اختلفت الثقافات الأخرى التي حققت التوازن بين ما هو عسكري واقتصادي، وما هو ثقافي بحت؛ فتأسست فيها جميعًا الفنون وعلت مراكزها، لهذا نجد فنانين ونحاتين وعلماء جمال، وموسيقيين كبار، وموسيقا تغذي الروح في الإمبراطوريات التي ذكرتها، بينما نرى الثقافة الأميركية تعتدي على ثقافات الآخرين، تدمرها، أو تسرقها، في حين نجد أن الثقافة “الأنكلوفرانكفونية” تهتم بها -أي الثقافة- تنميها، محتفية بأصحابها، وتعترف لهم بها. فأينما وُجدت “الأنكلوفرانكفونية” نمت الثقافة، ونما الفن، والإبداع، كالسينما والمسرح والتشكيل، والموسيقا.

إذن؛ هي دعوة لإعادة النظر في مواقعنا، والبحث عن مصدر ثقافي آخر ننتمي إليه، طالما ما عدنا قادرين على أن ننتمي إلى ثقافتنا، وهنا سنجد الثقافة “الأنكلوفرانكفونية” جاهزة، لأنها ما زالت تهتم بنا، بروحنا، بأجسادنا التي تحمل تلك الروح، فيما دمرت الثقافة الأميركية كل شيء.

هي دعوة لمقاطعة البضاعة الأميركية الفاسدة (الثقافة) التي اعتدت على كل مقدساتنا، ففي حين تثور ثائرتنا لأن رسامًا، رسامًا واحدًا فقط، رسم رسومًا معادية لديننا ونبينا، في بلد لم يقدم لنا -شعبًا ودولة- سوى الحب والرغبة في السلام، فنرد بمعاقبة شعبه وحكامه؛ لأنهم لا يؤمنون بقانون الطوارئ، وريثما يعدلون الدستور الذي يمكن أن يعاقبوا فيه الرسام أو الصحيفة، سيأخذ ذلك منهم زمنًا، وقد بادرت فرنسا بتعديل دستورها بناء على ذلك، واعتقد أن الدانمرك ستفعل أيضًا. لهذا أعتقد أن مقاطعة أميركا وثقافتها أكثر فعالية من معاقبة الشعب الدانماركي.

أخيرًا نستطيع القول إن “الأنكلوفرانكفونية” تعني كل ما هو ثقافي وجميل “موزار وفاغنر، شيكسبير وهيغو، فوكو وهايدغر” على سبيل المثال، و”الأميركانية” تعني كل ما هو بشع وقبيح. كالأفلام الأميركية والهامبرغر والكوكا كولا.




المصدر