جاك بركسيان: مقتني العمل الفني يجب أن يفهم «قصته»


افتتح المنسّق الفني الفلسطيني جاك بركسيان البرنامج الشتوي لـ «دار النمر للثقافة والفنون» في بيروت، بمحاضرة عنوانها «الفنان والمقتني والجمهور». ودار النـــــقاش حـــول المسؤوليات المتأتية عن اقتناء الأعمال الفنية، ومفهوم بناء المجموعات الفنية بطرق إبداعية مسؤولة.

وتطرّق بركسيان الذي شغل مناصب مهمة في إنتاج الفن المعاصر والحديث، كان آخرها مدير «المتحف الفلسطيني»، إلى بعض العوامل التي تشكل عائقاً أمام نمو سوق الفن في العالم العربي وتطورها بما يحقق الفائدة لجميع أطرافها، وشدد على أهمية بناء سلسلة من مجموعات الدعم والتسويق والتقييم والعلاقات العامة وأمكنة عرض الأعمال وبيعها وأمكنة التقاء الفنان والمقتني… تبدأ بالفنان ولا تنتهي عند حدود الناقد والمجلات المتخصصة والصحف وصاحب الغاليري والدولة التي عليها إصدار قوانين وأنظمة تحمي الفنان وتسانده وتضمن حقوقه الفكرية وتسهّل له عمليات العرض والبيع والمشاركة في محافل دولية للفن، إضافة إلى دور المؤسسات الخاصة والمبادرات التي تشجّع الفنانين، خصوصاً الشباب، وتجمعهم وتعرض أعمالهم في الداخل والخارج. هذه العناصر كلها تساهم في تنمية السوق الفنية العربية التي لا تزال صغيرة وعشوائية مقارنة بالسوق الفنية في الغرب.

ويرى بركسيان أن عدد مقتني الفن من أجل الفن في المنطقة قلّة، وقلما تُقتنى الأعمال الفنية وفقاً لرؤية أو قرارات واعية مدروسة. ولاحظ أنه بينما تقل الجرأة لاقتناء الأعمال الفنية المعاصرة لفنانين شبان، تبقى الأعمال الكلاسيكية هي الهدف الأول للمقتنين، فيما تسير الأسعار في خطوط متعرجة غير مدروسة، بحسب بركسيان، مؤسّس أول غاليري للفنون التشكيلية في القدس. أما الحوار بين الفنان والمقتني فيكاد يكون معدوماً، وبشكل عام لا تُعرض المجموعات الفنية أمام الجمهور إلا في ما ندر من الحالات. وهنا يصرّ بركسيان على أن المقتني يجب أن يفهم جيداً مدرسة هذا الفنان الذي يريد اقتناء عمله، وخلفية هذا العمل وحكايته، وكيف ولماذا وأين أنتج الفنان العمل، وفي أي ظروف. وذلك لأن «هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق المقتني بمجرد شرائه قطعة جديدة». فكل عمل، سواء منحوتة أو لوحة أو فيديو أو تجهيز، له قصة وحياة وروح ويجب أن تُنقل هذه القصة مع العمل إذا أراد المقتني بيعها أو إهداءها لأحد أو وهبها لمعرض ما.

كما تحدث بركسيان عن أهمية ترميم القطع ضمن المجموعة وصيانتها المستمرة والحفاظ عليها بتخزينها بطرق سليمة.

من يتجول في المعارض التشكيلية الكبرى في العالم العربي، يلاحظ بوضوح عدم تقدير أعمال الشباب الناشئين لناحية شراء أعمالهم أو لناحية تسعيرها. وهنا يوضح بركسيان أن «اقتناء أعمال فنانين ناشئين يجب ألا يرتبط بجني الأرباح، بل يجب النظر إليه من زاوية رؤية المقتني لنفسه كراعٍ للفن ومساهم فاعل في تطويره». ويضيف: «الاقتناء في مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية هو أمر مثير للمخاوف بسبب ما تعرضت له الأعمال الفنية المقتناة من كوارث أدت إلى ضياع كثير منها وتلفه». وهنا أعطى أمثلة عن معارض مهمة جداً لفنانين فلسطينيين مرموقين استضافتها غاليريات ومؤسسات ثقافية عريقة في مدن عربية وأوروبية، مثل فرنسا ولندن وبيروت وعمّان وإيطاليا والكويت، لا أحد يذكرها أو يعرف عنها شيئاً باستثناء الفنانين أنفسهم. إلا أن هؤلاء يشكون من عدم توثيق أعمالهم وعدم استرجاعها بعد أن تشارك في المعارض، إذ عادة ما يكون هناك تمويل لشحن الأعمال فيما لا يخصّص أي فلس لإعادتها الى أصحابها… وذكر كيف ضاعت أعمال وسُرقت أخرى أو احترقت في الحرب، بسبب عدم حمايتها والاحتفاظ بها أو التأمين عليها، من جانب الفنانين والمؤسسات الرسمية والخاصة.

وشدّد بركسيان على أنه لا يكفي الاعتماد على المعلومات القليلة المتوافرة في المعارض لدى اقتناء قطع فنية، بل يجب التقاء الفنان والتحدّث معه وهذا أمر أساسي، إذ إن غياب الحوار ما بين المقتني والفنان يجرد القطعة الفنية المقتناة من معناها ومن المعنى التي تكتسبه ضمن السياق الذي أُنتجت فيه.

يذكر أن البرنامج الشتوي في «دار النمر» يتواصل الخميس المقبل 16 شباط (فبراير) مع المغني إيلي رزق الله وعازف البيانو جون فيّاض في حفلة بعنوان «وهابيات». أما الإثنين 27 منه، فيتحدّث الكاتب الفلسطيني والسياسي صلاح صلاح في حوار بعنوان «من ضفاف البحيرة إلى رحاب الثورة»، ويقدم فيه صلاح صلاح كتابه الجديد في حوار مع الكاتب خالد فرّاج. ويتطرق الكتاب إلى تاريخ شخصي طويل في الحركة التحررية الفلسطينية ومرحلة مهمة من تاريخ القضية الفلسطينية، بنجاحاتها وإخفاقاتها، بهزائمها وانتصاراتها، والدروس التي يمكن أن يستفيد منها الجيل الجديد في مواصلة المعركة مع العدو بوسائل مستحدثة.

وسيكون جمهور الموسيقى الحرّة الارتجالية على موعد مع فرقة «كوينتيت دونا خليفة»، لتقديم مشروعها الذي يغزل الموسيقى المكتوبة بالموسيقى الحرة الارتجالية في خيط متناسق يتفاعل مع تجارب شخصية للموسيقيين. وهو يجمع فنانين من لبنان وفرنسا معاً، وجاء نتيجة لعدد من اللقاءات الموسيقية والإنسانية والأبحاث الموسيقية المستمرّة. وتقدّم الفرقة خلال الحفلة ألبومها الجديد «هيفي دانس».



صدى الشام