هل سياسة ترامب حمقاء أم راديكالية؟ إنها كليهما


أحمد عيشة

قال مستشار الأمن القومي، مايك فلين، في مؤتمر صحافي عُقد الأربعاء 1 شباط/ فبراير: إنه “يعطي لإيران رسميًا آخر مهلة”. نيكولاس كام/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور غيتي

شرع الرئيس ترامب، بعد أسبوعين -فقط- من شغله منصبه، في سياسةٍ خارجية تغطي حرفيًا جميع المجالات: إهانة رئيس الوزراء الأسترالي، والتهديد باندلاع حربٍ تجارية مع المكسيك، وفرض حظرٍ على اللاجئين؛ ما أثار إدانةً عالمية.

من المألوف توقع العثرات من الإدارات الجديدة عادة، غير أن عدد العثرات وطبيعتها هذه المرّة، تركت المحللين يتساءلون عما إذا كانت تمثّل تنافرًا شديدًا، وعدم كفايةٍ من جانب الإدارة الأميركية، أم إنها الخطوات الأولى في تنفيذ رؤية السياسة الخارجية الجديدة، الراديكالية والخطرة. وكان الجواب؛ إذا كان لتطور مجلس الأمن القومي، في عهد السيد ترامب، أّي أمارة، فإنها قد تكون كلتيهما [الراديكالية والخطورة].

وعلى الصعيد الوظيفي، فقد كانت الإشارة الأكثرَ إثارةً للقلق؛ حتى الأسبوع الماضي، هي تعيين السيد ترامب لـ مايكل فلين مستشارًا للأمن القومي، وهو جنرالٌ متقاعد.

وكان لدى مؤسسة السياسة الخارجية نقطتان رئيستان ضد السيد فلين:

الأولى، كان يُنظر إليه بوصفه مديرًا غيرَ مؤهلٍ ومتعجرفًا؛ طُرد عام 2014 من منصبه مديرًا لوكالة استخبارات الدفاع؛ بسبب ما يسمى “حقائق فلين”، مثلُ الفكرة التي استحوذت عليه، أنَّ إيران متورطةٌ في هجمات 2012 على القنصلية الأميركية في بنغازي- ليبيا، ولم تتوافق مع تقييمات وكالة استخباراته التي يشرف عليها بنفسه.

الثانية، أن فلين يحمل وجهاتِ نظرٍ سياسية متطرفةً وحمقاءَ، فيعتقد أنَّ على الولايات المتحدة الدخول في حرٍب متعددة الجبهات على الإرهاب، وأنْ تدعم المتشددين المناهضين للإسلاميين، مثل مصر، وأن تُخفض العلاقات مع الشركاء في مكافحة الإرهاب، مثل المملكة العربية السعودية، وأن تُفشِل الإسلاميين الذين يَفترض أنّهم سيفرضون الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة، مستغلين الحريات الدينية الأميركية.

لقد بدا الأمر، لبعض الوقت، كما لو أن السيد فلين كان مسؤولًا في الواقع، قبل أن تتكشف اتجاهات السياسة الخارجية للسيد ترامب، خصوصًا رفضه الواضح للسياسة طويلة الأمد: “صين واحدة“، والتودد المشكوك فيه إلى روسيا، بعدّها شريكًا في مكافحة الإرهاب، وعليه؛ فقد ظهرت مقاربة مستشار الأمن القومي مُهملةً للشؤون الاستراتيجية.

وخلال الأسبوع الماضي، اتخذت الأمور منعطفًا نحو الأسوأ، إذ سرتْ شائعاتٌ تفيدُ بأنَّ السيد ترامب، مثل باراك أوباما من قبله، قد تعبَ بالفعل من عجرفة السيد فلين، وربما لمواجهة الجنرال، رقّى الرئيس ترامب ستيفن بانون، وهو مستشاره السياسي المقرّب، إلى مشرفٍ شامل على “لجنة المبادئ” في مجلس الأمن القومي، وعمل تلك اللجنة صنع السياسات الرئيسة. إن للسيد فلين حياة مهنية طويلة في الشؤون العسكرية والخارجية على الأقل، بينما مؤهلات السياسة الخارجية للسيد بانون، وهو أيديولوجي اليمين البديل الذي كان يرأس موقع بريتبارت الإخباري، تلائم موظفًا صغيرًا في سلاح البحرية التي تركها عام 1983.

سيكون الأمر سيئًا جدًا إذا أقدم السيد ترامب على ذلك التعيين ليقدّم -فحسب- مُعلمًا أو زعيمًا سياسيًّا لكبح جماح مستشارٍ سياسي (مهما حدث فــ “أنت مطرود”)؛ فهو -في الوقت نفسه- قد خفض مكانة المقعد الدائم -عادةً- لرئيس هيئة الأركان المشتركة، من المستشار العسكري الأول للرئيس، إلى مشاركٍ استنسابي فحسب.

وبعبارةٍ أخرى، قد يكون السيد بانون -حاليًا- مستشارًا مشاركًا للأمن القومي، بحكم الأمر الواقع، مؤكدًا أنَّ السيد ترامب يُخطط لربط عملية صنع القرار في مجلس الأمن القومي ربطًا وثيقًا مع أيديولوجية سياسية أكثر منها معنى استراتيجيًا وجدوى تشغيليةً، وهو السبب في أننا يمكن أن نبحث عن سياسة خارجية أكثر راديكاليةً، وأكثر حماقةً، من أيّ شخص متوقع من السيد ترامب، حتى قبل أسبوعين.

ويرى بعض العلماء، من أمثال صموئيل هنتنغتون، إلى إليوت كوهين؛ مرورًا بـ ه. ر. ماكماستر، أنّ السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على توازنٍ حكيم بين المدخلات العسكرية والسلطة المدنية، مع بقاء النفوذ السياسي عند حده الأدنى؛ فهنتنغتون، في “الجندي والدولة“، أيدَّ وجوب أن يعدَّ القادة المدنيون استراتيجيةً، شرط أنْ تقرَّ للجيش في المسائل العملياتية. أما دراسة الجنرال ماكماستر الكلاسيكية عن حرب فيتنام، (تجاهل الواجب)، فتُظهر ما يحدث عندما يختلّ هذا التوازن مبتعدًا عن الجيش.

لا يُقدّم مجلس الأمن القومي المشورة للرئيس فحسب؛ وإنما ينسق بين وزارتي الخارجية والدفاع ووكالاتٍ أخريات أيضًا، ومن المفترض فيه أنْ يحافظ على هذا التوازن، إذ يتطلب القيام بذلك انفتاحًا بين الزملاء، وبين مُدخلات مجموعة واسعة من وجهات النظر والآراء. إن وظيفة مستشار الأمن القومي هي أنْ يعدَّ وينسق جدول أعمال السياسة الخارجية بالتشاور مع الرئيس، ويستخلص مدخلات الوكالات الرئيسة من خلال المداولات بين الوكالات المختلفة، ويعطي تلك الوكالات مهمة تنفيذ السياسة التي يجري الاتفاق عليها، ومن غير المرجح أن يكون السيد بانون أو السيد فلين من سيعزّز هذا النوع من التوعية المتوقعة.

لقد فَهِمَ الاثنان العالم من خلال عدسة الإسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام) التي لا تسامح أيّ معارضة، وجندت -في المقابل- التوابع العاملين تجنيدًا مذلًا. سيكون ميلهم أن يصنعوا السياسة وفقًا لمحرمات/إشارات لغوية شوفينية، وأن يحوّلوا المجلس إلى نوعٍ من غرفة أيديولوجية، تصدر المراسيم، وتتركها للجهات التنفيذية كي تنفذها، وعلى رأسها وزارة الخارجية، وفروع خدمات، وهيئات تطبيق القانون التي تُستشار استشارة غير كافية حول جدوى مسارٍ معين من مسارات العمل.

كانت هذه الموهبة حاضرة عندما صدر الأمر التنفيذي الذي منع المسلمين، بناءً على وعدٍ متهور، وبلا جدوى، في الحملة الانتخابية، وبات فاعلًا من غير أن تدققه وزارة الخارجية، أو الدفاع أو الأمن الداخلي.

أخطاءٌ كبيرة أخرى سيكون من الصعب عكسها، يُمكن أن تكون في الأفق، فقد طلب السيد ترامب المساعدة السعودية والإماراتية؛ من أجل إقامة “مناطق آمنة” في سورية، لكن وزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، لطالما عارضتا هذه التدابير؛ إذ تعدانها غير عملية وغير مستقرة، فهي -على الأرجح- باهظةُ التكاليف، وتتطلب مناطق حظر الطيران، كما يمكن أن تستدعي أعمالًا حربية فاعلة، مثل تدمير قواعد الدفاعات الجوية السورية التي تحتاج إلى نشر من 15،000 إلى 30،000 جندي، وتنطوي على تعريض الطائرات الأميركية لنيران الخصوم، بما في ذلك روسيا.

هل أعلم السيد بانون، والسيد فلين، الجنرال جوزيف دانفورد الابن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، عن تلك الخطط، عارفَين أنَّه -من المحتمل- لن يوافق عليها؟

لا يزال هناك بعض الأمل في أنَّ وزير الدفاع، جيم ماتيس، سيكون بمنزلة بيضة القبان، فقد انتقد السيد ماتيس عددًا من الأفكار التي تبناها السيد ترامب وبطانته، بعد أن أقنع الرئيس بعدم إعادة التعذيب، واكتسب زخمًا في صوغ موقفٍ للإدارة أكثر صرامةً تجاه روسيا في أوكرانيا، ودعم حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين، ورتب مقاربةً تجاه إيران.

ولربما أنَّ السيد بانون، وربما السيد فلين أيضًا، قد أقنعا الرئيس بوجهة نظريهما، لكن عند السيد ماتيس الأصول الوازنة، وبوصفه وزيرًا للدفاع، فهو المسؤول الرئيس والمتحكم المباشر بموارد البلاد العسكرية التي تتيح له نفوذًا كبيرًا في عملية مشتركة بين الوكالات، فضلًا عن أن علاقاتٍ وثيقةً تربطه بالكونغرس، وكونه جنرالًا سابقًا في المشاة البحرية، وقائد القيادة المركزية؛ فإن تقديراته العسكرية عرضةً لأن تكون أكثر توافقًا مع تقديرات الجنرال دانفورد؛ ما يخلق تحالفًا قويًّا في الإدارة.

يمكن أن يربح السيد ماتيس -أيضًا- المعركة التي تلوح في الأفق، ففي الاجتماعات، على مستشار الأمن القومي أن يحشد قدرًا من التوافق على بنود عمل مجلس الأمن. السيد بانون، والسيد فلين لهما المنبع الأيديولوجي نفسه، حقائق فلين والأخبار الوهمية؛ بينما يمكن للسيد ماتيس أن يستثير بثقةٍ القدرات، وتقييم الأخطار، والمقايضات العالمية والإقليمية والنتائج التشغيلية.

قد لا يستغرق الكونغرس ومسؤولون آخرون وقتًا طويلا ليدعموا دعمًا حاسمًا السيد ماتيس، ضدَّ السيد بانون المطرود، أو السيد فلين غريب الأطوار الذي تقاومه -بشدة- كلٍ من وزارتي الدفاع والخارجية وأجهزة الاستخبارات.

والسؤال عما إذا كان هذا سيكون كافيًا؛ فمستشار الأمن القومي غير الموثوق، ولا يحظى بشعبية، يمكن طرده بسرعة عادةً، ولكنَّ السيد ترامب يمكن أن يلتف على واحدٍ أو على كلا الموالين، ولأنّ كليهما قد عمل مع موظفي مجلس الأمن القومي، وشاهد البرنامج التلفزيوني (المبتدئ)، فأرجح أن السيد ترامب سيتخلص -في نهاية المطاف- من المسؤولية، طالما يمكنه حفظ ماء وجهه، وحتى ذلك الحين، فإنَّه لا يزال عنيدًا حدّ التهور؛ بحيث أنَّ أيّ أملٍ لسياسة خارجية سليمة، قد تنبني على المعارضة البيروقراطية الأمنية القومية الأوسع لرئيسها ومستشاريه المقربين.

اسم المقالة الأصليIs Trump’s Foreign Policy Inept, or Radical? It’s Both
الكاتبجوناثان ستيفنسون، Jonathan Stevenson
مكان النشر وتاريخهنيويورك تايمز، The New York Times، 3/2/2017
رابط المقالةhttps://www.nytimes.com/2017/02/03/opinion/sunday/is-trumps-foreign-policy-inept-or-radical-its-both.html?ref=opinion&_r=0
ترجمةأحمد عيشة



المصدر