واقع مرعب… مسلخ الأسد يفوق الوصف


أحمد عيشة

وفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإنَّ سجن صيدنايا مركز للإبادة؛ حيث المجاعة والتعذيب هما المقدمة لعمليات الشنق الجماعي، بمعدلٍ يصل إلى 50 معتقلًا في كل مرة.

سجن صيدنايا، يشبه فيلم رعب قاتم وطاحن – سلسلة من الأعمال الفاسدة التي تفوق الوصف. تصوير: منظمة العفو

إنْ كنت تعتقد أن لا شيء يمكن أن يصدمك الآن فيما يتعلق بالصراع الكارثي في ​​سورية، بعد عمليات القصف والحصار الوحشي والهجمات البربرية بالأسلحة الكيماوية، فأنت واهم.

عن طريق بعض السجناء الذين احتجزوا هناك، وأُفرج عنهم، ومن الحراس السابقين، عرفت منظمة العفو الدولية عما يصفونه بـ “برنامج إبادةٍ” ممنهج يحدث في واحدٍ من سجون بشار الأسد العسكرية (سجن صيدنايا) في دمشق. أخبر هؤلاء منظمة العفو أنَّ الآلاف من المدنيين المصنفين معارضين للنظام يُجوّعون تجويعًا منهجيًا ومنتظمًا، ويُذلّون لدرجة التجريد من أدميتهم تجريدًا متعمدًا، ويُعذبون بلا رحمةٍ، وأخيرًا، يُشنقون في أقصى درجات السرية في جوف الليل، بمعدل يتراوح بين 20 و50 معتقلًا في كل مرة، كما وصف الشهود عمليات الإعدام والأوضاع في السجن، قبل كانون الأول/ديسمبر 2015، بأنها مستمرة.

يبدو الأمر وكأنَّه من فيلم رعبٍ قاتمٍ قتامة طاحنة، سلسلةٌ بشعة من أعمالٍ فاسدة تفوق الوصف، كنت أتمنى ألا يكون حقيقيًا، ولكني جلست وتحدثت مع أحد الناجين من سجن صيدنايا، وعرفت أنَّ كلَّ شيء كان واقعًا مروعًا.

لقد جمعت منظمة العفو شهاداتٍ من 31 معتقلًا سابقًا في سجن صيدنايا، إضافة إلى شهاداتٍ من الحراس السابقين، وبعمليةٍ حسابية عرفنا أنّه ما بين 5،000 إلى 13،000 شخصًا قد شُنقوا في سجن صيدنايا منذ بدء الانتفاضة ضد الأسد، وربما أكثر من ذلك بكثير.

وصفت الشهادات أن كثيرًا من الوفيات وقعت نتيجة عمليات التعذيب السادية، والتجويع والمرض، وقال الشهود إنَّ الطعام والماء يُقطعان قطعًا منتظمًا عن السجناء في صيدنايا، وعندما يُسَلّم الطعام، فإنَّه في كثيرٍ من الأحيان يكون ملطخًا/مغمسًا بالدم، وبأوساخٍ وعوالق من أرضية الزنزانة.

للسجن أيضًا مجموعته من “القواعد الخاصة”، فلا يُسمح للسجناء بإصدار أيّ صوت، ولا بالتحدث أو حتى بالهمس، حتى عندما يتعرضون للضرب بوحشية، كما يُجبرون على أخذ وضعياتٍ معينة عندما يأتي الحراس إلى الزنازين، ومجرّد النظر إلى الحراس يعاقب عليه بالموت.

وروى أحد المعتقلين السابقين عن تفاصيل عمليات الضرب المرعبة التي لا يمكن تحملها لهؤلاء الذين على وشك أن يُعدموا: “كنا نسمع صوتًا هائلًا، من العاشرة ليلًا حتى الساعة الثانية عشرة، أو من الحادية عشرة ليلًا حتى الواحدة صباحًا، كنا نسمع الصراخ والصياح يأتيان من تحتنا … وهذه نقطةٌ مهمة جدًا. إذا بقيت صامتًا، سيكون نصيبك من الضرب أقل في سجن صيدنايا، ولكن هؤلاء الناس كانوا يصرخون وكأنهم قد فقدوا عقولهم … لم يكن صوتًا طبيعيًا- لم يكن عاديًا. يبدو الأمر كما لو أنهم يُسلخون وهم أحياء.”

معتقل من صيدنايا: قبل وبعد الاعتقال. تصوير: منظمة العفو

أما بالنسبة لعمليات الشنق ذاتها، فقد وصف الشهود كيف تُنفذ في مكانٍ من الطابق السفلي يسمى المبنى الأبيض. بعد ساعاتٍ من الضرب، تؤخذ مجموعاتٌ من المعتقلين تصل إلى 50 رجلًا، وهم معصوبو العينين سويةً إلى موقع الإعدام، بواسطة شاحناتِ نقلٍ بيضاء (يسميها سجناء آخرون: “ثلاجات اللحوم”)، ويوقفون على منصةٍ ترتفع بمقدار مترٍ عن الأرض، ويُوضع حبل المشنقة حول رقابهم، ويقذفون إلى موتهم.

لا تُسبب كلَّ عمليات الشنق موتًا مباشرًا، فبعض الرجال خفيفي الوزن يبقون أحياءً لعدة دقائق بعد الشنق، حيث يقوم اثنان من الحراس-وظيفتهم سحب أجساد من لا زالوا أحياء- حتى تتكسر عظام رقابهم.

أحد المعتقلين السابقين، حميد (وهذا ليس اسمه الحقيقي)، قال لي كيف كان يسمع أصوات المشنوقين، بينما هو وغيره من السجناء نيامٌ على الأرضية في الغرف فوقهم: “كان هناك صوت لشيء ما يُسحب كقطعة من الخشب، أنا لست متأكدًا، وبعدئذ كنت أسمع صوتَ أحدهم وهو يختنق … إذا وضعت أذنيك على الأرض، يمكنك أن تسمع صوت الغرغرة-صوت خروج الروح- حيث يمكن أنْ يستمر هذا حوالي عشر دقائق … كنا ننام على أصوات الناس وهم يختنقون حتى الموت. صار هذا طبيعيًا لي بعد ذلك “.

هؤلاء الذين يقتلون بهذه الطريقة القاسية التي لا تُصدّق، هم الذين حُكم عليهم بالإعدام قبل بضع دقائق من شنقهم فحسب، أولًا يؤخذون من سجن صيدنايا إلى “محكمةٍ ميدانية عسكرية” في مقر الشرطة العسكرية في حي القابون في دمشق، وهناك يرمونهم إلى محاكمةٍ هزلية لا تدوم أكثر من ثلاث دقائق، إذ لا محامي، ولا شهود، وهم معصوبو العينين طوال العملية برمتها، فالحكم بالإدانة محددٌ سلفًا، وهو الحكم بالإعدام، ثم يعيدونهم إلى سجن صيدنايا، حيث مزيدًا من التعذيب المروع، والموت الذليل.

“بعد ساعات من عمليات التعذيب، تؤخذ مجموعات تصل إلى 50 رجلا معصوبي العينين إلى موقع الإعدام” تصوير: منظمة العفو

يقول تقرير منظمة العفو: إنّ هذه الأعمال غير الإنسانية أبدًا تشكل سياسةَ إبادةٍ، وفق ما هي معرفةٌ في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: إنَّ “تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، يُعدّ سببًا في هلاك جزءٍ من السكان”.

لقد جمعت منظمة العفو شهاداتٍ عيانيةٍ؛ إذ تعتقد -بناءً عليها- أنَّ عمليات الشنق الجماعية في صيدنايا كانت بإذنٍ من المسؤولين على أعلى المستويات في الحكومة السورية، وإضافة إلى أسماء لوحة “الإعدام”، فإن منظمة العفو قد أحالت المعلومات حول الجناة المزعومين إلى هيئات التحقيق الدولية ذات الصلة.

قال لي أحد السجناء السابقين عن صيدنايا: مثل جحيم حديثٍ على نموذج جحيم دانتي، فيه مستوياتٍ من الوحشية الممنهجة. “في كلّ مرحلةٍ تصلها، تكتشف أنَّ المرحلة السابقة كانت حقيقةً أفضل، وتبدأ بالقلق والتحسب بشأن المرحلة المقبلة”.

أيُّ شيءٍ بعد سنكتشفه عن جحيم سورية الأسد؟

اسم المقالة الأصليAssad’s slaughterhouse defies description, but it’s horrifyingly real
الكاتبكيت آلن، Kate Allen
مكان النشر وتاريخهالغارديان، The guardian، 07/02/2017
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2017/feb/07/saydnaya-prison-assad-slaugterhouse-amnesty-report-torture-mass-hangings
ترجمةأحمد عيشة



المصدر