أكراد سورية بين نزعة الانفصال والحقائق .. أدلّة تاريخية



أحمد الراجح

حسب خريطة “ابن حوقل”- الجغرافي السوري من مدينة نصيبين شمال سورية- والتي نشرها في القرن العاشر الميلادي في كتابه “صورة الأرض” والتي حُققت في القرن الثاني عشر الميلادي، فإن مصايف الأكراد ومشاتيهم تقع كلها في إيران اليوم ما بين طهران وهمدان شرقاً، وزنجان وحلوان غرباً، ولا وجود لهم في سورية قبل القرن السابع عشر الميلادي(1623م)، وقد اضطروا للهجرة من الهضبة الإيرانية إلى بعض البلدان ومنها سورية بين أعوام 1508-1623م هرباً من الصفويين، أما تسمية “كردستان” فهي حديثة أطلقها الغربيون في مطلع القرن العشرين ..

وتشير الدراسات إلى أن الأكراد كُرِدوا من أراضيهم الأصلية(أي أُبعدوا) لأسباب اجتماعية أو دينية أو عسكرية، أما كلمة “كردي” -وجمعها “كُرد” و”أكراد”- فهي كلمة عربيّة من فعل [كَرَدَ] أي: أبعد، طرد، هَجَّرَ، وفي شمال غرب سورية هناك جبل، يسمّى جبل الأكراد كان يلجأ إليه المبعدون المكرودون العرب، وجبل الأكراد هذا ليس فيه كردي واحد حسب مفهوم ودلالة الإسم اليوم ..

وتعد اللّهجات الكرديّة والمصنّفة عالمياً باللّغات الإيرانيّة أقرب إلى اللّغة الأفغانيّة (البشتو Pashto)، أما كلمة كردي فقد بدأت في القرن الماضي وحتى اليوم تأخذ تصريفات جديدة لأغراض سياسية واجتماعية تتماشى مع القضية الكردية مثل: كورداندين (Kurdandin) أي تكريد، وكورديتي (Kurdîtî) أي الاشتغال بالشؤون الكردية، وكورد بيرڤيري (Kurdperwerî) أي الوطنية الكردية.

على أن المتتبّع لتاريخ الأكراد والثورات المتلاحقة التي قاموا بها يجد حركة قومية تسير في تخبّط، فثمة ضياع يعاني منه بعض الأكراد مفاده ضياع جذورهم، بل عدم معرفتهم لها بشكل صحيح مقنع .. وبشكل مستمر يجد بعض الأكراد لهم جذوراً وعروقاً تختلف عن سابقها، فتارةً يدّعون بأنّهم ميديون، وتارةً أخرى حثيون، وتارةً أخرى حوريون، أما الحوريون -وهم جزء من مكونات الهوية التاريخية للشعب السوري- فشعبٌ شرقي قديم مذكور في الوثائق السومرية منذ أواخر الألف الثالث ق.م، كان يقطن المناطق الجبلية الواقعة إلى الشرق والشمال من بلاد الرافدين، وفي منتصف الألف الثاني ق.م أسس الحوريون امبراطورية واسعة عرفت باسم امبراطورية حوري ميتاني، وقد امتدت هذه الامبراطورية ما بين زاغروس والمتوسط، ومن بحيرة فان في أرمينيا حتى آشور، وفي الشمال حتى بلاد “إشووا” و”ألشي” شمال دجلة .. والتاريخ الحوري “إلى الآن هو في معلوماته ضبابي”، وذلك بسبب الخلط بين الحوريين و”الميتانيين”، واختلاف الآراء حول انحدار الحوريين من أصول هندوأوروبية أو عربية عمورية .. ولكن بعد دراسة آثارهم اللغوية، تبيّن أنهم كتبوا بالأكادية -كإحدى اللهجات العربيات القديمات- أما أسماء الأعلام الخاصة بهم فهي عربية بدليل وجود تفاسير لهذه الأسماء في اللهجات العربيات ..

ولا تخلو مسألة الحوريين من توظيف سياسي لدى ادعاء البعض أنهم أكراد وأن كلمة “حوري” تعني “كردي” بالرغم من استحالة عمليات الإبدال والقلب المكاني في كلمة “حوري” لتصبح كلمة “كردي”، بالإضافة إلى عدم وجود حرف (صوت) الدال في كلمة “حوري” .. ولكن ربما وجدت مزاعم الباحث الأميركي جورجيو بوتشيلاتي من خلال تنقيباته في موقع تل موزان (أوركيش القديمة) بالحسكة، أصداء لها لدى البعض حين ادعى “بوتشيلاتي” أن “أوركيش” حورية/هندوأوروبية، رغم أن كتابتها المسمارية أكادية اللغة، ورغم أن اسم “أوركيش” هو أكادي صريح ..

أصول أسماء بعض المدن والقرى السورية التي يقطن فيها أكراد وافدون:

تشير دراسة أسماء المدن والقرى الرئيسية التي يقطنها أكراد وافدون إلى سورية إلى أنه لا يوجد أي أصل كردي لغوي لها حسب الأمثلة التالية:

عامودا: تعني العامود. اسمٌ عربيٌّ آرامي يعني العامود، حيث الألف الأخيرة هي أداة التعريف الآرامية مثل الحارسة = حرستا، القرحة = قرحتا

عفرين: في محافظة حلب، اللاّحقة [ين] هي أداة جمع بحالة النّكرة في الآرامية (قنّسرين وتعني قن النسور، جسرين وتعني الجسور ..) ومنطقة عفرين ذات غبار إنْ لم تُزرع بالأشجار والخضراوات، فهي صيغة آرامية وعربية (عفر، تعفّر من الغبار، وعلى سبيل المثال فقرية “يعفور” كانت معروفة بالغبار الذي يجتاحها بعمل الدوّامات الهوائية فيها.) وهذا خلاف ما يقال اليوم إنّ عفرين هي بلدة حديثة كردية، بل هي بلدة سورية آرامية، وهناك تل في فلسطين يسمّى تل عفرين أيضاً وهو بجوار قفّين في قضاء نابلس، وهناك عفرون في فلسطين أيضاً، و”تلّعفر” في العراق.

قامشلي: اسم عربي طبيعي[قمش] تعني [جمع]. أمّا اللاحقة [لي] فهي ليست تركية كما يدّعي البعض بل هي عربية ظنّ بعض الأكراد أنّ قلب الياء إلى واو في قامشلي = قامشلو، فستصبح بهذه اللاحقة (الواو) كردية. لكنّ هذه اللاحقة (الواو) هي آشورية- سريانية تأثّر بها الأكراد حين وفادتهم من قبل السريان.

عين العرب: كلمة عين موجودة في كافة اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية. والعين من فعل (عان)، وسميت عين الماء عيناً لأنّها تعين الإنسان على الحياة، أمّا كلمة عرب فهي تعني بالآرامية ماء وكل ما يخص الماء وفي العربية نجد: بئرٌ عروب = بئرٌ كثيرٌ ماؤه، وادي عربة = وادي الماء، إمرأة عروب = متودّدة لزوجها كالماء الصافي، أمّا في الآرامية- والعربية-: فالعرّاب هو المسؤول عن تعميد الطفل في الماء، وفي الأوغاريتية: فقد سمّي الإله حدد: إله البرق والرعد والأمطار بـ “راكب عربة” أي راكب الغيمة التي تحمل الماء. وفي الأكادية عربتو تعني الجو الغائم حامل الماء. والعربي من أقام عند مظانّ المياه. وهناك فرق بين العربي المقيم عند مظانّ المياه المدني، وبين الأعراب الذين يذهبون إلى مظانّ المياه.

إذاَ فكلمة عين عرب تعني عين الماء. وفي لبنان قرية كنعانية تسمّى عرب صاليم أي: ماء الأصنام. وشمال دمشق هناك معربا، فيها ينابيع تكفي لزراعتها.

وقد حوّل البعض كلمة عين عرب إلى كوباني، وأصلها أنّ هناك شركة إنكليزية “كومباني” company كانت تعمل هناك لتمديد السكّة الحديدية في القرن الماضي فأطلق بعض الأكراد اسم كوباني اشتقاقاً من كومباني، ودرج هذا الاسم على أنه كردي!

ديريك: اسم بلدة في شمال شرق سورية غيّروا اسمها إلى المالكية نسبةً للقائم مقام بهجت المالكي، حيث ظنّوا أنّ هذا الاسم [ديريك] ليس عربياً، علماً أنه تصغير لـ(درك)، وهي كلمة وردت في النقوش الكنعانية وتعني: الأرض المنخفضة (الدرك الأسفل) و”ديريك” -المالكية- تقع على جرف (درك سفلي) إلى نهر دجلة .. ومع اسم ديريك نجد أسماء: دريكيش، ودركوش، وهو اسمٌ عربيٌّ عموري/كنعاني.

وختاماً فاندماج الأكراد في الأرض السورية يغلب فكرة استقلالهم في جزء منها، واحتفاظهم بتقاليدهم الحقيقية يضيف إلى التنوّع السوري ميزة فريدة ..

_____________________

مراجع الدراسة:

اعتمدت هذه الدراسة على كتاب الدكتور محمد بهجت قبيسي: “الأكراد والنبي”،ط1، دمشق 2014 وأيضا

-قبيسي محمد بهجت، “ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية”، دمشق، دار شمأل، 1999، ص 391-394.

-حتي فيليب:”تاريخ سورية ولبنان وفلسطين”ج1، بيروت 1958.

-فرزات محمد حرب، مرعي عيد: دول وحضارات في الشرق العربي القديم، دمشق 1994

– باقر طه: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1، بغداد 1973

– مرعي عيد: آثار الوطن العربي القديم (الجزيرة العربية وبلاد الرافدين)، جامعة دمشق، 2009

–مرعي عيد: تاريخ بلاد الرافدين،ط1، دمشق 1991

– ريمشنايدر.مارغريت: “أورارتو”،مملكة أرمنية قديمة في أحضان آرارات، ترجمة محمد وحيد خياطة، مكتبة سومر،حلب 1993




المصدر