ما بين تدمر وصيدنايا.. عقود من انتهاكات حقوق الإنسان بسوريا والنظام يغطيها بقشور قانونية


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

قامت منظمات حقوقية عدة بإصدار تقارير بيّنت تردي حالة حقوق الإنسان في سوريا، وذلك منذ تولي نظام الأسد السلطة في البلاد قبل عقود.

وبالنسبة لمنظمة العفو الدولية فقد قامت بتوثيق مجموعة كبيرة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في سوريا منذ مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، كما نظمت حملات ضد تلك الانتهاكات لحشد الرأي العالمي والضغط على نظام الأسد الأب ومن بعده الابن للتوقف عن تلك الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.

ما بين تدمر وصيدنايا

وفي سبتمبر/أيلول 2001 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً حمل عنوان "تعذيب ويأس وتجريد من الإنسانية في سجن تدمر العسكري" تناولت فيه المنظمة الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب ضد السجناء فيه.

سجن تدمر العسكري الذي بني كثكنة عسكرية من جانب سلطات الانتداب الفرنسية في سوريا (1920-1946)، في بادية حمص على بعد 250 كيلومتراً إلى شمال شرق دمشق. استُخدم كسجن للأفراد العسكريين المتهمين بارتكاب جرائم جنائية عادية، لكن نظام حافظ الأسد ومنذ مطلع السبعينيات من القرن المنصرم استخدمه لاعتقال السجناء السياسيين.

وبحسب تقرير المنظمة المذكور فقد تفاوت العدد الإجمالي للسجناء السياسيين في سجن تدمر على مر السنين، وقبع حوالي 20 ألف سجين سياسي فيه بين العامين 1980 و1990. وكان متوسط عدد السجناء المحتجزين فيه، وفق التقرير، وخلال تلك الفترة فقط، بنحو 6000 سجين.

وُصف سجن تدمر العسكري بأنه أحد أسوأ السجون في العالم، وقد شهد في يونيو/حزيران عام 1980 مجزرة مروعة، ارتكبتها قوات النظام بحق المساجين، عبر إعدام ما لا يقل عن ألف شخص بحسب إحصاءات لمنظمات حقوقية.

وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن وحدات كوماندوس من سرايا الدفاع تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد قتلت ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، مؤكدة أنه لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقاً.

كما وثقت منظمات حقوقية سبع مجازر جماعية في سجن تدمر وقعت خلال الأعوام 1980 و1981 و1982 وراح ضحيتها مئات السوريين، فضلاً عن تنفيذ النظام لإعدامات جماعية لم تتوقف بحساب معتقلين سابقين إلا في العام 1994.

وظل سجن تدمر جحيماً عند السوريين، يذكرهم بجرائم نظام الأسد وقسوته، وعندما سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على تدمر في 20 مايو/ أيار 2015، ذكرت مصادر في المعارضة السورية لصحيفة "الشرق الأوسط" أن النظام نقل سجناء قد يفوق عددهم 20 ألفاً من سجن تدمر إلى مكان آخر، قبل نحو يومين من وقوع المدينة بيد التنظيم، وهو ما أظهرته الصور التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، مبينة أن غرف السجون فارغة والأبواب مفتوحة.

ومن تدمر إلى صيدنايا توالت تقارير منظمة العفو الدولية ضد انتهاكات نظام الأسد وبيّن تقريرها الصادر في 7 فبراير/ شباط الحالي قيام نظام الأسد بتنفيذ إعدامات جماعية سرية شنقاً بحق 13 ألف معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين، خلال خمس سنوات من الحرب في سوريا.

وقالت المنظمة الحقوقية في تقريرها وعنوانه "مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا" إنه "بين 2011 و2015، كل أسبوع، وغالباً مرتين أسبوعياً، كان يتم اقتياد مجموعات تصل أحياناً إلى خمسين شخصاً إلى خارج زنزاناتهم في السجن وشنقهم حتى الموت".

وأوضحت المنظمة أنها استندت في تقريرها إلى تحقيق معمق أجرته على مدى سنة من ديسمبر/كانون الأول 2015 الى ديسمبر/كانون الأول 2016، وتضمن مقابلات مع 84 شاهداً، بينهم حراس سابقون في السجن ومسؤولون ومعتقلون وقضاة ومحامون، بالإضافة إلى خبراء دوليين ومحليين حول مسائل الاعتقال في سوريا.

النظام يبتكر وسائل قانونية لانتهاكاته

أنكر رأس النظام بشار الأسد قيام قواته بتعذيب السجناء وإعدامهم في سجن صيدنايا، واتهم أمس منظمة العفو الدولية بالكذب وفبركة التقرير، مطالباً بدليل ملموس على ما ورد في التقرير غير شهادة الشهود.

ومنذ خلال فرض نظام البعث حالة الطوارئ في سوريا 8 مارس/آذار 1963 بعد انقلابه وتسلم آل الأسد مقاليد حكم سوريا باسمه، استطاعت أجهزة النظام الأمنية اعتقال من تشاء وزجه بالسجن لمدة مفتوحة دون محاكمة.

وفي غالب الأحيان يتعرض المعتقلون للتعذيب أثناء اعتقالهم بمعزل تام عن العالم الخارجي طوال أشهر أو سنوات من دون تهمة أو محاكمة. وعاشت عائلات سورية كثيرة مأساة اختفاء أبنائهم وعدم معرفتهم أي شيء عنهم بعد اعتقالهم، مع خوفهم من السؤال والاستفسار عن مصيرهم.

كل ذلك حصل ومازال يحصل في سجون النظام دون محاسبة، من خلال قيامه بتغطية جرائمه عبر قشور قانونية، للهروب من مساءلة المنظمات الحقوقية.

ومع اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، اضطر بشار الأسد لرفع حالة الطوارئ في 21 إبريل/ نيسان 2011م بعد أن استمرت في البلاد لنصف قرن، إلا أن رفعها لم يغير شيئاً، حيث قام نظام الأسد بإنشاء ما يسمى محكمة الإرهاب في يوليو/ تموز 2012  بموجب مرسوم رئاسي يحمل الرقم 22.

وقد حلت هذه المحكمة مكان محكمة أمن الدولة التي ألغيت مع قانون الطوارئ، وهي لا تكاد تختلف عنها، فهي محكمة استثنائية مختلطة تتكون من مدنيين وعسكريين، وتحاكم المدنيين والعسكريين.

ومنذ إنشائها وحتى نهاية مايو/ أيار 2015 بلغ عدد الدعاوى التي اطلعت عليها تلك المحكمة قرابة 35 ألف دعوة، ولم تصدر إلا حوالي 700 حكم فقط ما بين إعدام وسجن.

وهذه الأحكام لا ترقى إلى مرتبة الأحكام القانونية أو العادلة، وتعتبر ملغية، ويتحمل القضاة والمتورطون في مثل هذا النوع من المحاكمات المسؤولية عن نتائج أحكامهم بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

أما المحكمة الميدانية أو ما يُعرف بـ "محكمة الميدان العسكرية"  فقد أنشأت بموجب المرسوم التشريعي رقم 109 للعام 1968 وهي من المحاكم الاستثنائية ويكون قضاتها مسؤولين شخصياً عن نتائج أحكامهم.

وكان مرسوم إحداثها للنظر في الجرائم المرتكبة زمن الحرب، ويقصد بذلك الأفعال التي يقوم بها الجيش أثناء الحرب مع عدو خارجي ووزير الدفاع هو من يقرر إحالة الموقوفين اليها.

وتتألف تلك المحكمة بقرار من وزير الدفاع، من رئيس وعضوين، ولا تقتصر أحكامها على العسكريين وإنما تشمل المدنيين أيضاً.

وتتكفل الأجهزة الأمنية المختلفة في سوريا بعرض أسماء المتهمين على تلك المحكمة، حيث يتم تحويلهم بعد التحقيق مباشرة إليها بناء على توصية من رئيس الفرع الأمني.

وهي لا تلتزم بالقوانين والتشريعات السورية وإجراءات المحاكمات المتبعة في المحاكم المدنية أو المحاكم العسكرية العادية. ولا يستطيع المتهم الدفاع عن نفسه أو توكيل محام. ويتم إصدار الحكم خلال عشرة أيام على الأقل أو شهر كحدّ أقصى وينفّذه وزير الدفاع بأمر منه خلال يومين أو ثلاثة.

وفي فترة الثورة السورية فإن أغلب من تم تحويلهم إلى هذه المحكمة هم ناشطون بالمجال الطبي والإغاثي أو من مقاتلي المعارضة، حيث يدفعهم التعذيب الشديد الممارس عليهم من قبل الأجهزة الأمنية على التوقيع أو البصم على اعترافات مزورة دون أي مستند قانوني وقد صدرت أحكام إعدام بحق الكثير منهم وتم تنفيذها بناءً على ما أرفق في ملف المعتقل.

وذكرت مصادر خاصة لـ"السورية نت" أنه حتى العام 2014 اُحيل الى المحكمة الميدانية أكثر من 100  ألف متهم نصفهم تقريباً تمت إحالتهم إليها غيابياً.

الجدير بالذكر أن الدستور السوري يحظر التعذيب (المادة 28) ويعاقب عليه قانون العقوبات بالسجن (المادتان 319 و391). ومنذ إبريل/نيسان 1969، أصبحت سوريا أيضاً دولة طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تحظر المادة السابعة منه ممارسة التعذيب.

لكن منظمة العفو الدولية أكدت أنه رغم ورود شكاوى متكررة وثابتة حول ممارسة التعذيب، فإنه لا توجد أية حالات جرى فيها فعلاً تطبيق تلك القوانين المناهضة للتعذيب.




المصدر