حسام ميرو يكتب: العدالة الانتقالية ومستقبل سوريا


حسام ميرو

كشف تقرير منظمة العفو الدولية الصادر مؤخراً، أن النظام السوري قام بإعدام حوالي 13 ألف مدني سوري في سجن صيدنايا بين عامي 2011 و2015، وهؤلاء المدنيون هم من معارضي نظام الأسد، وتمّ إعدامهم بشكل سرّي وجماعي، ومن دون محاكمات، وهو الأمر الذي يفتح النقاش مجدداً حول مسائل عدة شائكة، بما يخص مستقبل العملية السياسية من جهة، ومستقبل العقد الاجتماعي السوري من جهة ثانية.
أولاً يجب الإشارة هنا إلى أن السوريين لم يُفاجؤوا بالأرقام التي ذكرها تقرير منظمة العفو الدولية، فقد سبق أن وثّقت صور «قيصر» حوالي 11 ألف حالة إعدام تمت بأشكال مختلفة، منها التجويع لأشهر، كما أن عائلات سورية عدّة اعتقل أبناؤها من دون أن يفرج عنهم، وبعض المعتقلين تم تسليم بطاقات هوياتهم إلى ذويهم، من دون أن تسلّم الجثث، وهو أمر بات شائعاً في سوريا، خصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وأمنه، وما يتبعها من ميليشيات محلية أو خارجية.
إن ضرورة التنويه السابق تكمن في الحاجة إلى معرفة مدى تهتّك النسيج الوطني السوري، وتلاشي العقد الاجتماعي، وسقوط مؤسسات الدولة في مستوياتها المختلفة، ومدى انفصال تلك المؤسسات عن بعضها بعضاً، وتحييد المؤسسة القضائية بشكل كامل، لمصلحة الأجهزة التنفيذية، وتحديداً المؤسسة الأمنية، وانعدام أي إمكانية للمساءلة، وكلها أمور تؤكد أن العملية السياسية التفاوضية لن تجدي نفعاً إذا لم تأخذ بالحسبان تحقيق حدّ مقبول من العدالة الانتقالية بالنسبة للسوريين. إن فشل الحل السياسي في سوريا خلال السنوات الست الماضية، لعب دوراً كبيراً في توسيع الهوّة بين شرائح مختلفة من السوريين، خصوصاً أن الخيار العسكري، وما نتج عنه من مشكلات وعناصر جديدة في الصراع، لعب دوراً رئيسياً في خلق اصطفافات داخل المجتمع، وضاعف من الإحساس بالظلم لدى مكونات معينة، ولن يكون بالإمكان وضع حد للكارثة السورية بعيداً عن خريطة طريق حقيقية، يكون بإمكانها أن تخفف من الاحتقان بين المكونات السورية، وهو الأمر الذي يبدو غائباً عن تفكير اللاعبين الإقليميين والدوليين المتحكّمين بمستقبل الحل في سوريا، خصوصاً أن اللاعبين المحليين باتوا أقل شأناً من أن يحدّدوا مصير بلادهم، ومستقبل نظام الحكم، وكيفية معالجة المشكلات العميقة التي ترسّخت في غير مجال من مجالات التعايش الوطني.
إن التاريخ القريب يشير إلى أن التدخلات الخارجية في صياغة نظم الحكم لا تقدّم وصفة سياسية قابلة للاستدامة، وهو ما تؤكده التجربة العراقية، ودستور «بريمر»، وهو الأمر ذاته الذي يتكرر اليوم مع «الدستور الروسي»، الذي تمّ تسريبه خلال مفاوضات «أستانة»، حيث توجد محاولة دولية وإقليمية لإيجاد حل سياسي، يحفظ مصالح الدول الرئيسية المتدخلة في الملف السوري، وهو ما يعني إغفال مصالح السوريين، ودورهم في بناء عقد اجتماعي يعكس مصالحهم، ما يجعل من السلام المنشود عبر المفاوضات، فيما لو حصل، سلاماً هشاً ومؤقتاً.
لا يمكن للسوريين أن يبنوا فيما بينهم عقداً اجتماعياً جديداً من دون أن تشعر الفئات الأكثر تضرراً منهم بأن العملية السياسية ستقوم بإنصافها، وبأن مصالحها لن يتم تجاهلها والقفز من فوقها، وأن النظام السياسي لن يكون مجرد محاصصة للنفوذ بين المكونات التي تحمل السلاح، وهو الأمر الذي تشير إليه وقائع مؤتمر «أستانة» التي همّشت الأطراف السياسية في المعارضة وقوى المجتمع المدني لمصلحة النظام والفصائل المسلحة.
لقد تنبّهت القوى المعارضة السورية، أقله منذ عام 2012، إلى ضرورة العدالة الانتقالية في سوريا، والتي باتت حاضرة بقوة في مختلف الوثائق التي صدرت عنها، كما أشار حقوقيون بارزون في الطيف المعارض السوري إلى ضرورة وجود آليات واضحة تضمن تحقيق العدالة خلال الفترة الانتقالية للنظام السياسي، انطلاقاً من الحرص على ترميم النسيج الوطني السوري، وتجاوز الأحقاد التي نمت بفعل العنف والظلم الذي مورس أولاً من قبل النظام السوري، وبات لاحقاً جزءاً من حالة الصراع المفتوح بين قوى وفصائل وميليشيات داخلية وخارجية.
إن آهات واستغاثات من أعدموا من المدنيين، وغيرهم من الذين قتلوا خلال السنوات الماضية، ستتحوّل إلى أشباح تلاحق مستقبل سوريا، ونظامها السياسي المقبل، إذا لم يعاد الاعتبار إلى الضحايا وذويهم، والأمر ذاته ينطبق على فئات كثيرة عانت ولا تزال، التهميش، تحتاج إلى أن تجد ذاتها ومصالحها في النظام السياسي وتعبيراته الاجتماعية والاقتصادية، ومن دون ذلك ستكون أطر الحل السياسي فارغة من المضمون الوطني الذي يكفل لها أن تكون حلولاً قابلة للتجذّر في تربة المستقبل.

المصدر: الخليج

حسام ميرو يكتب: العدالة الانتقالية ومستقبل سوريا على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا