خرج تنظيم الدولة لكن الخراب قضى على الكثير.. مزارعو العراق بانتظار الفرصة لتعويض خسائرهم
14 فبراير، 2017
كان سامي يوحنا يعيش عيشة كريمة من زراعة القمح حتى هدده عناصر “تنظيم الدولة” بمسدس في رأسه وأعلنوا أن أرضه في محافظة نينوى بالعراق أصبحت من ممتلكات التنظيم.
وتمكنت حملة شنها الجيش العراقي من طرد المسلحين من الجزء الشرقي من الموصل عاصمة نينوى والمدن والقرى القريبة منها مثل قراقوش حيث توجد حقول يوحنا.
لكن مرحلة الرعب وسوء الإدارة التي استمرت عامين تحت حكم التنظيم بعد سيطرته على المنطقة التي تعد قلب الزراعة في العراق دمرت المزارعين وأدت إلى تفاقم مشكلة نقص الغذاء في البلاد.
ويقيم يوحنا – الذي اعتاد على بيع نحو 100 طن من القمح سنوياً – الآن في عربة مقطورة صغيرة ويعمل سائقاً على سيارة أجرة في العاصمة الكردية أربيل ليدبر قوت يومه بصعوبة. ومازالت تطارده أشباح اليوم الذي وصل فيه عناصر “تنظيم الدولة”.
وقال يوحنا “استولوا على كل شيء أملكه.”
ويخشى المزارعون من أن يستغرق الأمر سنوات حتى يتمكن قطاع الزراعة من التعافي مع فقدان الجرارات ووجود ألغام لم تنفجر في الحقول وتضرر المجمعات الزراعية جراء الهجمات الجوية على المسلحين الذين عمدوا إلى بيع سلع أساسية مثل القمح لتمويل عملياتهم.
وكانت نينوى أكثر المناطق الزراعية إنتاجاً في العراق قبل وصول “تنظيم الدولة” حيث كانت تنتج نحو 1.5 مليون طن من القمح سنوياً أو ما يعادل 21 بالمئة من إجمالي إنتاج العراق من القمح و32 بالمئة من إنتاج الشعير.
وفر ما يُقدر بنحو 70 بالمئة من المزارعين حينما سيطر “تنظيم الدولة” على المنطقة ومن بقى فرضت عليه ضرائب باهظة.
وقال يوحنا “الناس الذين انقلبوا ضدي كانوا جميعاً من نفس المنطقة. أعرف كل فرد منهم. انضموا إلى داعش” مشيراً إلى “تنظيم الدولة”.
وفي سياق متصل قال حيدر العبادي رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية في العراق إنه يقدر أن الإنتاج هبط إلى نحو 300 ألف طن بناء على حساب كميات الحبوب التي باعها المزارعون.
وتابع: “اعتاد تنظيم الدولة على محاصرة المزارعين بشكل عام ومنعهم من الذهاب إلى الحقول وزراعة أرضهم خشية أن يهربوا أو ينضموا إلى قوات الحكومة.”
وأضاف “من الصعب أن نرى تحسناً في هذا الموسم. الأمل الوحيد في أن يتمكن المزارعون من بيع إنتاجهم إلى الحكومة مجدداً. أستبعد أن يزيد المحصول عن 500 ألف طن هذا الموسم.”
ويتفق فاضل الزعبي ممثل العراق لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في أن الآفاق قاتمة.
وقال الزعبي: “من المهم للغاية دعم المزارعين حيث يتسم موقفهم في المناطق المحررة حديثاً بصعوبات بالغة تعرقلهم عن البدء في الزراعة لهذا الموسم 2016-2017.”
وتابع: “لا تتوافر البذور والأسمدة والوقود والكهرباء ومعدات الزراعة المستدامة إضافة إلى قنوات الري والآبار وإمدادات مهمة أخرى حتى يتمكن المزارعون من استعادة زراعتهم المعتادة.”
وسيطر عناصر التنظيم على 1.1 مليون طن من القمح كانت في صوامع الحكومة بحسب الزعبي. وقال العبادي إن نحو 40 بالمئة من المعدات الزراعية بيعت كأجزاء أو جرى تهريبها إلى دول مجاورة لتمويل لأنشطة التنظيم.
ويعد دائماً ضمان الأمن الغذائي أحد أكبر التحديات المحورية للحكومة وأكثرها إلحاحاً.
وحتى الرئيس الراحل صدام حسين كان يتوخي الحذر عندما يتعلق الأمر بالغذاء. وتم إنشاء برنامج لتوزيع الطحين (الدقيق) وزيت الطهي والأرز والسكر وحليب الأطفال بالبطاقات في 1991 لمواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق.
ويواصل العراقيون الفقراء الاعتماد على هذا النظام الذي اعتراه الفساد والتبديد على مر السنين بالإضافة إلى تقلصه بشكل حاد في مناطق الصراع.
وتقدر الفاو بأن هناك نحو 2.4 مليون شخص في العراق لا يحصلون على طعام تتوافر فيه العناصر الغذائية التي تلبي احتياجاتهم الغذائية.
وذكر مزارعون أن التنظيم لم يطابق الأسعار الحكومية بالنسبة للمحاصيل. ودفع سعراً أقل من المتوسط العالمي.
وقال الزعبي “كانوا يدفعون للمزارعين نحو 200 دولار للطن في حين أن الحكومة اعتادت على دفع ما يصل إلى 600 دولار للطن.”
واعتاد غانم حسين على زراعة 100 دونم (250 ألف متر مربع) بمحصولي القمح والشعير تحت السلاسل الجبلية. وعندما جاء التنظيم تقلصت مزرعته إلى عشرة دونمات لأنه لم يكن يتعاون معهم بشكل كامل.
وقال حسين وهو ينثر البذور يدوياً على قطعة صغيرة من الأرض حول منزله في قريته “لم يشتروا أي شيء منا. كنت أزرع ما يكفي لإطعام حيواناتي. دمار كامل.”
وبيّن المزارعون أن فشل التنظيم في توفير الاحتياجات الأساسية للعراقيين سيقوض على الأرجح أي محاولة من جانبه للعودة إلى العراق إذا حاول التعافي من خسائره في سوريا وليبيا. لكنهم قالوا إن الحكومة لا تقدم أملاً هي الأخرى.
واعتاد المزارع عبد الحكيم علي بيع ما يتراوح بين 50 و100 طن من القمح والشعير سنوياً إلى صوامع تديرها الحكومة قبل وصول التنظيم، واتصل علي ومزارعون آخرون بالحكومة لمعرفة هل يمكن إحياء النظام القديم.
وأوضح علي: “قالوا (لنا) انتظروا لأن الميزانية ضعيفة. الحكومة تنهار هذه حكومتنا. قالوا انتظروا الفرج من الله.”
وهذه قصة معتادة بين المزارعين. وحين سيطر التنظيم على الموصل في يونيو/ حزيران 2014 كان المزارعون ينتظرون أموالاً حكومية مقابل كميات من القمح باعوها في ذلك العام.
أما كاظم البهادلي المستشار الحكومي في الشؤون الزراعية فقال: إن الجهود جارية لدفع وتعويض المزارعين وتقديم قروض للبذور رغم انخفاض أسعار النفط ومعاناة المالية العامة.
وعرض عارف حسن مسؤول جمعية المزارعين في بعشيقة التي تضم 1100 عضو صوراً لبلدة كانت تحفها الخضرة في السابق لكنها سويت بالأرض في إطار جهود طرد التنظيم.
وترجل حسن في بستان للزيتون وهو يأسى على مشهد الأشجار التي حرقها التنظيم واحدة تلو الأخرى في محاولة لإشعال حرائق تجنبهم الضربات الجوية على ما يبدو.
وقال إن تجديد البستان قد يحتاج إلى عشر سنين موضحاً أنه توجد حالياً أمور أكثر إلحاحاً. وأضاف: “لا تزال توجد ألغام وعبوات ناسفة على مساحة كبيرة تعيق عمل المزارعين”.
[sociallocker] [/sociallocker]