“البازارات” حل أمثل للباحثين عن السلع الأرخص


 

لم يعد الاعتماد على المتاجر التقليدية أمراً مجدياً بعد ارتفاع أسعار معظم السلع بشكلٍ كبير نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، ومع ظهور البازارات فقد شكلت حلاً للكثيرين، ذلك أنها باتت ملاذاً للحصول على مختلف المنتجات الأساسية بخلاف ما كان متعارفاً عليه من خلال “سوق الجمعة” الذي كان مخصّصاً لبيع الطيور والدراجات الهوائية والنارية والقطع الكهربائية والأدوات المنزلية، وأصبحت “البازارات الجديدة” تركّز على بيع كل ما تحتاجه الأسرة السورية بشكلٍ يومي، بدءًا من الخضار مروراً باللحوم وليس انتهاءً بالبقوليات والمعلّبات والبهارات والخبز والمازوت وغيرها.

 

مدنيون يخشون التجمّعات

ويقابل انتعاش هذه البازارات في مناطق النظام تراجعاً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وذلك على خلفية الاستهداف الممنهج للتجّمعات البشرية والأسواق والذي أودت سابقاً بحياة الكثير من المدنيين.

وقالت “ميرنا” وهي مواطنة تعيش في مدينة إدلب لـ “صدى الشام”: “إن البازارات كانت منتعشة بشكلٍ كبير في المدينة وريفها حتى قبل اندلاع الثورة في سوريا”، مشيرةً إلى أن هذه البازارات كانت تحتوي على كل ما يلزم، وأضافت أن هذه البازارات كانت تنتقل من منطقة إلى أخرى، فكانت تُقام في مدينة إدلب يوم الأربعاء، وفي المعرّة يوم الخميس، وفي سلقين يوم الجمعة، مضيفةً أن التجّار كانوا يلاحقون هذه البازارات من مدينةٍ لأخرى لكسب رزقهم وكانت تحقّق إقبالاً كبيراً بين السوريين، لكنها أوضحت أنه بعد حوادث استهداف الأسواق التي حصلت في المناطق المحررة أصبح المدنيون يخافون من التجمّعات في الأسواق لذلك اندثرت هذه البازارت.

وتعرّضت محافظة إدلب أكثر من مرة لاستهداف ممنهج للأسواق من قبل النظام وحلفائه وكان أشدها القصف الذي تعرّض له سوق أريحا الشعبي، والذي أودى بحياة عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.

 

انتشار في مناطق النظام

لم تعُد البازارات حالة خاصة تقتصر على يوم الجمعة وتُقام في مناطق محدّدة تخضع لسيطرة النظام وتبيع منتجات معينة فقد اختلف الأمر حسبما يُشير “أبو عيسى” وهو مواطن مقيم في العاصمة دمشق، وأوضح لـ صدى الشام أن العاصمة دمشق شهدت انتشار بازار بشكلٍ أسبوعي في منطقة “سوق الهال القديم” تحت جسر الثورة، لافتاً إلى أن هذا المكان بعد أن كان يبيع الخضار وحسب بشكلٍ يومي بات شبه تجمّع يبيع كلَّ السلع بأسعارٍ مخفّضة في كل يوم خميس.

أما من يتجوّل في شارع “أدونيس” أو كما هو معروف للسوريين باسم “شارع الرازي” فسيتفاجأ إذا مرَّ منه مجدّداً، فبعد أن كان هذا الشارع من الأحياء الراقية في مدينة حلب والتي تحتضن الأبنية والسيارات الحديثة، بات مرتعاً لبائعي اللحوم والخضار والمعلّبات وحتى الألبسة والمنظّفات.

يقول أنس الحلبي لـ صدى الشام: “إن السوق بات مقصدًا أسبوعياً لكل سكّان حلب، بسبب احتوائه على كل ما يُمكن أن يطلبه الإنسان، بما في ذلك السلع المفقودة كالبنزين، والسلع التي يصعب الحصول عليها كالخبز، موضحاً أن إقامة البازار هنا أثارت سخط سكّان المنطقة كونها من الأحياء الراقية بحلب.

 

 

أسعار مخفّضة

وفي وقتٍ تنعدم فيه القوّة الشرائية لدى المواطن السوري نتيجة لجملة أسبابٍ منها التضخّم وانخفاض سعر صرف الليرة والغلاء الفاحش والدخل المحدود تأتي هذه البازارات لتشكّل جزءاً بسيطاً من حل المشكلة، حيث تُباع فيها معظم السلع بأسعارٍ مخفّضة نسبياً.

ووفقاً لمواطنين يرتادون هذه البازارات فإن ثمن كيلو السكّر يبلغ ثمنه 480 ليرة في المتاجر الخاصّة، و400 ليرة في البازار، في حين يبلغ ثمن كيلو الأرز المصري 550 ليرة في المتاجر، و510 في البازار.

أما الخضار فيبلغ ثمن كيلو البطاطا 220 ليرة في المتاجر و170 ليرة في البازار، بينما يبلغ ثمن كيلو البندورة 400 ليرة في المتاجر و320 ليرة في البازار، وينطبق هذا الأمر على السلع الأخرى كالمعلّبات، التي يُقدّر أحد روّاد هذه الأسواق أن ثمنها في البازار يُعادل 75% فقط من ثمنها في المتاجر الخاصّة.

 

إقبال

وتحقّق هذه الأسواق إقبالاً واسعاً بين السوريين، ففي كلِّ صباح يتجمهر ضمن بازار سوق الهال القديم بدمشق المئات من المواطنين الساعين للحصول على بضائعهم بأسعارٍ مخفّضة.

ويقول أحد تجّار هذا البازار لـ “صدى الشام”: “في كلّ أسبوعٍ يزداد عدد الزبائن في السوق”، ويوضّح أنَّه في بداية المطاف لم يكن الناس قد اعتادوا على وجود سوقٍ منظّم في هذه المنطقة، وكان معظم الزبائن يدخلونه بمحض الصدفة، مشيراً إلى انه في وقتٍ لاحق ازداد عدد المقبلين على السوق بشكلٍ كبير، وبات معروفاً لدى الناس بأنه يفتح أبوابه أمام الزبائن لبيع البضائع بأسعار رخيصة وبشكل دوري. وتابع: “المواطن السوري اليوم مستعدّ أن يقطع أميالاً للوصول إلى سوقٍ فيه بضائع أرخص من الأسواق العادية بسبب الحاجة وقلّة رواتب الناس”.

 

  عباية

وكما كان يعاني باعة البسطات في أي منطقة بدمشق من دوريات شرطة البلدية فلم يسلم أقرانهم في البازار المستحدث بسوق الهال القديم من ذلك، وعلى من يرتاد هذا البازار أن لا يستغرب إن كان يتجول وسمع دون سابق إنذار أحد البائعين ينادي بكملة “عباية” ليتبع ذلك حالة من الهلع والاستنفار بين أصحاب البضائع المتنوعة ويدفعهم لجمعها والهروب بها فورًا.

وكلمة “عباية” هي عبارة عن شيفرة أو كلمة سر بين البائعين تستخدم للإشارة إلى وجود دوريات البلدية التي تأتي بين الحين والآخر إلى السوق لمصادرة البضائع.

وكانت محافظة دمشق أصدرت قراراً مطلع هذا الشهر بمنع البسطات في معظم أنحاء العاصمة بداعي “المحافظة على المشهد الحضاري للبلاد” وهذا ما تمت ترجمته من خلال حملة مكثفة لإزالة الإشغالات المخالفة.

لكن وكما اعتاد أصحاب البسطات في كل أنحاء دمشق على التعامل مع هذه القرارات والإجراءات القديمة الجديدة فإن باعة البازار ليسوا بعيدين عن هذه الأجواء ليستمر عملهم أسبوعاً بعد أسبوع بعد أن تكيفوا مع كل الظروف.



صدى الشام