‘معركة الحسم في الجانب الغربي للموصل تخشاها القوات العراقية.. فما هي الأسباب؟’
16 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
بعد مرور أكثر من 3 أسابيع على سيطرتها على الجانب الشرقي من مدينة الموصل على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد قتال استمر 3 أشهر، لا تزال الحكومة العراقية غير قادرة على إطلاق شرارة البدء في “مرحلة الحسم” لاستعادة الجانب الغربي للمدينة، رغم مساعيها في الإسراع بإنجاز المهمة.
تأخير أرجعه مسؤولون عسكريون عراقيون وخبراء، إلى الوضع الحالي في الجانب الغربي للموصل الذي وُصف بـ”المعقد”، لطبيعة الكثافة السكانية به ومعاناة المدنيين، إضافة لمحاولات “تنظيم الدولة” ترتيب صفوفه وتجنيد مقاتلين جدد من بين السكان، بعد خسارته التي مني بها في الشرق، والتي لم يعد أمامه سوى “القتال أو الموت” للحفاظ على تواجده، علاوة على اتخاذه المدنيين “دروعا بشرية”.
وأعلنت الحكومة العراقية في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي السيطرة على الجانب الشرقي من الموصل بشكل كامل، بعد أن خاضت القوات معارك صعبة على مدار ثلاثة أشهر، تكبدت فيها خسائر في المعدات والأرواح، لكنها تمكنت من قتل عدد كبير من “تنظيم الدولة” وتدمير أكثر من ألف عربة مفخخة خلال المعارك.
مسؤول وحدة التخطيط العسكري في قوات جهاز مكافحة الإرهاب التابعة للجيش والمشاركة في عملية تحرير الموصل، العميد الركن، أيهم البهادلي، قال إن “الخطط الخاصة بمعركة تحرير الجانب الغربي لمدينة الموصل قد أُنجزت، وجرى توزيع المهام على جميع القطعات العسكرية المشتركة بتنفيذ هذه المهمة، وبإشراف مباشر من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة”.
وأضاف في تصريحات لوكالة الأناضول أن “القطعات باشرت بتنفيذ ضربات تعبوية دقيقة على مواقع تنظيم داعش، الهدف منها تدمير قدراته والحد من خطورته لتسهيل مهمة القضاء عليه عند تقدم القوات البرية”.
وأوضح البهادلي أن “التنظيم يتخذ من النساء والأطفال وكبار السن والرجال دروعا بشرية له لتصعيب مهمة استهدافه وتأجيلها أكثر وقت ممكن”.
ولفت إلى أن “المعركة لن تكون سهلة وتتطلب المزيد من الوقت والحكمة لضمان حماية المدنيين العزل والخروج بأقل الخسائر المادية والقضاء على التنظيم في الوقت ذاته”.
وأشار المسؤول العسكري إلى ستة محاور تم تحديدها لعملية تحرير الجانب الغربي (الأيمن)، رافضا الإفصاح عنها خشية كشفها للتنظيم الذي توعده “بهجوم خاطف يدمر جميع مواقعه وخططه الدفاعية ويدفع به إلى تكبد هزيمة كبرى”.
لا مفر من القتال
من جانبه، اعتبر الخبير في شؤون الجماعات المسلحة وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، مقداد علوان الهيتي، أن “مهمة القضاء على داعش في الجانب الغربي ستكون بغاية التعقيد والخطورة لسببين، الأول أن التنظيم لم يعد يملك خيار سوى القتال أو الموت، والثاني أن خسارة المدينة بالكامل يعني تبخر حلم دولته الإسلامية”.
سببان يجعلان- بحسب الخبير العراقي- مهمة القوات في القضاء على التنظيم واستعادة الجانب الغربي “تصل إلى درجة المستحيل”.
وخلال حديث للأناضول، أكد الهيتي أن “داعش سيستخدم في معركته القادمة كل الوسائل للحيلولة دون تقدم القوات”، معرباً عن خشيته من “إلحاق أضرار بالغة بالمدنيين الذين أصبحوا ضحية لصراع مسلح لا يقدّر الحياة ويسعى إلى إلحاق الدمار بالحرث والنسل”.
وطالب الهيتي “القيادة العسكرية بأن تعي أنها باتت تتعامل مع جماعات مسلحة تعرف أن مصيرها الموت، وهذا ما يجعلها مستعدة لاستخدام أي شيء في سبيل زيادة الوجع والأذى لمن يحاول الوقوف بطريقها”.
وبشأن إمكانية التغلب على تلك المعوقات، قال الخبير العراقي إن “تحرير الجانب الغربي للموصل يتطلب تكتيكا استراتيجيا عالي المستوى، وعمليات نوعية في عقر داره، والإفادة من الخلايا النائمة المؤيدة للقوات العسكرية، وذلك قبل الشروع بعملية عسكرية واضحة المعالم ومكشوفة الأغراض”.
تحضيرات داعشية
“هل قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية مستعدة الآن لمعركة طويلة الأمد ضد تنظيم يراها الفيصل في وجوده في العراق من عدمه؟”، بهذا السؤال استهل العميد المتقاعد من الجيش العرقي، سالم عبد الحافظ إدريس، حديثه للأناضول عن المعركة القادمة في الموصل.
وقال إدريس إن “القوات العراقية (الفرقة السادسة عشر والفرقة المدرعة التاسعة، وجهاز الشرطة الاتحادية) غير قادرة على خوض معركة الحسم ضد التنظيم، علاوة على أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب، رأس الحربة للقوات العراقية، تكبدت خسائر ليست بالقليلة خلال أشهر معركة تحرير الجانب الشرقي”.
وأوضح أن “البدء بالمعركة دون دراسة حقيقية للوضع وخطورته قد يؤدي إلى كارثة على غرار ما حدث في صيف عام 2014 عندما منّي الجيش العراقي بتشكيلاته المختلفة بخسائر مفزعة على أيدي مسلحي التنظيم”.
وشدد على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن “الوضع بات مختلفا للتنظيم وخلاياه والمؤيدين له، ومعركة استعادة الجانب الأيمن إذا لم تكن خاطفة فهذا سيؤدي إلى نتائج سلبية على الحاضر والمستقبل بالنسبة للمواطن والقوات على حد سواء”.
هذا الاتجاه دعمه ما كشفه للأناضول، أحد منتسبي القوات الأمنية سابقا، الذي رفض الكشف عن هويته مكتفيا بالإشارة إلي اسمه بالحرفين (م أ)، وذلك خشية على حياته حيث ما يزال يتواجد في الجانب الغربي تحت سيطرة التنظيم.
المنتسب السابق للأمن العراقي، قال إن تنظيم “داعش استعد للمعركة تحرير الجانب الغربي، بتفجير الجسور الخمسة الرابطة بين جانبي المدينة، ووضع الحواجز الأسمنتية على طول ضفاف نهر دجلة ونشر القناصة ومستخدمي الأسلحة المتوسطة أعلى المبانِي العالية والمراكز الهامة”.
وأضاف أن “داعش استعد أيضا بإقامة نقاط التفتيش الأمنية في الشوارع التجارية ومداخل الطرقات الرئيسة والتدقيق بالأوراق الثبوتية للمدنيين، وتنفيذ عمليات دهم وتفتيش للمنازل السكنية من أجل مصادرة أجهزة الاتصال (الهاتف النقال) واستقبال البث الإذاعي”.
ولفت إلى أن “التنظيم أحكم قبضته على الجانب الغربي، وجميع عناصره يحملون السلاح على مدار الساعة والكثير منهم يجوب الشوارع بعربات مفخخة لإيصال رسالة إلى المدنيين أنهم عازمون على الموت هنا”.
وأكد المصدر في الوقت ذاته أن “التنظيم عاود الآن إقامة الخطب في الشوارع الهامة حيث يستعرض ما يسميه انتهاكات للقوات الأمنية في المناطق المحررة، مثل رفع الرايات الطائفية واعتقال المشتبه بهم، وذلك بهدف ضم أكبر عدد ممكن من الشباب إلى صفوفه وتدعيمها بالمزيد من المقاتلين والمؤيدين له”.
ونوه إلى أن “عناصر التنظيم الأجانب يتواجدون بكثرة في الأحياء الغربية من مدينة الموصل وهم من يقومون بعمليات المرابطة الليلية في الشوارع، خشية أي هجوم تنفذه القوات أو أي عملية مسلحة تنفذها الحركات المناهضة لهم”.
ووصف المصدر الوضع على الأرض “معقد، ويحتاج الكثير من التخطيط لحله، وهو ليس كما تتناقله بعض وسائل الإعلام بشأن فرار جماعي للمسلحين وانهيار معنوياتهم وعدم امتلاكهم للسلاح”.
تمهيد جوي للمعركة
في مقابل تلك الاستعدادات من قبل التنظيم، أكدت القوة الجوية العراقية أن مهمتها في عمليات تحرير الجانب الغربي لمدينة الموصل انطلقت منذ مطلع شهر شباط/فبراير الجاري من خلال قيام مقاتلات “إف 16” بقصف مواقع تنظيم “داعش” وأهدافه الثابتة والمتحركة ووحداته القتالية والإستراتيجية والتكتيكية.
وفي هذا الإطار، قال النقيب الطيار، بدر الدين مصطفى الغانمي، إن “هناك ضربات تدريبية وتعبوية تقوم بها طائرات القوة الجوية العراقية باشتراك طائرات التحالف الدولي أيضاً، وفق معلومات استخبارية دقيقة بهدف تدمير قدرات عناصر التنظيم بالجانب الغربي، واستهداف قياداته لإضعاف منظومة القيادة والسيطرة له”.
وأوضح الغانمي أن “الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات العراقية كان لها دور كبير في عمليات قطع طرق الإمداد لعناصر داعش، لاسيما القادمة من الأراضي السورية”، مؤكداً أن “الطيران العراقي أدى الواجبات المكلفة بها بشكل دقيق وهي قطع شرايين التنظيم”.
الناشط والمراقب للشأن الموصلي، مؤمن الساهر، اعتبر من جانبه أن تعقيد معركة تحرير الجانب الأيمن “يكمن في تدهور الوضع الإنساني للعائلات القاطنة به بعد محاصرتها لأكثر من 112 يوما دون ماء أو غذاء أو خدمات، مع استمرار القصف الجوي على أهداف التنظيم”، لافتا إلى أنه “كلما تعقد الوضع الإنساني كلما كانت عملية التحرير صعبة”.
واستعرض الساهر الوضع داخل الجانب الأيمن للموصل، قائلا إن “الأسواق تعاني من شح المواد الغذائية اللازمة لديمومة الحياة وانقطاع الماء ونفاد الأدوية وانتشار الأمراض المعدية، وكثرة حالات السرقات بسبب الحرمان والعوز”.
الساهر، الذي أكد على أنه يراقب الوضع الإنساني في الموصل منذ شهور عدة، حذر من أن “تفاقم المشاكل والوصول لحالة اليأس ستدفع بالكثير من الرجال لاسيما المراهقين إلى الانضمام لتنظيم داعش للخلاص من الوضع الراهن”.
وفي الـ17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انطلقت معركة تحرير مدينة الموصل من أربعة محاور بمشاركة أكثر من 100 ألف عنصر أمن من الجيش وقوات مكافحة الإرهاب وقوات البيشمركة (جيش الإقليم الكردي) وقوات الحشد الشعبي (فصائل شيعية مسلحة) وبإسناد من التحالف الدولي، وبعد معارك شرسة تمكنت القوات من استعادة الجانب الأيسر (شرق) المدينة.
ومنذ الوهلة الأولى لانطلاقها، تحدث مسؤولون عراقيون عن سهولة معركة استعادة الموصل وحسمها في أسابيع، غير أن تحرير الجانب الأيسر (شرق) من المدينة استغرق فقط أكثر من 3 شهور رغم مشاركة قوات النخبة في الجيش العراقي (قوات جهاز مكافحة الإرهاب والفرقة المدرعة التاسعة).
[sociallocker] [/sociallocker]