المصارف المركزية الكبرى تعلن التعبئة ضد الحمائية
17 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
لا تمارس المصارف المركزية العمل السياسي رسمياً، ولكن منذ أسابيع تخرج هذه المؤسسات المالية في كل العالم عن تحفظها المعتاد لتعبّر عن قلقها من صعود النزعات الحمائية والشعبوية.
وحذر العضو في إدارة البنك المركزي الأوروبي ايف ميرش أخيراً من أن «الحمائية لن تؤدي إلى أي شيء سوى تراجع رفاهية المجتمعات». وجاءت تصريحاته بعد ثلاثة أيام على تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يدافع عن الحمائية تحت شعار «أميركا أولاً»، كما أثارت قراراته الأولى قلق الأسرة الدولية.
وأعلن البنك المركزي الهندي الأسبوع الماضي أن «التجارة العالمية لا تزال تعاني من التباطؤ بسبب النزعة المتزايدة إلى إجراءات حمائية وتوترات سياسية متزايدة»، بينما رأى البنك المركزي البرازيلي أن السياسة الاقتصادية الأميركية «تجعل الوضع الاقتصادي العالمي غامضاً». وصرح حاكم البنك المركزي الاسترالي فيليب لاو بأن «الطريق باتجاه الازدهار الليبرالي لا يمكن أن يمر عبر بناء حواجز بيننا». واعتبر البنك المركزي المكسيكي أن السياسة الأميركية الجديدة يمكن أن تضر بالعلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك.
تقليدياً، تتحفظ المصارف المركزية الحريصة جداً على استقلاليتها عن الحكومات، عن التدخل في الشأن السياسي. في المقابل، تستخدم هذه الهيئات المالية بحرية تقديراتها الاقتصادية لتحديد معدلات الفائدة وحماية الاستقرار المالي.
وقال الخبير في مجموعة «بيكتيه» للخدمات المالية فريديريك دوكروزيه في تصريح الى وكالة «فرانس برس» إن «رجال المصارف المركزية تدخلوا قليلاً في مجال ليس من اختصاصهم في السنوات الأخيرة عبر صياغتهم بحذر توصيات سياسية. ولكن منذ بعض الوقت، اجتازوا مرحلة إضافية في شكل واضح».
ورأى الخبير في مجموعة «اوكسفورد ايكونوميكس» الاستشارية بن ماي، أن «إعلان المصارف المركزية عن مواقف في القضايا التي تثير جدلاً عاماً، يعكس خصوصاً واقع أن الحمائية لم تكن مشكلة حتى الآن، أكثر من رغبة في لعب دور سياسي».
وفي هذا المجال، أسباب القلق كثيرة للمصارف المركزية بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتهديدات بفرض رسوم جمركية جديدة في الولايات المتحدة ومشروع تغيير إجراءات وضوابط القطاع المالي الأميركي، بينما يحاول العام الحالي طيّ صفحة الأزمة المالية عام 2008. تضاف إلى ذلك مخاوف من حرب عملات ممكنة بعد تصريحات للإدارة الأميركية موجهة إلى ألمانيا أو اليابان اللتين اتهمتهما بالتلاعب بأسعار عملتيهما بهدف تحقيق فوائد تجارية. وكان حاكم بنك اليابان هاروهيكو كورودا حاول في نهاية كانون الثاني (يناير) طمأنة القلقين، وقال: «لا أعتقد أن الحمائية ستنتشر بقوة وفي شكل واسع في العالم». وعبر حاكم البنك المركزي الألماني ينس فايدمان أخيراً عن قلقه، وقال: «نشهد تشكيكاً متزايداً في العولمة، ليس في الولايات المتحدة لوحدها، بل في أوروبا أيضاً، والخوف من العولمة ورفض الأسواق المفتوحة يتّسعان».
وتتابع المصارف المركزية بدقة منذ فترة الانتخابات التي ستجرى هذه السنة، خصوصاً في فرنسا وألمانيا، حيث انتعشت الأحزاب القومية والمعارضة للمؤسسات الأوروبية ولليورو. وفي فرنسا، إذا انتخبت زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف مارين لوبن «فستغادر فرنسا الاتحاد الأوروبي، ما سيعني على الأرجح انتهاء الوحدة النقدية»، وفقاً للخبير الاقتصادي في مصرف «كوميرتسبنك» يورغ كريمر. وأضاف أن «هذا الاحتمال ضئيل كما تكشف استطلاعات الرأي، لكنه يزيد من قلق المستثمرين».
وهذا القلق كبير إلى درجة أن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي شعر بأن من الضروري أن يطمئنهم على مستقبل العملة الواحدة، مؤكداً خلال جلسة استماع له في البرلمان الأوروبي في بروكسيل، أن «لا مجال للعودة عن اليورو». وحذر المسؤول في إدارة البنك المركزي الأوروبي بونوا كوريه من أن الخروج من اليورو «ينطوي على أخطار لا يستطيع أحد توقع عواقبها». ومن بين هذه الانعكاسات أن تمويل الدَيْن الفرنسي سيكلف مبالغ أكبر قد تصل إلى «أكثر من 30 بليون يورو سنوياً مع الوقت»، وفقاً لحاكم «المركزي» الفرنسي فرنسوا فيلوروا دي غالو.
[/sociallocker]