تحقيق: بين الهروب والانشقاق… مقاتلون يتركون صفوف الثورة في أحياء دمشق الجنوبية


محمد كساح: المصدر

على مدى سنوات مضت بث نشطاء معلومات عن عودة بعض من كانوا في صفوف الثورة إلى أحضان النظام، أو إحدى الميليشيات الموالية له. وكانت الحرب الطويلة المريرة التي لم تعرف لها نهاية، إضافة لمآسي الحصار في العديد من البلدات لاسيما تلك القريبة من العاصمة، قد أدت لمثل هذا التغيير في المواقف عند البعض من المحسوبين على الثورة، ما أدى إلى اجتيازهم الخطوط المحرمة ودخولهم تحت تصرف الطرف الآخر.

يرصد التحقيق التالي وقوع مثل هذه الحالات في أحياء دمشق الجنوبية خلال السنوات الماضية:

لواء الأنفال

في ليلة السابع من شهر آذار/مارس من عام 2015 كان أبو مازن الرفاعي بصحبة 55 عنصراً من مقاتلي جنوب دمشق يراقبون شارع الثلاثين في مخيم اليرموك بأعين حذرة. كان مقاتلون من الجيش الحر يرابطون على نقاط متمركزة على الشارع. وعندما سنحت الفرصة المناسبة تسلل أبو مازن الذي يعتبر قائد لواء الأنفال بصحبة عناصر اللواء بأسلحتهم التي قاتلوا بها النظام عابرين إلى الجانب الآخر، حيث كانت قوات الأخير في انتظارهم.
وتقول “زمان الوصل” التي نشرت مقابلة حصرية مع الرفاعي عشية انشقاقه عن الثورة، إن عناصر “الأنفال” تم تقسيمهم إلى مجموعتين، الأولى في “مشروع الحسينية” والثانية تم نقلها إلى أحد المدارس في شارع “نسرين” داخل حي “التضامن” الدمشقي.

كما أوضحت الصحيفة أن “أبو مازن” كشف أن جميع من سبقه ولحقه من الفارين مؤخراً من جنوب العاصمة التحقوا به، حيث وصل تعدادهم في تلك الفترة إلى نحو 115 عنصراً ومن المقرر أن يشكلوا نواة “الدفاع الوطني” في مناطق “الحسينية” و”الذيابية”.

انشقاقات فردية

وتقول الفرضية إن لواء الأنفال هو الانشقاق الجماعي الوحيد الذي حدث في أحياء دمشق الجنوبية، وما سواه لا تعتبر سوى حالات فردية تهدف للهرب من الحصار في أغلب الأحيان.

وأكد الناشط “أبو عمر” من بيت سحم، لـ “المصدر” حدوث حالات انشقاق فردية لمقاتلين انضموا إلى صفوف النظام. وقال “أبو عمر”: “لا يمكن تسميتها بانشقاقات بقدر ماهي هروب من الحصار”.

وأضاف “لا يوجد لدينا إحصائيات دقيقة لهذه الحالات. لكن من المؤكد أن حادثة لواء الأنفال هي الحالة الجماعية الوحيدة في المنطقة”.

وأشار “أبو عمر” إلى معرفته الدقيقة بشخصين هربا من المنطقة باتجاه النظام بسلاحيهما. وقال “الشخص الأول عنصر عند النظام حاليا. وبالنسبة للمقاتل الثاني فلدي معلومات مؤكدة وعن شهود عيان موثوقين أنهم رأوا الرجل في دمشق باللباس العسكري”.

مجموعة “علاء ملاك”

وفي الأيام الماضية أعلن لواء القدس الذي يتبع نظرياً لشعبة المخابرات – ويوجد من يعتبرها أحد اذرع إيران في سوريا – عن مقتل 28 عنصراً خلال المعارك الدائرة مع تنظيم “داعش” على طريق إثريا – خناصر، وكان من بين الأسماء مجموعة استطاعت “المصدر” الحصول على معلومات عنها.

المجموعة التي قتلت تضم شباناً من حي التضامن أحد الأحياء الجنوبية لدمشق. ويبرز اسم “علاء ملاك” كقائد للمجموعة والذي قتل ضمن المعركة ونعته وسائل إعلامية موالية، إضافة للواء القدس.

وتفيد المعلومات أن مجموعة “ملاك” تتبع لكتيبة المهام الخاصة في الدفاع الوطني – يعني أنهم متطوعون وليسوا جنوداً نظاميين – وقد ذهبت لمؤازرة لواء القدس في الشمال السوري، حيث قتل معظم أفراد المجموعة.

وأكد الناشط “مهد الجولاني”، وهو من أبناء المنطقة، صحة هذه الرواية مستنداً إلى معلومات حصل عليها من منطقة في حي التضامن تحت سيطرة النظام.

وقال الجولاني خلال حديث لـ “المصدر” إن جميع عناصر مجموعة “علاء ملاك” هم من أبناء حي التضامن، وقد قتل منهم 30 عنصراً تقريباً وأسر 3 عناصر في معارك خناصر.

لكن… هل عناصر المجموعة من الثوار الذين تركوا صفوف الثورة وانضموا للنظام؟ يجيبنا “الجولاني” قائلا: “يوجد من ضمن حي التضامن شارع نسرين والعديد من الحارات غالبية سكانها من العلويين. شارع نسرين هو مركز للشبيحة والعلويين سكنوا هذه المنطقة قبل الثورة، ومع بداية الأحداث تحول الشارع إلى حصن لقوات النظام وأضحى شبابه يقاتلون في كل المناطق عن طريق المؤازرات”.

وبدوره، أشار “أبو عمر” إلى صحة هذه المعلومات، مؤكدا أن شارع نسرين والحارات المتاخمة له من “أوائل المناطق التي تشكلت فيها مجموعات للدفاع الوطني”.

وبالنسبة لمعركة خناصر، يبدو أنها ليست المعركة الأولى لمجموعة “علاء ملاك”، إذ تفيد الأنباء عن مشاركة أفرادها في معارك عديدة، منها الغوطة الشرقية وداريا وحمص وحلب، أدت لقتل عدد كبير منهم.

ومع أن معظمهم من العلويين إلا أن مصادر عديدة أكدت وجود بعض الشبان السنة الذين تطوعوا في صفوف المجموعة. إلا ان المعلومات لم تكشف عن توقيت التطوع أو عن وجودهم في صفوف الثورة سابقا.

خارطة القوى

وتقسم منطقة جنوب دمشق إلى عدة أحياء خرجت جميعها عن سيطرة النظام منذ عام 2012. إلى الشرق تقع ببيلا ويلدا وبيت سحم، وتخضع لسيطرة فصائل الجيش الحر، وقد أبرمت هدنة مع النظام.

ويقع الحجر الأسود ومخيم اليرموك والتضامن في الوسط، ويخضع قسم كبير من هذه المناطق لسيطرة تنظيم “داعش”.، وأما في الغرب فيقع حيا القدم والعسالي ويخضع حي القدم لسيطرة فصائل الجيش الحر بينما يعيش العسالي تحت سيطرة تنظيم “داعش” وكلا الحيين عقدا هدنة مع النظام على الرغم من سيطرة التنظيم على حي العسالي.

ووجه العديد من نشطاء المنطقة خلال حديثهم لـ “المصدر” أصابع الاتهام إلى تنظيم “داعش” في القضاء على فصائل الجيش الحر بهدف التمدد في المنطقة، إضافة لتعامله الخفي مع النظام حيث تعتبر جبهاته مع الأخير مستقرة تماما، بحسب ناشطين.

300 هارب من الثورة

وتفيد المعلومات التي تسنى لـ “المصدر” الحصول عليها انفراط عقد لواء الأنفال بعد انضمامه للدفاع الوطني بفترة من الزمن.

وقالت “زمان الوصل” في مقابلتها الحصرية بقائد لواء الانفال أن عناصر اللواء من المتوقع أن يتم زجهم على جبهات القتال إلى جانب مرتزقة “الدفاع الوطني”، للاستفادة من معرفتها واطلاعها المسبق على نقاط تمركز الجيش الحر.

ولكن “مهد الجولاني”، ابن الأحياء الجنوبية لدمشق، أكد أنه من جميع عناصر اللواء لم يتبق سوى أربعة يقاتلون إلى جانب النظام. وأشار إلى أن “باقي المقاتلين هربوا إلى درعا والقنيطرة والشمال السوري”.

وأفاد “الجولاني” بأن عدد الذين هربوا من مقاتلي جنوب دمشق عدا لواء الأنفال يقدرون بـ 300 شخص على وجه التقريب. نافياً أن يكون جميع الهاربين انضموا إلى الدفاع الوطني.

وقال “يوجد أناس انضموا بشكل مؤقت ثم هربوا. هناك أشخاص لم ينضموا إطلاقا، بينما لايزال البعض يقاتل إلى جانب النظام حتى اللحظة”.

ما هي الأسباب؟

ونفى الناشط “عمر القصير” أن يكون سبب هروب البعض من صفوف الثورة هو تمدد تنظيم “داعش” في المنطقة، وخلال حديثه لـ “المصدر” أوضح “القصير” أن السبب الأول هو الحصار المفروض على المنطقة لسنوات عدة، أدت لأوضاع مأساوية لا يمكن للبعض تحملها.

وبالنسبة لـ “أبو مازن” قائد لواء الأنفال، فقد أوضح لـ “زمان الوصل” عقب انشقاقه أن “الجوع والحصار وانعدام الأفق في نظره مع طول أمد الثورة كانت الحافز الأكبر الذي دفعه للتفكير بهكذا خيار”.

وصرح أبو مازن – بحسب الصحيفة – بالقول “لقد كان لقاء عناصر النظام لنا كلقاء الأم بابنها الغائب”، في إشارة منه إلى حفاوة الاستقبال.

وبدوره أكد “أبو عمر” أنه منذ توقيع اتفاقية الهدنة في معظم الأحياء الجنوبية مطلع عام 2014 وحتى اللحظة الراهنة حصلت العديد من حالات الهروب باتجاه الطرف الآخر، وقال “طبعا هذا الأمر يحتمل وجهين: إما أن الشخص عميل وانتهت مهمته، أو أنه مل من الحصار والحياة الصعبة نسبيا فاختار الهروب”.





المصدر