كيف أصبحت التحويلات المالية مكسبًا للنظام ومُتنفسًا لسوريّي الداخل؟


بقي التماسك الاقتصادي لنظام الأسد موضوعًا جدليًا بين خبراء الاقتصاد، ولا سيما بعد هبوط الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، وانعدام الصادرات وارتفاع معدّل الاستيراد لمعظم السلع الأساسية بما فيها القمح.

ومن أبرز الطرق التي ساعدت على عدم انهيار النظام اقتصاديًا كانت “الحوالات النقدية” التي يرسلها السوريون في الخارج إلى الداخل والتي شكلت رافدًا قويًا لخزينة النظام حسبما تبيّن الأرقام.

وذكرت مصادر سوريّة محلية اليوم أن قيمة الحوالات المالية التي تدفّقت إلى مناطق النظام في سوريا خلال عام 2016 بلغت ما يقارب 1.5 مليار دولار أمريكي، بمعدّل 3 – 4 مليون دولار يوميًا، وأشارت المصادر إلى أن قيمة الحوالات كانت تصل إلى 9 مليون دولار في أيام المناسبات والأعياد وقد تنخفض إلى 1 مليون في بعض الأحيان.

وبينما وصلت نسبة التضخم في سوريا إلى حوالي 621%، انخفضت القيمة الشرائية لدى السوريين وازدادت أسعار السلع، حتى باتت الحوالات الخارجية موردًا أساسيًا لأية عائلة سورية.

ومنذ بدء الثورة السورية غادر البلاد بين مسافر ولاجئ حوالي 4 ملايين شخص وفقًا لما ذكرت إحصاءات “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في شهر تشرين الأول من العام الماضي.

يقول “يحيى جدّوع” وهو شاب سوري مقيم في ألمانيا لـ “صدى الشام”: “أرسل بشكلٍ شهري 150 دولار أمريكي إلى عائلتي المقيمة في مدينة حماه، وذلك منذ أكثر من ثلاثة سنوات”.

وكان “يحيى” وصل إلى ألمانيا مع أولى موجات اللجوء، وتمكّن من الحصول على إقامة وفرصة عمل هناك، ويتابع : “هذا المبلغ بالنسبة للمغترب يُعتبر بسيطًا ولا يشكّل أي أعباء مادية عليه، في حين أنه يفعل الكثير داخل سوريا” حسب وصفه.

ويتراوح متوسّط الدخل في سوريا بين 30 -60 ألف ليرة، في حين تزداد الأعباء المادية على الأسرة لتبلغ ما يزيد عن 150 ألف ليرة شهريًا، كحدٍ للكفاية.

وتذهب مصاريف سوريي الداخل كأجارات بيوت ومأكل ومشرب ووقود ومواصلات واتصالات وغيرها من أمور الحياة اليومية.

وكان مدير “جمعية حماية المستهلك” التابعة لحكومة النظام “عدنان دخاخني” أكّد أن دخل السوريين لا يؤمّن سوى 10% من احتياجاتهم الأساسية، مؤكّدًا أن البقية يؤمّنون احتياجاتهم بطرقٍ مختلفة.

وبحسب ما رصدت “صدى الشام” فإن الحوالات الخارجية هي من أبرز طرق التغلّب على الضائقة الاقتصادية، فتكاد لا توجد عائلة سوريّة إلّا وتملك قريبًا في المغترب يرسل لها المال بشكلٍ شهري.

ومنذ أواخر عام 2013 اتجه نظام الأسد إلى منع شركات التحويل من تسليم المبالغ بالعملات الصعبة، وفرض تحويلها إلى الليرة السورية وفقًا لنشرة “البنك المركزي” التي تكون أقل عادةً من السوق بأكثر من 20 ليرة سورية.

هذا الواقع دفع بعض السوريين إلى حلولٍ بديلة لمنع النظام من الحصول على فرق التحويل بالسعر الذي يفرضه. وقال “عدنان” وهو سوري مقيم في اسطنبول لـ “صدى الشام”: “عندما علمت أن هناك فرقًا في قيمة العملة التي سوف تصل إلى أقاربي في الداخل بعد التصريف، لجأت إلى إرسال العملة إلى لبنان، لتصل إلى هناك بالدولار ومن ثم يتم نقلها إلى سوريا عبر أي سائق أعرفه”.

طريقة أخرى لجأ إليها “وحيد” وهو شاب سوري مقيم في الكويت، يقول وحيد إنه في كلِّ مرة يريد فيها تحويل الأموال إلى سوريا يقوم بصرف العملة الأجنبية إلى السوريّة ومن ثم يقوم بتحويلها إلى الداخل.

وبالمقابل فإن من ليس لديه شخص يحوّل له أموالًا من الخارج فقد يواجه أزمةً معيشية إذا لم يكن عنده اكتفاء من مصادر دخل أخرى.

ويلفت “أبو محمود” وهو رجل ستيني يعيش في العاصمة دمشق إلى أن الناس باتوا يطلقون على الحوالة الشهرية من الأقارب المغتربين لقب “الراتب الثاني” في إشارةٍ إلى أنها أصبحت عند البعض جزءًا أساسيًا من معيشتهم، ويضيف: “لديّ ولد يعمل في السعودية ويرسل لنا بشكلٍ شهري، ولا أعلم ماذا سيحلُّ بنا إذا توقّف عن ذلك” موضحًا أنه شاهد معارفه بدمشق يتّجهون لبيع مقتنياتهم الشخصية من الذهب والأغراض الخاصة لتأمين احتياجاتهم.



صدى الشام