مشهد علمي غير مسبوق في إدلب..6 جامعات وآلاف الطلاب

microsyria.com عبد العزيز عجيني

في الثامن والعشرين من آذار- مارس من عام 2015، طردت قوات الثورة السورية بفصائلها المختلفة قوات نظام الأسد في واحدة من أشرس المعارك التي عرفتها الثورات الشعبية عبر التاريخ، والتي نتج عنها تحرير مدينة إدلب، حيث وعي الناس ليروا مدينتهم وكأنها مدينة أشباح يتناثر فيها ركام الحرب ومخلفاتها عندما سقطت كل مواقع النظام ورموز سيادته في المدينة وغادر معظم سكانها خوفا من لهيب المعارك وغارات النظام الانتقامية ضد مدينة خرجت منذ بداية الثورة ضد نظام بشار الأسد وفقد فيها الكثير من قواته وهيبته. في أول صباح بدون سلطة النظام، كان الناس مذهولون مما جرى ومتوجسون مما سيجري لاحقا.

نفضت المدينة وباقي أنحاء المحافظة غبار الحرب، وبدأت رحلة شاقة لإعادة الحياة الى المدينة. فقد كان لزاما على الناس استئناف حياتهم اليومية، وقضاء حاجاتهم المعيشية اليومية. كان التعليم أحد الهواجس التي أرقت الناس، فالمدارس أغلبها مدمر بشكل جزئي والجامعة أصابها نصيب كبير من الخراب.

وهنا تشكلت هيئة مدنية مدعومة من فصائل المعارضة ومهمتها إدارة شؤون المدينة في شتى الميادين، واستطاعت تلك الإدارة بإمكاناتها القليلة أن تبدأ رحلة إعادة الحياة الى مرافق الحياة، وكانت إدارة التعليم العالي إحدى الهيئات التي أخذت على عاتقها صيانة وتشغيل الجامعة.

والمثير في الأمر أن هذه الجامعة الوليدة لم تكن تابعة للحكومة المؤقتة، وليس لها أي داعم أو راع رسمي. فبالرغم من وجود جامعة تتبع للائتلاف في ريف حلب وادلب، إلا أن تعقيدات المشهد الأمني والسياسي في المحافظة حالت دون اندماج هاتين الجامعتين في جسم أكاديمي واحد.

وبدأت تظهر جامعات خاصة هنا وهناك وجميعها تتبع لجامعات دولية منها: جامعة أكسفورد وجامعة الزهراء وجامعة الشام وجامعة إيبلا ليصبح عدد الجامعات العاملة في إدلب 6 جامعات.

ربما تكون هذه التجربة فريدة من نوعها حيث تعيش البلد في فوضى أمنية وغياب أي شكل من أشكال السلطة أو الدولة، ومع ذلك تستمر الدراسة في جميع هذه الجامعات بشكل شبه طبيعي وخاصة جامعة المدينة التي تتبع لإدارة مدينة إدلب.

رغم عدم وجود اعتراف من أي جهة أكاديمية بهذه الجامعة الناشئة، يواصل الطلاب دراستهم وبأقساط تكاد لا تسد تكاليف الدراسة ونفقات الكليات.

إنه مشهد علمي غير مسبوق يبرهن على أن هذا الشعب مصر على استمرار الحياة رغم المآسي والويلات والاستهداف شبه اليومي للمدينة من قبل طيران النظام والروس وطيران التحالف.

تتوقف الدراسة بسبب القصف ثم سرعان ما تستأنف وتعود لطبيعتها. إنه الإصرار على الحياة والتعلم. يقول أحدهم أن محافظة يفوق فيها عدد الجامعات عدد شرطة المرور لابد أنها معجزة. قد يبدو الأمر غريبا لمن لا يعرف طبائع الناس في محافظة إدلب التي عانت عقودا من التهميش خلال حكم الأسد الأب والابن.

هيومن فويس توقفت عند هذه التجربة الفريدة والتقت رئيس الجامعة بإدلب وسألته عن هذه التجربة والتحديات التي تواجهها، فقال الدكتور “مصطفى طالب” مدير إدارة التعليم العالي في إدلب في رده على سؤالنا حول كيفية تمكن هذه الجامعة من الاستمرار في هذه الظروف العصيبة:

يقوم وجود أي جامعة على ركائز ثلاث وهي الطلاب والهيئة التدريسية والبنى التحتية. هذه الركائز الثلاثة متوفرة في جامعة إدلب. أما بالنسبة للطلاب، فبالرغم من شظف العيش وعدم وجود اعتراف سياسي أو أكاديمي بالجامعة وارتفاع الرسوم قياسا إلى دخل الفرد، فقد تزايد عدد الطلاب ولا يزال يزداد يوما بعد يوم حتى وصل عددهم الى 7000 طالب مسجلين في جامعة ادلب.

أما فيما يخص الكادر التدريسي، فلدى الجامعة كوادر مؤهلة يفوق عدد الكوادر التي كانت موجودة أيام النظام قبل التحرير. أما المباني فبالرغم من الدمار والأضرار التي لحقت بالبينة التحتية أثناء عملية التحرير والاعتداءات المتكررة من الطيران.

تتميز جامعة إدلب بتوفر المباني والمرافق على عكس الجامعات الأخرى المنتشرة في المحافظة والمناطق المحررة، وجميع هذه المباني تتجمع في نطاق جغرافي واحد وهو إدلب المدينة لتأخذ شكل جامعة منتظمة وحقيقية وليست متباعدة المباني. كل هذا جعل من اليسير على الطلاب التنقل ومراجعة مكاتب وكليات الجامعة.

وأضاف الدكتور “طالب”، أما الجانب الأهم فهو الإخلاص في العمل والتفاني في خدمة الطلاب على الصعيد الأكاديمي والإداري من قبل الكوادر التدريسية والإدارية الأمر الذي ساهم في ازدهار الجامعة كمشروع حيوي يستثمر الموارد البشرية ويعدها لبناء المستقبل.

وإننا كمؤسسة تعليمية نهيب بكافة الجهات المحلية والدولية دعم هذا الصرح العلمي بعيدا عن الأجندات السياسية والغايات المشبوهة فبناء جيل مؤهل علميا هي مسؤولية وطنية وإنسانية وأخلاقية