أزمة المحروقات تصيب قطاعاتٍ بالشلل..والمواطنون من طابورٍ لآخر


 

ربما يكون مقّدراً على المواطن السوري أن يُحطم كل الأرقام القياسية بالصبر، فما أن يخرج من أزمة معيشية حتى تُلمّ به أزمة أخرى أشد وأعتى، وقد لا يكون آخر هذه الأزمات تلك المتعلقة بالمشتقات النفطية والتي تعتبر الأقسى والأكثر تعقيداً منذ بدء الثورة في سوريا.

وكانت حكومة النظام حاولت تخفيف حالة الاحتقان الشعبي بإعلانها أن ناقلة محملة بمليون برميل نفط وصلت إلى الشواطئ السورية وذلك في 14 شباط الجاري، مشيرةً إلى أن ذلك سينعكس عن حالة التقنين الكهربائي بالتحسن، بعد أن وصل إلى ذروته في معظم المحافظات.

وسبقت هذه الناقلة واحدة أخرى محملة بـ13 مليون ليتر بنزين تكفي سوريا لمدة 3 أيام فقط، وأكدت وزارة النفط أن الواردات ستأتي بشكل متتابع وأن الأوضاع ستتحسن بشكل تدريجي، وهنا لا بد من طرح سؤال: ما سبب حدوث هذه الأزمة الخانقة في المشتقات النفطية؟.

مصدرٌ مُطّلع أكد في تصريح خاص لـ “صدى الشام” أن سبب أزمات المشتقات النفطية هو تأخر ورود ناقلات النفط من إيران لمدة بلغت 4 أشهر، مُرجعاً ذلك لأسباب تقنية وفنية، وبطء في المعاملات بين الجانبين، وأشار إلى أنه وحتى هذه اللحظة لم تصل أية ناقلة نفط من إيران، وأن كل الناقلات الواردة هي من الجزائر.

وربط المصدر تأكيدات حكومة النظام بانفراج الأوضاع بعد منتصف شباط الجاري بما حدث من توقيع اتفاقيات عديدة بين الجانبين السوري والإيراني والذي حاز فيها الأخير على العديد من الامتيازت الاستثمارية في سوريا، كالمشغّل الخلوي الثالث والميناء النفطي وغيرها من المزارع والأراضي، مشيراً إلى أنه لولا هذه الامتيازت التي منحها النظام للجانب الإيراني لما حصلت سوريا على أية نقطة نفط من إيران.

وأكد المصدر أن وضع الطاقة في سوريا في أسوأ حالاته منذ بدء الثورة، وهذا يعود لسوء التخطيط الاقتصادي، فالواردات النفطية متوقفة منذ 4 أشهر والتحرك لإيجاد البدائل كان معدوماً من الجانب الحكومي إلى أن حدث ما حدث من أزمة، وكشف أن الوعود بتحسن دائم لوضع القطاع الكهربائي في سوريا هي مجرد أمل يحتاج إلى عمل، فالواردات التي ستحصل عليها سوريا من الفيول لا تكفي إلا لمدة شهرين فقط، وفي حال عدم قدرة قوات النظام على استعادة معمل حيان للغاز، فإن ذلك يعني عودة على بدء في أزمة الكهرباء.

لكن مصدراً آخر تحدث لـ صدى الشام أفاد بأن هناك معلومات غير مؤكدة حول سبب أزمة المحروقات تشير إلى تهريبها من المناطق الآمنة إلى الساخنة من قبل بعض ميليشيات النظام، وهذا التصرف لم يرُقْ لإيران التي قامت بتوريد كميات كبيرة سابقاً إلى سوريا.

وتقدر كمية المحروقات المهربة التي تدخل إلى المناطق الساخنة بريف إدلب بحوالي 1.500.000 ليتر بشكل يومي، سواء من  معبر أبودالي بريف السلمية المعروف بمعبر “الشيخ مبارك”، أو معبر “كوكب” بريف حماه الشمالي الذي يُطلق عليه معبر “علي مهنا”، أو معبر قلعة المضيق أو معبر أثريا.

ووردت معلومات أنه خلال الأسبوع الماضي قام أهالي قرية “بارمايا” بمنطقة بانياس باعتراض بعض الصهاريج وإفراغ حمولتها لأهالي القرية، ما قد يؤكد هذه الروايات وفق المصدر.

وبدأت ناقلات محملة بالنفط الخام وأخرى بالبنزين والمازوت تصل إلى سوريا بحسب تصريحات صادرة عن وزارة النفط، في حين بيّنت مصادر حكومية أن النظام خسر 6 بواخر محملة بالمشتقات النفطية خلال أقل من شهر نتيجة الإبلاغ عنها والسطو عليها في البحر أو مصادرتها بسبب العقوبات الاقتصادية، حيث تتراوح حمولة البواخر التي تمت مصادراتها- بحسب المصادر- بين 8000 طن  و 40 ألف طن من المشتقات النفطية.

 

 

 

أزمات المازوت

وخفّضت حكومة النظام إنفاقها من المشتقات النفطية بنسبة 50% لمعظم مؤسسات القطاع العام باستثناء بعضها، وأوقفت توزيع مازوت التدفئة على الأسر بشكل مؤقت، وهذه الخطوات دليل على أن الأوضاع ليست على ما يرام، وكان لها انعكاسات مباشرة على المواطن وحياته اليومية، فالأسعار بدأت بالارتفاع بحجة ارتفاع أجور النقل.

أبو ثائر “سائق سرفيس” قال لـ صدى الشام:”حالياً أنا متوقف عن العمل منذ أسبوع، فقد أضعت يومين كاملين في محطات الوقود للحصول على بضع ليترات من المازوت دون جدوى، فبعد الانتظار لـ 16 ساعة في طابور السيارات أمام الكازية خرجت خالي الوفاض، فعندما اقترب دَوري في التعبئة فرغت الكمية بالمحطة وأغلقت، ونتيجة لذلك شعرت بالإحباط واضطريت لشراء المازوت من السوق السوداء بسعر 500 ليرة لليتر لكونه متوفراً وأقل ذلاً”. كما يقول.

وأضاف أبو خالد: “المشاكل لم تنتهِ هنا، فتعرفة الركوب لم تعد متناسبة مع سعر المازوت، لذا فقد رفعت التعرفة كي لا أخسر، إلا أن المواطنين لم يتفهموا هذا الأمر، وبدأت الشكاوى عليّ، فاضطريت للتوقف عن العمل لحين حدوث انفراج في أزمة المازوت”.

ولأزمة المازوت تشعباتها وتداعياتها، فأزمة النقل كانت على أشدها نتيجة توقف السرافيس والباصات عن العمل، فما أن تمرّ على أي موقف للسرافيس حتى تجد مئات المواطنين ينتظرون قدوم أية وسيلة نقل تُقلّهم إلى مكان عملهم أو إلى منازلهم، وفي حال توفرت وسيلة نقل فتعرفة الركوب “مزاجية”، حسبما يقول “حسام” طالب بجامعة دمشق، مشيراً إلى أنه اضطر لدفع 7 آلاف ليرة هو وزملاؤه كأجرة “تكسي”، من ريف دمشق للوصول إلى دمشق، في حين كانت التعرفة لا تتجاوز ألفا ليرة للمسافة ذاتها وبوسيلة النقل نفسها، مؤكداً أن هذا الأمر جعله ينقطع عن الدوام في الجامعة لحين توفر المواصلات بسعر نظامي، ولفت إلى أن الوضع المادي لا يحتمل المصاريف الباهظة للأزمات.

غير أن الأمر لم يقتصر على ذلك، فمعظم المعامل والورش الصناعية توقفت عن العمل لأكثر من شهر، بل وانخفض الإنتاج بشكل مرعب، حيث أكد صناعي في ريف دمشق، أنه اضطر لإيقاف الإنتاج نتيجة عدم توفر المازوت في السوق النظامي وأيضاً في السوق السوداء، مشيراً إلى أنه اضطر أيضاً نتيجة ذلك لإيقاف رواتب العاملين وإلى هذه اللحظة ما يزال العمل متوقفاً على أمل تحسن وضع الكهرباء أو توفر المحروقات وخاصة بعدما سمحت حكومة النظام باستيراد المازوت للصناعيين.

 

 

استيراد

ولفت الصناعي إلى أن السماح للصناعيين باستيراد المازوت براً من لبنان والعراق حصراً سيواجه صعوبات لا تحصى، وسيرفع الطلب على الدولار بشكل تلقائي، لأن شراء النفط سيكون بالقطع الأجنبي، وبالتالي سينعكس ذلك على أسعار السلع والإنتاج في السوق المحلية، كما أن استيراد المشتقات النفطية يحتاج إلى دول وليس إلى أفراد وتجار وصناعيين، متسائلاً: لماذا لا تقوم الحكومة السورية بذلك بدلاً من التجار والصناعيين على اعتبار أن الاستيراد من لبنان سهل وقريب؟

وأكد الصناعي أن ما يحدث من أزمة خانقة في المازوت والفيول دفعت بالمعامل للتوقف عن الإنتاج وخاصة معامل السيراميك والزجاج والحديد، بالإضافة إلى معامل الألبسة، ويأتي ذلك في ظل الدعوات الكثيرة التي وجهتها حكومة النظام للصناعيين السوريين في الخارج للعودة إلى “الوطن”، مستغرباً ذلك بالقول: كيف لهم أن يعودوا في ظل غياب مقومات الإنتاج؟ الكهرباء وصلت لأسوأ حالاتها منذ بدء الثورة في سوريا، فهل يعقل أن يتم توليد ساعة واحدة فقط في ريف دمشق و4 ساعات في دمشق طيلة اليوم؟

وأشار إلى أن ما حدث من أزمة محروقات هو أمر مُدبّر مسبقاً للوصول للسماح بالاستيراد، فما أنْ طالب بعض الصناعيين بالسماح لهم باستيراد المازوت حتى وافقت الحكومة بسرعة وأصدرت التعليمات التنفيذية بوقت قصير. “أليس هذا أمراً غريباً ويثير الكثير من الأسئلة؟” يتساءل الصناعي.

 

بنزين وغاز.. ووعود

 أزمة البنزين لم تكن أفضل حالاً، حيث عليك أن تنتظر من الساعة 5 صباحاً في الطابور وأن تحضر معك كل ما تحتاجه من طعام وشراب إلى أن يأتي دورك، بحسب ما أكده “مهند” سائق “تكسي”، لافتاً إلى أن هذا الأمر كان له انعكاس مباشر على دخل أسرته، فساعات العمل قلّتْ كثيراً، وفي حال استمرار هذا الأمر “سنضطر للتسول دون أي شك”.

أما مادة الغاز المنزلي فما تزال أزمتها مستمرة حتى هذه اللحظة رغم مرور نحو شهرين عليها ورغم الوعود الحكومية بانفراج عاجل لها، فمع كل منخفض جوي تزداد الأزمة اختناقاً وزاد في الطين بلة وضع البنزين حيث توجه الكثير من أصحاب السيارات لتشغيل سياراتهم على الغاز بدلاً من البنزين، ما زاد الوضع تعقيداً.

وغيرَ بعيد عن نتائج أزمة المحروقات وتبعاتها فقد وصل سعر ربطة الخبز خارج الأفران إلى 150 ليرة سورية وذلك نتيجة ضعف الإنتاج وإغلاق بعض المخابز العامة والخاصة في دمشق وريفها لنقص المازوت، وزادت الطوابير طولاً وبات المواطن ينتقل من طابور لآخر، فمن البنزين إلى المازوت فالخبز، وهكذا.

“ربما هو زمن الطوابير، أو أن الطوابير اجتاحت سوريا”، بهذه الكلمات وصف سامر، وهو أحد المواطنين المنتظرين أمام الفرن، الحالة التي وصل إليها المواطن لكي يؤمن حاجاته الأساسية اليومية، وأضاف: “أكثر من نخشاه أن يطال الأمر المشافي أيضاً ومقاسم الهاتف، وبالتالي يمكن أن نقول بأن سوريا أصبحت كالصحراء، لا يمكن العيش فيها”.



صدى الشام