تعويضات النظام للمتضرّرين.. تلاعب بالحقائق ومبالغ لا تسدّ الرمق
21 فبراير، 2017
لم ينجُ الملف المدعو “تعويض المتضرّرين من الحرب السورية” من الفساد الذي تستخدمه مؤسسات نظام الأسد والتي وضعت معايير محدّدةً في عملية تعويض المتضرّرين، سواء بآلية التعويضات والإنصاف في توزيعها، أو تسييس هذه العملية وإجبار المواطن على الاعتراف القانوني بأن المعارضة السورية هي من دمّرت ممتلكاته، حتى يحصل على فرصة وضع اسمه ضمن لائحة المواطنين الراغبين بالحصول على تعويضات.
مئات آلاف المنازل المدمّرة
خلال سنوات الثورة في سوريا صدرت عدّة دراسات حول تدمير المباني، لكن أقربها إلى الواقع كان التقرير الصادر في أواخر عام 2013 عن منظمة “إسكوا” التابعة للأمم المتحدة، وقدّرت فيه عدد المنازل المدمّرة في سوريا بما يتجاوز مليون ونصف المليون مبنى سكنيًا وغير سكني، من ضمنها 315 ألف منزل تعرّضوا للتدمير الكامل، وحوالي 300 ألف منزل تعرّضوا للتدمير الجزئي.
وبحسب التقرير فإن محافظة حلب كانت الأكثر تعرضاً للدمار بحوالي 424 ألف مبنى، وتحتاج لما يقارب 187 مليار ليرة سورية لإعادة إعمارها، يليها ريف دمشق الذي دُمّرت نصف مبانيه بمعدّل 303 آلاف مبنى، ويحتاج لـ 145 مليار ليرة لإعادة الإعمار، ثم حمص بمعدّل 200 ألف مبنى، وتليها إدلب بحوالي 156 ألف مبنى مدمّر.
لكن مهندساً معمارياً يعيش في مناطق النظام يرى أن الوضع اختلف اليوم بعد مرور ثلاث سنوات على هذه الإحصائية اليتيمة.
وخلال حديثٍ لـ “صدى الشام” أوضح المهندس أن هناك تغيرات حصلت منذ إجراء هذه الإحصائية من ناحيتين: الأولى هي تصاعد وتيرة العنف والقصف في مرحلة ما بعد دخول عام 2014 وحتى اليوم، والتي شهدت أحداث تدمير هائلة، ومنها ما وقع خلال تقدّم قوات نظام الأسد في الغوطة الشرقية، بالإضافة للهجمة الدموية على حلب ومناطق أخرى.
أما الناحية الثانية فهي التغير الذي طرأ على كلفة إعادة إعمار هذه المنازل، ولا سيما أن الليرة السورية فقدت الكثير من قيمتها منذ إجراء الإحصاء وحتى اليوم.
ولفت المهندس- الذي رفض الكشف عن هويته- إلى عدم إمكانية طرح رقم تقريبي حالياً كون المسألة بحاجة إلى جهات بحثية وتوثيقية نزيهة، لكنه توقّع أن يكون الرقم قد تضاعف.
1.5 مليار ليرة قيمة التعويضات
في مقابل الأرقام التي تتحدّث عن حجم الكارثة التي ألمّتْ بالعمران السوري والتكاليف الجنونية لترميم ما تم تدميره فقد عوّضت حكومة النظام المتضرّرين بـ “2.4 مليار ليرة فقط”.
وبحسب تصريح لمدير الشؤون المالية في محافظة دمشق “محمد عوض” أدلى به العام الماضي فإن عدد الطلبات المقدّمة للجنة تعويض الأضرار الناجمة عن “الحرب” وصلت إلى 249 ألف طلب، من ضمنها المنازل والمحلات التجارية والسيارات.
وأضاف عوض: “أنه تم الكشف عن 9815 طلباً وتم رفع جداول أسماء بهذه الطلبات إلى لجنة الإعمار الرئيسة في وزارة الإدارة المحلّية، حيث تقدّر التعويضات بحدود 2.370 مليار ليرة، تم صرفي 1.35 مليار ليرة منها فقط، توزّعت على 7500 مواطن فقط من مجمل المتضرّرين”.
وأضاف أن “التعويضات لا تشمل سرقة المفروشات مهما كان نوعها”، وذلك فيما بدا أنه رفض من قبل النظام لتعويض السوريين عن سرقة أثاث منازلهم ضمن ما بات معروفاً بـ “التعفيش” الذي يقوم به الشبيحة”.
وتابع أنه يتم منح 40% من قيمة المبنى إذا كان ثمنه يصل إلى 250 ألف ليرة، ويُمنح مبلغ 100 ألف ليرة مقطوعة إذا كان ثمن العقار بين 250 – 300 ألف ليرة، فيما يتم منح 20% من قيمة العقار إذا كان سعره يتراوح بين 5 إلى 10 ملايين.
أما إذا كان سعر العقار بين 10 – 20 مليون، فيتم تعويض المتضرر بـ 15%، وإذا كانت قيمة العقار بين 20 -50 مليون يتم تعويضه بـ 10%، أما إذا كان ثمن العقار أكثر من 5 مليون فيتم تعويضه بـ 5% فقط.
حالات من الواقع
أبو محمود، أحد السوريين الذين دُمّرت منازلهم بشكلٍ كلّي في منطقة الحسينية جنوبي العاصمة دمشق، يقول هذا الرجل الخمسيني لـ “صدى الشام”: دمّر الطيران الحربي التابع للنظام المبنى الذي كنت أعيش فيه مع عائلتي بشكلٍ كلّي، وسُويت المنزل بالأرض، وبعد إجراءاتٍ روتينية استمرّت لستة أشهر تم تعويضي بمبلغ 120 ألف ليرة “240 دولار أمريكي”.
ويضيف: “المبنى مدمّر بالكامل والمبلغ الذي منحوني إياه غير كافي لشراء غرفة نوم أو بعض معدّات المطبخ، ونتيجة ذلك فقد بقيت أنا وعائلتي نعيش في قبو استأجرناه في مخيّم جرمانا بريف دمشق”، وبالتالي فقد استخدم قيمة هذا التعويض لدفع إيجار القبو الذي يعيش فيه لمدّة ثلاثة أشهر لا أكثر.
قصّة مشابهة حدثت مع “وداد” وهي ربّة منزل قُتل زوجها بقذيفة في العاصمة دمشق، تقول وداد: “أعيش حالياً مع أطفالي الأربعة في مركزٍ للإيواء غربي دمشق، بعد أن دُمّر منزلنا جراء القصف الذي استهدف نهر عيشة، وحتى الآن لم نتلقَّ أي تعويضٍ يؤمّن لنا منزلاً بديلاً نعيش فيه”.
وتوضّح أنها تحاول منذ أكثر من عام الحصول على تعويض لشراء أي منزل يؤويها مع أولادها دون جدوى، مشيرةً إلى أنها قامت بتقديم طلبات وإجراء مقابلات وطوابع وبيانات دون أن يتم تعويضها بقرش واحدٍ حتّى الآن.
تلاعب بآليات التعويض
من خلال الاطلاع على نسخة من الوثيقة التي وقّعها “أبو محمود” عند تسلمه مبلغ التعويض تبيّن أن الشخص الذي سيحصل على التعويض يجب أن “يقرَّ ويوقّع على أنه يريد الحصول على تعويض بعد أن دمّرت المجموعات الإرهابية المسلّحة منزله خلال قيامها بأعمالٍ تخريبية”، بحسب ما جاء في محتوى الوثيقة.
يضيف الرجل أنه على يقينٍ كامل بأن من دمّر منزله هي الطائرات الحربية التابعة للنظام، وأنه تمكّن من معرفة ذلك من شهادات متطابقة لجيرانه في الحي، لكنه فضّل عدم الاعتراض على مضمون الوثيقة خوفاً من اعتقاله، ومن إمكانية سحب التعويض منه حينها علماً أنه كان يأمل حينها أنه سيستطيع بالمال الذي سيناله أن يشتري منزلاً بديلاً.
يقول المحامي كمال س، الذي يعيش في العاصمة دمشق لـ “صدى الشام”: “إن نظام الأسد يستخدم عملية التعويض بطريقةٍ غير قانونية، فهو يتلاعب بقناعات الناس والحقائق المتوفّرة مقابل منحهم هذا المبلغ البسيط، إضافةً إلى أن آلية التعويض يجب أن تكون متكاملة وأن تمكّن الشخص المتضرر من شراء منزل أو عقار بدل منزله الذي فقده جراء القصف وإلّا فلا يُمكن تسمية العملية التي تتم الآن تعويضاً”.
وأضاف أن من الشروط الأخلاقية لعملية التعويض أن تكون شاملة وتشمل جميع المواطنين الذين دُمّرت منازلهم، متسائلاً: “من سيعوّض سكّان مدينة حمص الذي سًوّيت بيوتهم بالأرض ولجؤوا إلى لبنان؟ ومن سيعوّض سكّان حلب الذين دُمّرت منازلهم ونزحوا إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام أو إلى تركيا”؟.
ويختم المحامي بالقول: إن النظام يستخدم التعويض على أساسٍ مزاجي ولا يحقّق المساواة بين السوريين المتضررين”.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]