بغياب الشرطة.. حوادث خطف واغتيالات في ريف اللاذقية المحرر 


شهدت المناطق المحررة في ريف اللاذقية خلال الأسابيع الأخيرة تصاعداً واضحاً في عمليات الخطف والسلب والاغتيالات، وأدت بحسب شهادات من المنطقة لمقتل خمسة أشخاص خلال أقل من ثلاثة أيام، وهو ما أثار رُعباً بين السكان المدنيين، ودفعهم للتساؤل عن قدرة فصائل المعارضة في المنطقة على حماية قراهم المحررة، مع عدم وجود جهاز أمن للحماية والتحقيق بالجرائم المرتكبة أسوة بباقي المناطق.

ورغم أن ريف اللاذقية كان يعتبر من المناطق الهادئة نسبياً والبعيدة عن صراعات الفصائل والاغتيالات فقد تناقل الأهالي الأسبوع الماضي صوراً لجثة مقاتل من “الفرقة الأولى الساحلية” يدعى “فادي أحمد أكر” من أبناء مدينة الحفة، وقد رميت جثته في أحد الأماكن المهجورة، ويبدو على الجثة آثار التعذيب في أنحاء مختلفة من جسده، بالإضافة إلى حلاقة لحيته وشاربه من جانب واحد، في دلالة على إهانة تلقاها من قاتليه.

تلاها في اليوم التالي عملية اغتيال لثلاثة من مقاتلي “فرقة القادسية” بعبوة ناسفة وُضعت أثناء مرورهم بالقرب من محطة القطار في جسر الشغور حين كانوا متوجهين إلى نقاط الحراسة في جبل التفاحية بجبل الأكراد.

وأفاد الناشط الإعلامي بريف اللاذقية “رستم صلاح” بتعرض الأهالي للعديد من عمليات “التشليح” في الطرقات في الآونة الأخيرة، الأمر الذي سبب حالة من الخوف بين السكان ودفعهم لالتزام منازلهم.

ووفق “صلاح” الذي تحدث لـ صدى الشام فإن معدل الجريمة ازداد بشكل ملحوظ خلال الشهر الماضي، وأصبحت هذه الحوادث مألوفة للسكان نتيجة عدم ملاحقة مرتكبيها ووجود المحسوبيات الفصائلية وانحياز القضاء وعدم ثقة السكان به.

وتطرح هذه الأحداث المتتالية في ريف اللاذقية -وفق الناشط- تساؤلات عديدة حول سبب انتقال حالة الفلتان الأمني إلى هذه المناطق في هذه الفترة تحديداً، وغياب الفصائل المقاتلة عن معالجة هذه الخروق، لا سيما بعد فشل مشروع “الشرطة الحرة” خلال العامين الماضيين، وحالة العجز التي أدت لعدم الاتفاق على قوة خاصة تحمي المنطقة من الداخل، وتلاحق اللصوص والقتلة حسب تعبيره.

وفي معرض الإجابة على هذه التساؤلات أكد القائد العسكري في “الفرقة الأولى الساحلية” أبو يزن الشامي “أن ريف اللاذقية لم يشهد مثل هذه الحوادث خلال الأعوام الماضية بسبب حالة التقارب بين السكان المحليين وبين المقاتلين الذين هم من أبناء المنطقة”، ورجّح الشامي أن تكون عمليات الاغتيال التي استهدفت مقاتلين هي من أفعال “خلية تتبع للنظام بهدف خلق حالة من العداء بين الفصائل”.

وحول أسباب انتشار السرقات ألقى الشامي باللوم على بعض الفصائل دون أن يسمّيها وذلك بسبب ” تعنتها في دعم الشرطة الحرة التي تأسست في ريف اللاذقية عام 2015 وعدم السماح لها بالعمل بِحُرية”.

يضاف إلى ذلك وفق الشامي حالة “الفوضى التي عمّت المنطقة بعد تقدم قوات النظام الواسع في ريف اللاذقية وسيطرتها على معظم قراه” وهو الأمر الذي أدى “لانشغال المقاتلين بالجبهات وعدم الانتباه إلى الخطوط الخلفية ومعاناة السكان”.

وكان مشروع “الشرطة الحرة” في الساحل بدأ بالفعل قبل عامين بإنشاء ثلاثة مراكز في دويركة، وكنسبا، ومرج الزاوية بتمويل من  منظمة “آدم سميث” الأمريكية والتي سرعان ما أوقفت العمل بالمشروع بعد ستة أشهر فقط من بدايته بسبب “ملاحظات تتعلق بالهيكلية الإدارية والتنظيمية وضعف آلية المراقبة ومستوى الشفافية”.

 

من جانبه أرجع “سامر يونسو” وهو شرطي مدني منشق عن النظام وأحد العاملين في مشروع الشرطة سابقاً سبب غياب جهاز الشرطة حالياً في الساحل إلى “ضعف المعدات والآليات، وعدم وجود قوة داعمة تتبنى دعم العمل” وهو ما يؤجِل حالياً إطلاق مشروع الشرطة الحرة في ريف اللاذقية، وفق قوله.

ونوّه يونسو في تصريح لـ صدى الشام إلى وجود كوادر كافية في المنطقة تملك الخبرة الكافية في الجريمة والتقصي ولكن “غياب الاهتمام وعدم اتفاق الفصائل على دعم المشروع يمنع تطبيقه”.

ويعمل جهاز الشرطة الحرة حالياً في العديد من المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام لاسيما في إدلب ودرعا وبعض مناطق ريف دمشق بدعم من الحكومة المؤقتة ومنظمات دولية، ويتولى ملاحقة الجرائم والمخالفات وتنظيم السير ورعاية المشاريع الخدمية والإشراف عليها.

في السياق ذاته رأى “أحمد حاج بكري”، وهو صحفي ينشط حالياً في ريف اللاذقية، أن الحل لا يكمن فقط بإنشاء جهاز شرطة يتولى حفظ الأمن في المنطقة لأن “صلاحياته ستكون شكلية فقط”، وأضاف “ما لم تتنازل الفصائل المقاتلة عن التدخل بشؤون السكان وإعطاء الفرصة لتشكيل جهاز قضائي مستقل يخضع له الجميع بدون تمييز فإن أي حل سيكون عبثياً، ولن تتوقف الخروقات الأمنية أبداً”، وفق رأيه.

وختم حاج بكري حديثه بالتساؤل عن دور الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية وأبناء المنطقة في بناء مؤسسات فاعلة وقوية خلال السنوات السابقة، مضيفاً أن بعض المناطق في ريف اللاذقية ورغم خروجها عن سيطرة قوات النظام منذ خمس سنوات ما تزال تعاني من أزمات الخدمات والأمن والإغاثة وغيرها ولم يبادر أي طرف بالمضي قُدماً لتنظيم أوضاعها.

وكان ريف اللاذقية تعرض بعد التدخل الروسي لحملة عسكرية شرسة هجّرت معظم سكانه وخسرت حينها فصائل المعارضة جزءاً كبيراً من القرى فيما نزح قرابة 80 ألف مدني إلى مخيمات عشوائية أقيمت على الشريط الحدودي مع تركيا.



صدى الشام