في بلاد اللجوء.. سوريات يتسلّحن بالأمل والعمل
22 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
عُرِفوا بحبهم للعمل، وبجودة وكفاءة منتَجهم، وبتحدّي ظروفهم القاسية، كما عُرِفوا بحبّهم للحياة، شعبٌ لم يتوقع أحدٌ يوماً أن يحلّ به ما حلّ من ظلم وقسوة الحرب وتبعاتها التي تطلبت منهم اللجوء إلى دول الجوار، فكان من هذه الدول من أكرمهم واستقبلهم ضيوفاً، ومنها من رفضهم وأهانهم واعتبرهم عالةً على مجتمعه، مما انعكس عليهم سلباً أو إيجاباً، وبالنتيجة فإن بعض اللاجئين من ارتضى أن يعيش حياتهم “بالقلّة والدلّة” على المساعدات التي تقدَّم له من المنظمات الإنسانية في المخيمات أو خارجها، أما آخرون فقد شكّل لهم هذا الأمر تحدّياً، ومدّهم بالإصرار والعزيمة لمتابعة مسيرة الحياة اعتماداً على أنفسهم وكدّ يمينهم؛ إنه الشعب السوري الذي كان وما زال يفاخر بمنتجه المتقن في دول الجوار.
ويتيح الواقع في الأردن مشاهدة النموذجين السابقين من السوريين، وبين هذا وذاك تشكل “أم عامر” نموذجاً متفرداً للإصرار، وقصة نجاح تجسّد إرادة الاستمرار التي جعلتها تؤسس مشروعها الخاص.
“أم عامر” امرأة سورية من مواليد مدينة دمشق 1977، تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد بجامعة دمشق، وتابعت في مجال الدراسات الإسلامية وأصول الدين، إلا أنها لم تتمكن من إكمال دراستها بعد الزواج نظراً لأن زوجها ينحدر من أسرة محافِظة.
هي أم لثلاثة أطفال، كانت مقيمة في السعودية حتى 2007، ثم عادت إلى سوريا لتسكن في منطقة ركن الدين التي كانت من أولى المناطق المشتعلة في دمشق عام 2011، بعدها قررت السفر خارج البلاد خوفاً على أطفالها، فكان أقرب بلد هو الأردن.
وعندما انتقلت إلى الأردن كان لا بد من البحث عن مصدر رزق، فإما أن تعتمد على نفسها أو أن تنتظر ما يُقدّم للاجئين السوريين، حينها قررت أن توظف مهارتها في الطبخ لتجني رزقها بيدها ولتحيا حياة كريمة، وبدأت تنتج الحلويات في بيتها مع مجموعة من صديقاتها، وتشارك بمنتجاتها في بازارات المدارس والمعارض، مما ساعدها على ادخار مبلغ من المال لتبدأ مشروعها الخاص.
بدأ مشروع “أم عامر” من جمعية “بشائر الخير” التي كانت تساعد الفقراء وتطعم الصائمين في رمضان، فقامت بطبخ الطعام لهم في مطبخ الجمعية الصغير بدلاً شرائه من المطاعم، كانت التجربة موفقة، واختتمتها “أم عامر” بصنع الحلويات وبيعها مع نهاية شهر رمضان وحلول العيد، وعاد ذلك عليها بمبلغ جيد، مما جعلها تفكر بالمباشرة بمشروعها عبر إنشاء مطبخ سوري تعمل فيه نساء سوريات ممن فقدن معيلَهُن، واللواتي لمست في قلوبهن اليأس والتعب.
لم تلبث أم عامر أن انفصلت عن جمعية بشائر الخير، وبكثير من الإرادة والتصميم، وقليل من التمويل من المقرّبين، حصلت على التراخيص اللازمة، وافتتحت مطبخها الخاص الذي جهّزته بأقل الأدوات وانطلقت منه نحو التوسّع والتطوّر، وأطلقت عليه اسم “الأيدي الشامية”.
ورغم مواجهة بعض الصعوبات في البداية فيما يتعلق بغلاء أسعار المواد الأولية، وصعوبة التسويق، ومحاربة السوق، إلا أن “أم عامر” لم تتوقف، وعقب كل سقوط كانت تعاود الوقوف ثانية.
واليوم تنسى “أم عامر” تعبها عندما تسمع ثناء الزبائن الذي اعتادوا على طعام مطبخها الشهي، مثل: “كأني عم باكل طبخ أمي”، “هادا الأكل بيرجّعني لجو الشام”، فبهذه الكلمات تتذوق “أم عامر” طعم النجاح مما يشكلّ لها دافعاً قوياً للاستمرار.
أما النساء اللواتي يعملن في المطبخ، فهنّ يجِدنَ فيه عملاً ممتعاً لا سيما في ظل الأجواء الأسرية التي يسعين جميعاً لأن تكون السائدة في المكان، كما أن العمل يكفيهنّ سؤال الناس واللهاث وراء المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية، والتي قد لا تكفي لأيام، لا سيما أنهن لا يحملن شهادات جامعية تخوّلهن لعمل جيّد.
تعمل أم عامر الآن على تطوير العمل وتوسيعه، وتطمح لأن يصبح مشروعها في المستقبل القريب شركة شرق أوسطية، وهذا ما تخطط له وتسعى إليه، وهي واثقة من بلوغه يوماً، وتنصح كل امرأة سوريّة داخل أو خارج سوريا ألا تترك لليأس مكاناً في قلبها، فلا بد من وجود الأمل، ولا بد أن يكون “الجاي أحلى” كما تقول.
تُنشر بالتعاون مع شبكة الصحفيات السوريات
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]