ثوار ريف حمص الشمالي وأسلوب التصعيد بالتصعيد


طارق الضحيك: المصدر

تميز الخطاب الثوري في الشمال الحمصي بلهجة صلبة وعنيفة منذ البدايات الأولى لانطلاق الحراك الثوري في سوريا، وبدا واضحاً اندفاع الثوار للتصعيد الدائم ودخول الحرب المفتوحة والمنظمة الملتزمة بنهج ومطالب الشعب السوري، فأعلنوا في بداية أكتوبر 2011 عن تشكيل مجلس عسكري يضم عدة مجموعات مقاتلة خاضت أول معركة مسجلة بتوقيع الجيش السوري الحر في تاريخ الثورة السورية.

وتعاملت قوات النظام مع هذه المنطقة بأشد الوسائل عنفاً وأقذر الأساليب، فاجتاحت المنطقة بعشرات الآلاف من العناصر، وحاصرتها ودعمت المليشيات الطائفية في محيطها، وتلا ذلك استخدام كافة أنواع الذخائر في استهداف المدن والبلدات، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد.

وفي سياق هذا الحقد، نفذ الطيران الروسي أولى غاراته في سوريا على هذه المنطقة ومدنها نهاية أيلول 2015، ويستمر منذ ذلك الوقت إلى اليوم برمي عشرات الصواريخ بكافة الأنواع والأحجام، وأدى ذلك إلى حدوث مجازر مروعة ودمار واسع فضلاً عن الصدمة النفسية التي طالت الصغار والكبار على حد سواء.

“أبو عدنان” أحد أعضاء مجموعات التوثيق في ريف حمص الشمالي، وفي حديث خاص لـ “المصدر”، قال إنه أحصى سقوط أكثر من 350 طناً من الذخائر في أسبوع واحد على المنطقة، وعند سؤالنا له هل يعتبر هذا الأسبوع في عداد التصعيد أجاب: “لا أبداً”.

وتحاول كتائب الثوار أن تتعامل مع هذه الأوضاع بالشكل الذي يخفف عن الأهالي معاناتهم المستمرة، إلا أن قوات النظام لم تخفف من حملاتها رغم الاتفاقيات التي تبرمها الجهات الأمنية بين الحين والآخر مع فعاليات مدنية، الأمر الذي اضطر كتائب الثوار إلى إصدار بيان نهائي عنوانه “الدم الدم، والهدم الهدم” بتاريخ 30/8/2016 في إشارة إلى تجاوز ميليشيات النظام لجميع الخطوط الحمراء، الأمر الذي سيجعل الخيارات أمام الثوار مفتوحة بشكل كامل.

وأفادنا في هذا الخصوص “أبو غازي”، أحد قادة ما يسمى المجموعات المركزية في ريف حمص الشمالي، بقوله: “عملياتنا ستستمر ضد مواقع قوات الأسد بكل الأحوال حتى يتم إسقاطه. قمنا بهجمات متعددة في ريف حماة الجنوبي وفي محيط الكليات الحربية قرب الوعر، وحتى في حال دخلنا في اتفاقات وقف إطلاق النار فإننا سندخل فقط للحفاظ على قرارنا الموحد مع بقية الفصائل في سوريا، ولن نتوانى عن الرد حسب قواعد الاشتباك”.

وفي إشارة هامة من أحد الضباط برتبة عقيد، والذي رفض الكشف عن اسمه، قال: “قمنا بتوزيع السلاح بشكل اختصاصي بعيداً عن التقسيمات الفصائلية، الجميع متعاون وزادت هذه الخطوة من تلاحم المقاتلين، وكان أهمها إنشاء سلاح المدفعية، وهو عبارة عن كتيبة متخصصة بالسلاح المدفعي وتشترك فيها كافة الفصائل”.

ومنذ ذلك الحين تقدم سرايا المدفعية التابعة للثوار على استهداف مواقع عدة في محيط ريف حمص الشمالي بقذائف الهاون والمدفعية وصواريخ الكاتيوشا، وترد على مصادر النيران الموجودة في مجالها وتتعامل معها بالصواريخ محلية الصنع.

وذكر “أبو محمد”، وهو قيادي ميداني في “سلاح المدفعية” في حديث لـ “المصدر” عن الرد العسكري: “بالأساس نحن نسعى لهدفين. إسقاط الاسد وحماية الأهالي، ورداً على قصف المنطقة المستمر صعدنا من تحركاتنا العسكرية على عدة جبهات مستخدمين في ذلك القذائف الموجهة والصواريخ المضادة للدروع”.
وتخلق هذه الحالة من القصف والقصف المعاكس حالة إنسانية مزرية، لكن “مصطفى” أكد: “نسعى إلى حقن الدماء ما أمكن، إلا أننا لن نتوانى عن التصعيد مقابل التصعيد، فنحن مؤمنون أن السن بالسن والعين بالعين والحرب سجال، ونحاول دائماً إجبار العدو على مواجهتنا برياً حيث أثبتنا تفوقنا مرارا”، وتشتهر عبارة “لم يعلموا ما أخفي لهم، ستكون جبهاتنا مقبرتهم” على ألسنة المقاتلين في المنطقة، وحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي رسائلهم لمليشيات النظام.

وتتعطل الحياة المدنية بكافة أشكالها عند اندلاع القصف المتبادل، حيث تتوقف المدارس وحركة التجارة البسيطة والنشاطات اليومية، خاصة مع تركيز ميليشيات النظام على الأعمال الانتقامية والإجرام الممنهج باستهداف مفارق الطرقات والأسواق والتجمعات السكانية.





المصدر