مهاجرة سورية: أصدقاء على ضفاف سكايب!


في حالات الفرح أو الحزن، نلجأ للأصدقاء دائماً، فلا شيء يخفف من قسوة الحياة أو يبعث السعادة في النفس كمجالسة الأصدقاء والحديث معهم. إلا أن التعرف على أصدقاء جدد ليس بالأمر السهل في ألمانيا وخصوصاً بوجود الكثير من العوائق.

سألني صديق منذ فترة بعيدة عن الهوايات التي أقوم بها في أوقات فراغي، وعبثاً حاولت تذكر أياً منها، أذكر كل الأمور التي كنت أحبها وأردت بشدة تنميتها في ألمانيا، إلا أن انشغالي بأمور أخرى أساسية أبعدني عما أحب، شرحت له ذلك ومن ثم ذكرت بأنني أنا لم أعد أنا نفسي كما كنت قبل سنوات، فقال : “أيا يكن، لا تسمحي لأي شيء بتغييرك”. بقيت كلماته عالقة في ذهني، أتذكرها دائماً، ولكن كيف لي ألا أتغير وقد تغيرت الحياة كلياً من حولي بدءاً من الوطن وصولاً إلى لون السماء.. والأهم من ذلك، بُعدي عن أصدقائي الذين كنت أتشارك معهم معظم الأوقات.

عندما غادرت سورية كنت حريصة جداً على لقاء والاتصال بكل أحبتي قبل أن أسافر، لأنني كنت أعلم أن لا شيء بعد ذلك اليوم سيكون كاملاً بالنسبة لي، وستكون السعادة ناقصة دائماً في غيابهم.

الآن، أقول لصديقتي التي تعيش في سورية، لنلتقي على ضفاف السكايب بعد العمل، نعم السكايب نفسه، الذي لا ضفاف له كنهر الراين، ولا مقاعد خشبية صغيرة كأحد المقاهي الدمشقية، وليس بحديقة أو متنزه، هو فقط تلك النافذة الافتراضية الزرقاء التي نطل من خلالها على أصدقائنا وأحبتنا أينما وجدوا. ولعل إضافتي لكلمة “ضفاف” تتيح لخيالي رسم نهر افتراضي يصل ما بيننا ليختصر المسافة ويعزز الحضور. فالاشتياق للأصدقاء كالاشتياق للذات، لأنهم يكملون حياتنا، ومعهم نكون على سجيتنا.

تعرفت في ألمانيا إلى أصدقاء جدد رائعين، وبحكم دراستي في برنامج دولي، معظم زملائي من غير الألمان، غالباً من البلدان العربية أو من دول أجنبية أخرى. وكنت أفكر دائماً بأن أفضل طريقة للتعرف على ألمانيا هي مصادقة الألمان كي أحسّن لغتي الألمانية، ولتبادل الثقافات، والأهم هي الحاجة للأصدقاء. كان التعارف غالباً عبر أصدقاء مشتركين، غير أن تكوين صداقة أو حتى التعارف لم يكن بالأمر السهل. عائق اللغة كان حاضراً معظم الوقت، في معظم الأوقات نتحدث الألمانية والإنكليزية معاً، طريقة التفكير مختلفة، حس الفكاهة يختلف، حيث كنت أجد نفسي في مواقف متعددة أتحدث وأضحك بمفردي، أو أسكت عندما يضحك الجميع لأنني لا أجد طرافة فيما قيل. الآن وبعد عدة سنوات من إقامتي في ألمانيا، توطدت علاقتي بعدة أصدقاء ألمان، استطعنا الحفاظ على صداقتنا رغم اختلافاتنا. منذ مدة، أخبرتني صديقتي الألمانية بأنها في بداية تعارفنا كانت تراقب كلامها وأفعالها جيداً أثناء تعاملها معي كنوع من المراعاة لما تعرفه أو ما تعتقد بأنها تعرفه عن المجتمع الذي أنتمي إليه، غير أنها تفاجأت بأن الفكرة الجاهزة لديها عن سورية وعن وضع المرأة في سورية مختلفة تماماً عن الواقع، واستطاعت لاحقاً أن تفهم المزيج الثقافي الموجود هناك الذي يختلف بين منطقة وأخرى، لذا شعرت بعدها بارتياح أكبر في التعامل. تفهمت ذلك، والحقيقة بأنني كنت أشعر أحياناً بأن التقرب من جهتهم ينبع من الشفقة، إذ كانت ملامح الحزن والتعاطف تُرتسم بوضوح عندما أجيب بأنني سورية، ولا أنكر بأن هذا الأمر كان يضفي شعوراً من عدم الارتياح بالنسبة لي، لأن مفتاح العلاقات الإنسانية يُبنى على الشخصية لا على الموطن، ولكن استمرارية هذه العلاقات تظهر حقيقتها، فيما إذا كانت صداقة أو مجرد فضول وتعاطف لا غير. المثير للاهتمام،  بأن جوهر الصداقة لا يختلف باختلاف المجتمعات، إذ لا تتردد صديقتي الألمانية بمساعدتي أبداً، حتى عندما أغرقها بوابل من الرسائل أو المعاملات البيروقراطية المكتوبة باللغة الألمانية الرسمية التي لم أفهمها. وكذلك صديقي الألماني الآخر، الذي يجيب دائماً عند حاجتي لمساعدته وسؤاله عبر رسالة قصيرة، هل أنت هنا؟: بـ “أنا هنا دائماً “.

بالرغم من تجربتي الإيجابية، إلا أنني ما زلت أشعر بفقدان جزء مني، فأشتاق لنفسي سابقاً، وللضحكات القديمة، لأسرار صغيرة خبأتها في قلوب أصدقاء المدرسة، ولأغاني وكلمات تحمل قصصاً اختبرتها يوماً مع أصدقاء الطفولة، الذين قد تكون نظرة واحدة بيننا كفيلة بإضحاكنا لساعات دون لغات وكلام. وكما قال لي صديقي، لن أسمح لأي شيء بتغييري، وسأعود لبعض الهوايات القديمة لمشاركتها مع أصدقائي الجدد، وأثناء ذلك، سيظل الضوء الأخضر على (ضفاف السكايب ) لامعاً حتى ينطفئ بلقاء واقعي قريب.



صدى الشام