نجحوا بكسب صداقة المحيط.. قصة أسرة سورية بألمانيا يستعد أولادها لدخول الجامعة


تعيش الفتاتان ميار ونوار البليش في بلدة صغيرة هادئة في ولاية بافاريا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وحصلت الشقيقتان على حق اللجوء والإقامة ثلاث سنوات.

والفتاتان القادمتان من دمشق تقيمان اليوم مع عائلتهما كلاجئين في ألمانيا وتذهبان إلى دورة لتعلم اللغة الألمانية وتريدان دخول الجامعة ودراسة اختصاص يلبي طموحاتهما.

وفي العيد الماضي قضت الاثنتان أياماً في صنع بطاقات ووزعتاها على الجميع في البلدة التي تعيشان فيها، دليلاً على الصداقة. ورغم ذلك تقول ميار: "معظم الناس (..) لا يفهمون حقا الخوف والوضع الذي تركناه خلفنا في سوريا."

تحتاج ألمانيا للعمال المهرة في الوظائف التقنية مثل هندسة السيارات والمعادن والسباكة وتطوير البرمجيات بالإضافة إلى الصحة والتمريض.

والمشكلة أن هذا المسار لا يلائم الفتاتين. فقد حصلتا، مثل حوالي 20 بالمائة من السوريين الذين وصلوا في الفترة الأخيرة إلى ألمانيا، على قسط وافر من التعليم وتأملان دخول الجامعة؛ غير أن المسؤولين في النظام التعليمي يضغطون عليهما لاتباع مسار مهني.

وقالت ميار (21 عاماً): "أسوأ ما في الموضوع أن (..) الناس (..) يعتبروننا لاجئين أغبياء لا فائدة فيهم ولن ينجزوا أي شيء."

وفي سوريا كانت الشقيقتان طالبتين في جامعة دمشق.  وكانت ميار تدرس الأدب الانكليزي وكانت نوار واحدة من أفضل خمس طالبات في قسم التصميم الداخلي. وكانت والدتهما طالبة معهما في الجامعة وتدرس الأدب الفرنسي. أما والدهما منير البالغ من العمر 53 عاماً فكان يعمل لدى الحكومة مدرساً للتصميم التقني.

غادرت الشقيقتان دمشق مع والدتهما وأشقائهما في أغسطس/ آب عام 2015. وتبعهم الأب والتأم شمل الأسرة في عيد الميلاد الماضي. أسكنت الحكومة الأسرة في بلدة شيلينغسفورست الهادئة مع نحو 40 لاجئاً آخرين يبلغ متوسط أعمارهم 41 عاماً.

وأسرة البليش هي الأسرة السورية الوحيدة في البلدة التي يبلغ عدد سكانها 2275 نسمة.

ويقول "مايكل ترزيبينسكي" رئيس البلدية إنه يود بقاء بعض اللاجئين بصفة دائمة "فبينهم من يؤدون عملاً عظيماً وأفراد يريدون فعلا الاندماج الكامل في المجتمع."

التقى "جيرالد باير" المتطوع الألماني بالأسرة للمرة الأولى في حفل عيد الميلاد عام 2015 حيث كان يرتدي زي بابا نويل/ سانتا كلوز. وقال إن الأسرة تتعلم اللغة الألمانية بسرعة. وأضاف: "هم أيضاً في غاية الانفتاح والبشاشة ويتواصلون مع الآخرين وأعتقد أن هذه ميزة كبيرة".

بدأت الشقيقتان أخذ دروس في اللغة الألمانية بمدرسة تقنية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 كما تلعبان الكرة الطائرة في ناد محلي.

وفي بعض الجوانب وجدت الشقيقتان أن التحرر في ألمانيا بلغ حداً مريعاً. في الطريق إلى المدرسة لاحظتا فتاة يبدو أنها لا تفتأ تغير لون شعرها من الأخضر إلى الأرجواني إلى الوردي ثم إلى الأزرق. ودهشتا لأنهما شاهدتا نساء يرتدين الشورت القصير أو يمشين وبطونهن مكشوفة.

وقالت نوار (22 عاماً): "الناس هنا ليس عندهم قيود ليس عندهم قواعد للملابس ويمكنك أن ترتدي ما تريد وأن تصبغ شعرك. وهذا يجعلنا نفكر فيما إذا كان هذا صالحاً أم لا."

في المدرسة عرض عليهم المدرس صورة للفنان "كونشيتا فورست" الذي يظهر بمظهر نسائي وملابس نسائية وسبق أن فاز في مسابقة يوروفيجن للغناء.

وقالت ميار وقد اتسعت عيناها السوداوان دهشة: "كان يرتدي فستاناً لكن له لحية أيضاً". أتقنت نوار حالات التذكير والتأنيث والجماد في اللغة الألمانية. وقالت "هو ليس امرأة وليس رجلاً". واستعرضت إتقانها للغة باستبعاد أدوات التعريف غير الملائمة له واختيار أداة التعريف التي تناسبه.

وكان رد فعل سوريين آخرين مختلفاً تماماً عن هذا التسامح. لكن ميار تعتقد أنها ستعتاد التعايش مع الحريات مثل المثلية الجنسية. وتقول "في البداية عندما سمعت عنها خطر ببالي أن هذا جنون وغباء وأنه لا يوجد في العالم من يفعل ذلك. لكني فكرت وقلت لنفسي لا بأس. هم غريبون بعض الشيء. ربما بعد عام أقول هذا جيد. حسن."

وقال "هانز ايمرت" المدرس المتقاعد في شيلينغسفورست إنه يتفهم رد فعل الشقيقتين. وهو معجب بصمودهما الأخلاقي ويعتقد أن كثيرين غيره من الألمان معجبون به أيضاً. ويقول "بل أعتقد أن ذلك قد يوفر حافزاً ايجابياً". وأضاف أن أخلاق الأسرة تتضمن قيماً "فقدناها للأسف."

ولم يكن الجميع متفهمين. فعندما كانت الفتاتان توزعان بطاقات العيد حيت ميار امرأة تسقي بعض النباتات. فقطبت المرأة جبينها واستدارت وطلبت من ميار الابتعاد وقالت إنها لا تريد التحدث معها.




المصدر