‘إلحاق الأطفال بالمدارس: صراع اللاجئين السوريين الشاق في روسيا’
26 فبراير، 2017
لا يستطيع الأطفال السوريون الذهاب إلى المدارس في روسيا طالما أنهم لم يتمكنوا من الحصول على وضع لاجئ حرب. على الرغم من الأخطار البيروقراطية وبهدف تمكينهم من الدراسة، قامت اللجنة المعنية بتقديم المعونة الاجتماعية، إحدى المنظمات الروسية غير الحكومية وعن طريق الدعم المقدم من قبل منظمة الأمم المتحدة بافتتاح مدرسة في نوجينسك، وهي بلدة في ضواحي موسكو يسكنها العديد من السوريين المشتتين. تقرير مترجم من صحيفة Kommersant الروسية عن مدرسة للاجئين السوريين في موسكو.
تبعد نوجينسك ساعة ونصف في القطار عن موسكو، وهي منشأة مهدمة من القرن التاسع عشر.
في النصف الأول من المبنى: يوجد بعض من الشقق السكنية، أما في النصف الآخر فتوجد قاعتان دراسيتان لمدرسة للاجئين السوريين. منضدة مصنوعة من مادة مقاومة للماء تتكئ على يمين العتبة. فتيات مرتديات الحجاب يجلسن عليها.
توجهت إليهن «مرحباً، هل هذا هو مكان المدرسة؟». هززن برؤوسهن ورددن التحية.
دخلت إلى قاعة استقبال معتمة و متسخة، فأتى من خلفي مباشرةً عدة أطفال يركضون ويتكلمون اللغة العربية بشكل سريع؛ وفتحوا لي الباب الصحيح. المدرسة من الداخل تبدو نظيفة ومضيئة ومرممة حديثاً، يعمل فيها أربعة معلمين، يقومون بتعليم الأطفال اللغة الإنكليزية والعربية والروسية والرياضيات.
تستقبل المدرسة ثلاث مجموعات من التلاميذ: فئتان للصغار الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ 5 و 9 سنوات وتضم من سبعة إلى ثمانية أطفال، وفئة أخرى للكبار الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ 9 و الـ 13 سنة وتضم ثمانية تلاميذ، جميعهم من السوريين.
كيف وصل السوريون إلى نوجينسك
في القرن التاسع عشر، تم التجهيز لمعمل أنسجة ضخم في نوجينسك: معمل بوغوروديتس-غلوكوفسكيا الذي تم إغلاقه في سنة 1990. وبطريقة ما، ومن السنة ذاتها 1990، قام عدد من رجال الأعمال العاملين في مجال صناعة الألبسة والتي تعود أصولهم لحلب المدينة السورية بالمجيء إلى مدينة نوجينسك بهدف إعادة افتتاح المعمل فيها وبشكل جزئي. ومع بداية الحرب الأهلية السورية، قاموا بجلب عائلاتهم وأصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم إليها. وهكذا تكونت هنا شريحة واسعة من المشتتين السوريين خلال فترة أربع سنوات. في الوقت الحالي، مايزيد عن 10000 لاجئ سوري يتواجدون في روسيا بحسب اللجنة المعنية بتقديم المعونة الاجتماعية. يقيم 2000 شخص منهم في ضاحية موسكو هذه التي يبلغ عدد سكانها 100000 نسمة. ومن الطبيعي جداً أن تنشأ قضية التحاق الأطفال بالمدارس، فالأسر السورية عادةً ما تضم من خمسة إلى سبعة أطفال.
ولكن مدارس نوجينسك الحكومية ترفض استقبال الصغار السوريين غير المسجلين في محل إقاماتهم، وفق ما ينص عليه القانون الروسي ويلزمه على كل طالب في مدارسها. ولم تتمكن العديد من الأسر السورية بعد من الحصول على صفة لاجئ، ولذلك يتعذر عليهم تسجيل أنفسهم في الشقق السكنية التي يقومون باستئجارها في نوجينسك، الإجراءات هنا تأخذ مدة طويلة ممكن أن تستغرق عدة أشهر ويمكن أن تكون نتائجها غير مضمونة. لا يوجد هناك لا تسجيل ولا مدرسة من دون الحصول على صفة لاجئ، والعديد من العائلات السورية هنا هم في عداد مهاجرين غير شرعيين وقد يتعرضون في أي لحظة لخطر الطرد.
ولذلك قامت لجنة تقديم المعونة الاجتماعية بالسعي في هذه القضية وراء الحصول على إعفاء من هذا المرسوم من قبل وزارة التعليم. ومنذ حوالي سنة تقريباً قامت المحكمة العليا بالموافقة على هذا الطلب. “ولكن كما وضّح ممثلو اللجنة لكومرسانت فإنه ما من شيء قد تغير على أرض الواقع. فالسلطات المحلية للبلدية المسؤولة عن رعاية التعليم تهدد مدراء المدارس بفرض عقوباتٍ جزائية عليهم فيما لو قامت مؤسساتهم التعليمية باستقبال سوريين. ومنذ عدة شهور ونحن في صدد مخالفة جميع القوانين في سعينا من أجل أن يحصل كل طفل على حقه في الذهاب إلى المدرسة. السنة الماضية تمكن ثلاثة أطفال فقط من بين أكثر من 60 طفلاً من ارتياد مدارس المدينة والمدارس القريبة منها”.
وفي مواجهة هذا الوضع، في شهر كانون الأول من سنة 2014 قام الناشط المدني السوري مُعِز أبو الجدايل بجمع مبالغ من المال من السوريين في الشتات، وأتاحت له هذه المبالغ الفرصة لاستئجار نصف مبنى في مركز مدينة نوجينسك. وقام بتوظيف مدرسين وبدأ معهم بوضع دورات لتعليم اللغتين العربية والروسية للأطفال. ومع بداية شهر كانون الثاني من سنة 2015، تكفلت لجنة تقديم المعونة الاجتماعية بدفع الإيجار لهم. ولكن على الرغم من كل هذا، قامت السلطات المحلية المعنية بشؤون الهجرة بالبحث في موضوع المدرسة وقاموا باستدعاء كل من مُعِز ومالكة المبنى وتم تعريضهم للاستجوابات والتحقيقات. ثم ماذا، قامت هذه الأخيرة بعد ذلك بالطلب من السوريين بإخلاء المبنى. وفي شهر آذار من سنة 2016، تم نقل المدرسة إلى منشأة أخرى في نوجينسك، ولا تزال تقوم بعملها إلى الآن في ذات المكان.
المصاعب والقيود التي يفرضها الروس
يبدأ الدرس في الساعة الحادية عشرة صباحاً. مكتب كبير، ست منضدات مكتبية للتلاميذ، جدران مزينة بالأحرف الروسية المرفقة بالرسومات التوضيحية. الأطفال يجدون صعوبة في حفظ أسماء الأشياء والألقاب الروسية: كل المدرسات بالنسبة لهم أوتيتلنيتس “تحريف لكلمة اوتشيتلنيتس الروسية”: “معلمة ابتدائي”. فالمعلمة المسؤولة عن فئات الصغار إيلينا دروزدوفا، صحفية تتّبع في الوقت الحالي دورة إعداد معلمين. فهي قد علمت عن طريق الإنترنت أن المدرسة كانت تبحث عن مدرسة للغة الروسية من أجل تعليم أطفال سوريين، وكانت حينها بدون عمل فقررت أن تجرب حظها.
وبحسب اعتقادها، أن العقبة الرئيسية تكمن في حقيقة كون الكتابة العربية وطريقة النطق بها، تتضارب وبشدة مع تلك الروسية. «وإضافة إلى ذلك المستويات فيها تفاوت. حيث يمكن لمجموعة واحدة أن تضم أطفالاً من فئات عمرية مختلفة. وتشير إيلينا إلى أنه بالنهاية يجب علينا ألا ننسى أن هؤلاء الأطفال كانوا يعيشون في ظروف الحرب. إنني مسؤولة عن فئة الأطفال الصغار فقط ولكن فئة الأطفال الأكبر سناً بالفعل هم يعملون بشكلٍ جيد. والبعض منهم تُعتبر هذه السنة المدرسية هي السنة الأولى بالنسبة له. أحياناً يواجهون صعوبات في فعل بعض الأشياء التي يفعلها الأطفال الروسيّون في عمر خمس أو ست سنوات: كالرسم والتقطيع واللصق… السنة الماضية، أحد الأطفال كان ينام بكل بساطة في الصف، لأن الدروس لم تكن تثير اهتمامه أبداً! أما هذه السنة فإنه يصغي إليها بشكل جيد. بالنسبة لي، أهم شيء الآن هو تعليمهم القراءة».
أحد الدروس التي يحضرها سبعة تلاميذ اليوم تبدأ بالتدريب على الأحرف الصوتية المتحركة، يخرجها الأطفال ببراعة. ولكن السهل يزداد تعقيداً حينما تطلب المدرسة جمع حرف ساكن مع كل حرف متحرك، ومن ثم تطلب منهم التعرف على الأحرف التي تتركب منها تلك المقاطع الصوتية الملفوظة. ومن أجل حل هذا التمرين الصعب، قام الأطفال مع بعضهم البعض بالاستعانة باللغة العربية.
خلال فترة الاستراحة، طلب مني التلاميذ أن أهجّي لهم مقطعاً بمقطع لكلمة طويلة كانوا قد رأوها في الكتاب: فران-تسو-جان-كا (« الفرنسية »). وتعثروا في نطق الصوتين « ts » و « tch » غير الموجودين في العربية. ولكن التقدم الذي يحرزونه ملموس وواضح: فدرساً عن درس وأسبوعاً عن أسبوع بات الأطفال يتأقلمون مع اللغة ويستوعبونها شيئاً فشيئاً. يحادثونني باللغة الروسية ولكن بطريقة منزلقة مروراً باللغة العربية من حين لآخر أو طالبين المساعدة من رفاقهم.
– توجهت إليهم بسؤال: ما الذي أعجبكم بروسيا؟
+ أجابوا بصوت واحد: الثلوج.
– هل ترغبون في الذهاب إلى المدرسة العامة؟
+ المدرسة الكبيرة؟ نرغب ذلك بالتأكيد فيوجد فيها هناك الكثير من الأطفال!
– كيف سمعتم عن أولئك الأطفال الآخرين؟ ألديكم أصدقاء روسيون؟
+ يوجد لدينا أصدقاء لطيفون وآخرون أشرار وسيئون، الشيء الذي وضحته لي بشكل جدي جداً فتاة تبلغ ثلاثة عشرة عاماً، البعض منهم يقول عنا إننا سيئون ولكن الآخرين هم أصدقاؤنا.
– هل ترغبون في العودة إلى وطنكم؟
+ نعم، ولكن فقط عندما سيكون الوضع فيها هادئاً قليلاً. أنا لا أشاهد الأحداث اليومية الجارية، ولكن أهلي الذين ما زالوا هناك في الوطن يتصلون بي ويخبرونني أنه يوجد قصف وتفجيرات جداً عنيفة. وكما أخبرتني إحدى الفتيات والتي تعيش في نوجينسك مع والديها وأخيها الصغير منذ ثلاثة أعوام تقول: أما أنا فلا أستطيع تذكر شيء؛ فلقد غادرنا بلادنا مع بداية هذه الحرب، ولكن اثنتين من أخواتي الأكبر مني سناً تزوجتا مع بداية الحرب وبقيتا في سوريا.
الحجاب أو المدرسة
انتهت الاستراحة. بدأت إيلينا ليبديفا بالدرس، وهي مدرسة من موسكو مسؤولة عن فئة الكبار. الموجودون فقط هم خمسة تلاميذ – بنتان وثلاثة صبية مفعمين بالحيوية. وعلى مايبدو أنهم أكثر هدوءاً من «فئة الصغار». يقومون بكتابة إملاءة و يقرأون عن غيب أبيات شعر من دواوين الشاعر الروسي سرغي يسينين.
خلال فترة الاستراحة، الفتاتان من فئة الكبار تقفان بعيداً عن فئة الأولاد الكبار. غفران ونورة تبلغان 12 سنة و ترتديان الحجاب بالفعل. ولكن هذه الحالة لا تنطبق على جميع صديقاتهما. عند بلوغ سن معينة، لا تستطيع الشابة الظهور أمام الناس إلا بصحبة أبيها أو أخيها. باستثناء الذهاب إلى المدرسة أو إلى المتجر، كما وضحتا لي. وعن سؤالي الموجه لهما لمعرفة ما الذي ستفعلانه فيما لو تم قبولهما في «المدرسة الكبيرة» ولكن من دون السماح لهما بارتداء الحجاب فيها هناك، كانت إجابتهما بأنهما قد اتخذتا القرار -الذي لم يكن لصالح المدرسة- لحد الآن، لم تواجه الفتاتان أي صعوبة في الالتزام بتعاليم دينهما، حتى اللحم، تقوم عائلاتهما بشرائه من متجر الحلال، قام أحد مواطنيهما بافتتاحه. عندما سألتهما: «في المستقبل، ماهي المهنة التي ترغبان بممارستها؟»، كلتاهما قامتا برفع أكتافهما وأجابتا بفخر: «نحن سوف لن نعمل. فعندنا، النساء لا تعمل».
يتكلم الأخوان نور وعمر الروسية على شكل تام تقريباً وتبلغ أعمارهما 11 و 14 عاماً. هذان الصبيان لديهما ما يسمى بالإقامة: كل أوراقهما جاهزة ومرتبة، وفي غضون ثلاث سنوات تمكنا من الحصول على مستوى جيد جداً في اللغة الروسية، واعتباراً من شهر أيلول القادم، سوف يتمكنان من الذهاب إلى المدرسة العامة. بيد أن المؤسسة التعليمية التي سيقومان بالذهاب إليها تقع خارج المدينة – هذا ما خصصته لهما السلطات المحلية، لأنه لا يوجد هنالك مكان في مدارس نوجينسك. لا يوجد لدى عمر ونور أي خوف من التنازعات مع التلاميذ الروسيين، اختتم عمر: «في بداية الأمر, كنا قد عانينا من القليل من الإضراب؛ وحتى أنني تعاركت ذات مرة مع صبي روسي. ولكن الآن كل شيء بخير، وأصبح لدينا عدة أصدقاء روسيين».
رابط المادة الأصلي: هنا.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]