لاجئون في ألمانيا يفكّرون بالعودة


يبدو حليم، وهو لاجئ سوري في ألمانيا، مكبّلاً، هو الذي لم يجد عملاً بعد. في غربته التي لم تكن سهلة، تنقّل الرجل الأربعيني بين أكثر من بلد مجاور لبلده الأم سورية، منها لبنان وتركيا، قبل أن يقرّر المخاطرة والسفر إلى ألمانيا عبر البحر الأبيض المتوسّط. حاله حال غيره من اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا في عام 2015، بعدما أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فتح بلادها لهم.

لم يتوقّع يوماً، هو الذي يملك خبرة طويلة في ميكانيك السيارات، ألّا يجد فرصة عمل في بلد يتمتّع بأقوى اقتصاد في أوروبا، رغم كلّ التسهيلات التي قدمت له. يقول: “كلّ يوم في ألمانيا، أجد نفسي مجبراً على تحمّل مصاريف كثيرة، علماً أنّ الدولة تتكفّل بتسديد بدل إيجار المنزل”. ويلفت إلى أنّه يستفيد من المعونة الاجتماعيّة الشهريّة التي تقدّر بنحو 400 يورو للفرد.

المشكلة الأكبر بالنسبة لحليم، الذي خسر اثنين من أشقّائه في الحرب السوريّة، أنّه كان يأمل أن يتمكّن من مساعدة أولادهما اليتامى، خصوصاً بعد نزوحهم من بلدتهم في حمص نتيجة تعرض منازلهم للدمار. لكنّ وضعه المالي حال دون ذلك، فهو بالكاد يرسل إليهم مائة يورو شهريّاً يحاول توفيرها من المعونة التي يحصل عليها وزوجته، بعد احتساب المصاريف الثابتة، من فواتير الكهرباء والهاتف الخلوي وبطاقة النقل وغيرها. ويأمل أن تتحسّن أحواله حتّى يتمكّن من مساعدتهم بمبلغ أكبر، إذ يدرك أنّ ما يبعثه إليهم قليل، في ظلّ ندرة العمل وارتفاع أسعارالمواد الغذائية والإيجارات في سورية.

وأكثر ما يقلقه هو أن يطلب أحد أفراد عائلته مبلغاً من المال بسبب حالة طارئة، من دون أن يكون قادراً على تلبيته. يقول: “في الأسبوع الأخير من كلّ شهر، أكون عاجزاً عن تأمين الخبز لعائلتي. أقدّر كلّ التقديمات والمعاملة الحسنة التي نحصل عليها من السلطات الألمانية، لكنّ الحياة تتطلّب أن يكون الفرد على قدر المسؤوليّة”.

ورغم تمكّنه من عمله، إلّا أنّ اللّغة وعدم امتلاكه شهادة مهنيّة يجعلانه عاجزاً عن إيجاد فرصة عمل. ما زال يأمل في أن يساعده أحد المهاجرين المقيمين في البلاد، علّه يحصل على عمل في مهنته ولو بدوام جزئي، حتّى لا يضطرّ إلى العمل كموظف أمن في شركة خاصة، وهي إحدى فرص العمل القليلة المتاحة للاجئين على حدّ قوله، بالإضافة إلى العمل في مجال التنظيف أو المطاعم، وبراتب ضئيل.

في ظل هذا الواقع، يفكّر كثيراً بالعودة إلى وطنه، إذ لم يتمكن من التأقلم في حياته الجديدة، في ظل العادات والتقاليد المختلفة. يقول إنّ “الوضع مختلف هنا، حتى في جوانب الحياة البسيطة منها والمعقّدة”. يضيف: “إذا ما واجهت مشكلة ماليّة في سورية، كنتُ ألجأ إلى أحد أقاربي أو أصدقائي للاستدانة، أو الشراء بالدين من بعض المحال التي أعرف أصحابها ويعرفونني. أما هنا، فأعيش غريباً عن المجتمع والمحيط، وأجد صعوبة في التأقلم”.

وعلى غرار حليم، يفكّرعدد كبير من اللاجئين بالعودة إلى وطنهم متى توفّرت الفرصة المناسبة، وهو ما قد يترجم فعليّاً على الأرض في المرحلة المقبلة، في ظلّ الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها السلطات الألمانيّة. ولجأ المكتب الاتّحادي للهجرة واللاجئين إلى تقديم حوافز ودعم مالي للراغبين بالعودة الطوعية، أو الذين رفضت طلبات لجوئهم، أو الذين لم تبت طلباتهم بعد.

وتأتي هذه الخطوة، بعدما بدأت الحكومة اعتباراً من الأول من الشهر الجاري، تطبيق برنامج نموذجي يقضي بتقديم المساعدة المالية لحقّ العودة الطوعية، وهو ما أشارت إليه رئيسة المكتب الاتّحادي للهجرة واللاجئين يوتا كورد، في حديثها إلى صحيفة “فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ”. ولا يتطلّب من اللاجئ سوى اتخاذ القرار بالعودة للبحث في إمكانية الدعم، على أن يصار أولاً إلى تحديد موعد لمقابلة شخصيّة، بالإضافة إلى بعض الشروط الأخرى، منها إعادة المال في حال قرّر مجدداً العودة إلى البلاد. ومن المقرّر أن يمنح المكتب مبلغاً مالياً يصل إلى 1200 يورو للبالغين، و600 يورو لمن هم دون 12 عاماً، و800 يورو لكل من رفضت طلبات لجوئهم، بالإضافة إلى تذاكر السفر. وتحظى العائلات التي يزيد عدد أفرادها عن أربعة أشخاص على 500 يورو إضافية، علماً أنّ برنامج الاتحاد الأوروبي لشبكة الاندماج يعرض مساعدات أخرى، منها مبلغ 2700 يورو كهبة تمكن هؤلاء من تأسيس مشروع تجاري أو مهني في بلدهم، بالإضافة إلى الاهتمام بأمور حياتية يومية بينها المساعدة في البحث عن سكن والمعاينة الطبية والاستشارة القانونية.

وأظهرت تقارير صحافية ألمانيّة، أن المشروع القائم حالياً، والمدعوم من الحكومة، والذي تشرف عليه كلّ من وزارتي الداخلية والتنمية، خُصّص له مبلغ 40 مليون يورو إضافية هذا العام. وأكّد وزير الداخلية، توماس دي ميزيير، أنّ الحكومة ستستبعد من هذا البرنامج مواطني دول بعينها، مثل دول غرب البلقان، بهدف تفادي إساءة استخدام البرنامج.



صدى الشام