للباب من إسمها نصيب



إياد الجعفري

لا شك أن مدينة الباب، تحمل من اسمها نصيباً. ذلك أن سيطرة الأتراك عليها، قد تكون باباً لمنعطفات دراماتيكية جديدة، في المشهد السوري.

فالأتراك أمام خيارين، بعد الباب. الخيار الأول، أن يستمروا قدماً، وفي هذه الحالة، سينفتح الباب أمام صدام محتمل مع حلفاء الروس، ممثلين بالنظام والميليشيات المقاتلة إلى جانبه، أو مع حلفاء الأمريكيين، ممثلين بقوات “سوريا الديمقراطية” ذات القوام الكردي.

أما الخيار الثاني، أن يكتفي الأتراك بما أنجزوه في الشمال السوري، تجنباً لأي صدام مع حلفاء روسيا أو أمريكا. وفي هذه الحالة، يكون الأتراك قد حققوا الحد الأدنى من أهدافهم، وهو منع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من تحقيق عملية الوصل الجغرافي بين كانتوناته الثلاث.

تُوحي التطورات المتسارعة، إعلامياً، وميدانياً، خلال الساعات الـ 24 الأخيرة، أن الخيار الأول وارد بقوة. فالأتراك صرحوا مراراً أن وجهتهم بعد الباب، ستكون إلى منبج. الأمر الذي يعني، الصدام مع قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وهو ما دفع مسؤولاً في ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” إلى التصريح، عبر “فرانس برس”، بأن مسؤولاً عسكرياً أمريكياً، رفيعاً، أكد التزام واشنطن بحماية الميليشيات الكردية في منبج من أي هجمات قد تشنها قوات تركية أو قوات مدعومة من أنقرة.

فرانس برس حذفت الخبر لاحقاً، مما يُوحي بأحد أمرين، إما أن تصريح مسؤول “قوات سوريا الديمقراطية”، لا يتمتع بالمصداقية، وأن الأمريكيين لم يعدوا الأكراد بذلك، فعلاً. أو أن الأمريكيين أرادوا إرسال رسالة ناعمة للأتراك، مفادها، لا تتوجهوا صوب منبج.

بالتزامن، شهد ريف حلب الشرقي، وتحديداً، ريف مدينة الباب، خلال الساعات الـ 24 ساعة الأخيرة، انسحاب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من عشرات القرى والبلدات، لصالح قوات نظام الأسد والميليشيات الداعمة لها. وكأن تنظيم الدولة، يخلق حزاماً من النظام، في وجه أي تقدم تركي في عمق ريف الباب الشرقي الجنوبي، باتجاه محافظة الرقة.

ومن المعلوم، أن الأتراك أبدوا مراراً، رغبتهم بالمشاركة في عملية “تحرير” الرقة، من سيطرة تنظيم “الدولة”، بالشراكة مع الأمريكيين، شريطة تهميش الأكراد عن تلك العملية. وهو السيناريو الذي أُشيع، خلال الساعات الـ 24 الأخيرة، أيضاً، بأن الإدارة الأمريكية تدرسه، على مضض، وسط إيحاءات بعدم رضاها عن أهلية قوات المعارضة المدعومة تركياً، للقيام بهذا الدور، بعد أن تطلبت السيطرة على مدينة الباب، ما يزيد على 100 يوم.

بكل الأحوال، يُجمع مراقبون على أن قرار الإدارة الأمريكية الجديدة، حيال مع من ستتحالف في معركة الرقة، سيحدد مسار المشهد السوري المستقبلي، في الأمد المتوسط. فإذا تحالفت واشنطن مع الأتراك، بالفعل، فذلك يعني، صداماً محتملاً مع الروس، وحلفائهم على الأرض، ممثلين بالنظام والمليشيات الشيعية الرديفة. وإذا تحالفت واشنطن، مع الأكراد، كما يُرجح الكثيرون، فذلك يعني تعاظم التوتر الأمريكي – التركي، مع احتمال أن تقدم أنقرة على إجراءات هدفها عرقلة معركة “تحرير” الرقة، ليس أقلها، عرقلة الدعم اللوجستي الأمريكي لقوات “سوريا الديمقراطية”، والذي لا بد أن يحتاج للعمق التركي، أو للعمق “الكردي”، في شمال العراق، المتحالف مع الأتراك أيضاً.

كخلاصة، يبدو أن إقدام الأتراك على الخيار الأول، بعد الباب، وهو متابعة السير قدماً، إلى منبج. قد يعيد خلط الكثير من الأوراق، والتحالفات، من جديد.

وبناء على ذلك، يرجح أن يكتفي الأتراك بحدود ما أنجزوه، وألا يتورطوا في مواجهة، سواء مع قوات النظام، التي باتت تطوّق الباب، تقريباً، من ريفها الجنوبي الشرقي، أو مع قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكياً، التي تطوّق الباب، بدورها، من ريفها الشمالي الشرقي.

لكن يبقى السؤال، إذا اختارت واشنطن، كما يُتوقع، التحالف مع “قوات سوريا الديمقراطية”، ذات القوام الكردي، لإتمام عملية “تحرير” الرقة، فكيف ستتعامل مع تبعات ذلك؟، ومن سيسيطر على الرقة وريفها الشاسع، ذي الغالبية العربية؟، هل يملك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الموجّه الفعلي لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، القدرات الإدارية واللوجستية، والعسكرية، الكافية، لإحكام السيطرة على الرقة وريفها الشاسع؟، ألن تكون الرقة، الثقب الأسود للأكراد؟

أسئلة عديدة، تطرح نفسها بإلحاح، حول المشهد السوري. ويبقى الجواب لدى الأمريكيين، الذين يُعتقد، أن لا استراتيجية واضحة لديهم. أو على الأقل، لا يملكون إجابات لأسئلة عديدة، تتعلق، بماذا بعد طرد “تنظيم الدولة” من الرقة.

يقدم الأتراك حلاً مُريحاً، لما بعد “تحرير” الرقة. فهم الأقرب للديمغرافيا السُنية المتواجدة في تلك المحافظة، وهم الأقدر على ترتيب عمليات إدارتها، بالتعاون مع حلفائهم المحليين. لكن الإشكالية، هي في أن الشراكة الأمريكية التركية في “تحرير الرقة”، تعني صداماً مع الروس، وحلفائهم، نظام الأسد وإيران، الذين لن يقبلوا تهميشهم من المشهد برمته، لذلك، تراهم يسارعون للسيطرة على ريف الباب، وينسل تنظيم “الدولة” من المنطقة، علها تكون مقتلة لجميع خصومه، في ما بينهم، بصورة تتيح الانشغال عنه.

بكل الأحوال، الكثير مما يتعلق بمستقبل سوريا المنظور، مرتبط بقرار الأتراك حيال مرحلة ما بعد “الباب”، وبقرار الأمريكيين حيال مع من سيتحالفون، في معركة “تحرير” الرقة. وهي قرارات سرعان ما ستتضح في أفق زمني قريب جداً.

“المدن”




المصدر