بينها بيع المولدات والأسلحة وتصريف العملة .. الغاية تبرّر “المهن البديلة” في المناطق السورية المحررة


لم يترك الوضع الاقتصادي المتردي خياراتٍ كثيرة للناس في شتى المحافظات السورية، وإن كان بعضهم قد حاول التكيّف مع الظروف بوسائل عدة تتعلق بالإنفاق أو زيادة الدخل فإن الأمر استدعى عند آخرين حلاً جذرياً تمثّل بتغيير مهنته من الأساس، ففي ظل تراجع مهنٍ معينة كانت سائدةً حتى وقت قريب كان لا بد للباحثين عن واقع معيشي أفضل أن يتخلوا عما أتقنوه عبر سنوات ليعملوا بما يوفر لهم احتياجاتهم المادية.

هذا المشهد قد يطالعنا بوضوح في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فبعد أن اعتاد عدد من أصحاب المهن على العمل بما ورثوه عن آبائهم أو ما تعلموه عبر تجاربهم الذاتية فإنهم اضطروا لخوض تجارب عملية جديدة تعيلهم على أقل تقدير، أو تحقق لهم الأرباح المنتظرة .

ومن بين هذه المهن المستحدثة ما ارتبط بالواقع المستجد نتيجة تدهور الوضع الخدمي كبيع وتصليح “بابور الكاز” بأنواعه القديمة والجديدة والذي نتج عن انقطاع عبوات الغاز تارةً وغلاء أسعارها تارةً أخرى.

 

 

ولا يختلف الحال هذا بالنسبة لمحلات ومتاجر أخرى كانت تبيع الكهربائيات فيما سبق، كما حصل مع “أبو محمد” من ريف حلب الغربي والذي قال لـ “صدى الشام” :”بعد أن قطع النظام الكهرباء عن المنطقة أُجبرت على تبديل بضاعتي المكونة من أدوات كهربائية منزلية وغيرها بأخرى تتألف من بطاريات الشحن مختلفة المقاسات والتي تبدأ أسعارها بـ 5 آلاف وتصل حتى 70 ألف ل.س، فضلاً عن بيع (الأبيال) الكهربائية متوسطة الأسعار”.

وبما أن البطاريات آنفة الذكر لا تفي بالغرض لدى جميع سكان المناطق المحررة خاصة المحلات التجارية والمراكز الكبيرة للمنظمات وغيرها فقد كان لا بد من وجود وسائل بديلة تغطي الحاجة، لذا فقد لجأ العديد من التجار إلى المولدات الكبيرة (أمبيرات) لتخدم كلٌّ منها منطقة أو حي معين، ويدفع السكان مقابل الاشتراك بها مبلغًا ماليًا شهريًا يتراوح بين 2200 و 2500 ألف ل.س، ووفقاً لعملها يتم إيصال الكهرباء ضمن فترات محددة يصل أقصاها إلى 5 ساعات.

ومن المهن التي طالها التغيير أيضاً هناك التصوير الفوتوغرافي، فالمصور “أبو حسام” قام بإغلاق محله نتيجة ضعف الإقبال من الناس، وقام بافتتاح (كشك) صغير فيه عدد من براميل المازوت والبنزين، وعن ذلك يقول : “بما أن كثيرين عمدوا لفتح محلات تجارية يبيعون فيها المولدات مختلفة الأحجام والتي تعمل على المحروقات فقد لجأت لبيع المحروقات للناس، وإن مردود عملي في الكشك حالياً أفضل منه في التصوير الفوتوغرافي رغم ارتفاع أسعار المحروقات معظم الأحيان ووصول سعر ليتر البنزين الواحد لــ 450 والمازوت 375 ل.س”.

 

 

من جانب آخر برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة افتتاح محلات تجارية كبيرة تعرض الألبسة العسكرية وشتى الأدوات المرافقة لها حتى الأسلحة بأنواعها خصوصاً مع غياب الأمن، وهو ما جعل تلك المحلات تسوّق بضاعتها لمن يرون أنهم في حاجة من المدنيين إضافة لعناصر الفصائل العسكرية المقاتلة ضد قوات النظام حسب ما يلفت “هشام” من ريف إدلب الجنوبي في حديثه لــ صدى الشام، وكان “هشام”، وهو أحد المدنيين، قد اقتنى مسدسًا للدفاع عن نفسه.

أما سوريون آخرون فكانت خياراتهم أبسط من ذلك في بحثهم عن مصادر دخل بديلة، واتجهت إلى بيع ما تم فقدانه أو حرمان المناطق المحررة منه كما حصل مع باعة المولدات الكهربائية، فمع قطع النظام للماء عن المناطق الخارجة عن سيطرته عادت مهنة بائع الماء المتجول للانتشار في الطرقات بشاحنات صغيرة (صهاريج) لتعبئة خزانات سكان المناطق المحتاجة.

 

 

ومع استمرار انخفاض الطلب في الأسواق وارتفاع أسعار السلع ومنها الغذائية بعد تصاعد موجات النزوح نحو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فقد قام عشرات الأشخاص بفتح مستودعات كبيرة يوجد بداخلها مئات السلع والسلل الغذائية الموزعة من المنظمات الإنسانية والتي باعها بعض السكان لهم بأسعار منخفضة على اعتبار أنها فائضة عن حاجتهم.

وفي مجال آخر من مجالات العمل الجديدة فقد شكّل تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار فرصة لكسب المال مع اتجاه غالبية التجار في المناطق المحررة للتعامل بالدولار على وجه التحديد، وبالتالي فقد وَجد مئات التجار في محلات الصرافة مصدر رزق لهم وبات لا يخلو شارعٌ منها مع ارتياد السكان لها يوميًا وعلى رأسهم العاملون في المنظمات الذين يتقاضون رواتبهم الشهرية بالدولار.



صدى الشام