نظام الأسد يناور في جنيف ويَقتل في سوريا


تمضي المفاوضات بين الأطراف السورية في جنيف مُركزةً على ورقة تسلّمها وفدا النظام والمعارضة من المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بشأن تشكيل ثلاثة فرق عمل خاصة بملفات الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات، بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، بينما عمد النظام إلى تصعيد عملياته العسكرية في عموم المناطق السورية على نحو لافت، بغية إفشال المفاوضات ودفع وفد المعارضة إلى الانسحاب منها كما يبدو، كما حصل في جولة المفاوضات السابقة.

وبعد خلافات في الأيام الاولى من المفاوضات دارت حول تشكيل وفد المعارضة وطريقة الجلوس وأسلوب التفاوض بين الوفدين بشكل مباشر أم غير مباشر، تسلم وفدا النظام والمعارضة في اليوم الرابع من المفاوضات ورقة من المبعوث الدولي دي ميستورا تتضمن دعوات لترك مسائل “مكافحة الإرهاب” والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار لمفاوضات أستانا، والتركيز في جنيف على ثلاث قضايا متضمنة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهي الانتقال السياسي والدستور والانتخابات.

وقال الدكتور يحيى العريضي، عضو وفد الهيئة العليا المعارض، “إن الاختلاف بين مضمون الورقة التي وزعها دي ميستورا وتلك التي حملها وفد المعارضة إلى جنيف يكمن في مقاربة المسألة، حيث يرى دي ميستورا أنها تكون عبر التركيز على مختلف الملفات بشكل كامل سواءً الانتقال السياسي والدستور والانتخابات إضافة إلى أمور أخرى لها البعد الإنساني بالتوازي مع البنود 12 و 13 و 14 من قرار مجلس الأمن 2254”.

وتركز المعارضة على ضرورة بدء الانتقال السياسي من خلال منظومة كاملة الصلاحيات، بينما يرفض نظام الأسد التسمية، ويدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بوجود بشار الأسد.

وتتحدث الورقة عن تشكيل حكم موثوق شامل غير طائفي، وجدول زمني لصياغة دستور جديد، وتنظيم انتخابات حرة نزيهة تجري تحت رقابة الأمم المتحدة ومتوافقة مع الدستور الجديد.

وقدّم دي مستورا في وثيقته مقاربة جديدة تقترح بحث مسائل التفاوض الثلاث بشكل متزامن متخطياً قرار مجلس الأمن الذي ينص على تشكيل حكومة انتقالية أولاً، تقوم لاحقاً ببحث مسألتي الدستور والانتخابات.

واقترح دي ميستورا تشكيل مجموعات عمل خاصة بكل نقطة من هذه النقاط الثلاث معتبراً أن  “إحراز تقدم في أي من هذه المواضيع الثلاثة سيكون موضع ترحيب، ولا اتفاق على شيء منفرد، ما لم يتم الاتفاق على جميع الأمور” مشيراً الى أن المحادثات ستكون من جولتين، حيث يتم في الجولة الحالية تخصيص يوم واحد لبحث كل موضوع من المواضيع الثلاثة بشكل ثنائي.

 

 

وحسب الورقة، فإن دي مستورا مستعد للمشاركة بشكل مباشر في المحادثات.

وطالبت الوثيقة بأخذ فترة راحة في 5 مارس/آذار، من أجل التحضير للجولة الجديدة من المحادثات، وقد طلب وفدا المعارضة والنظام بمنحهم مزيداً من الوقت من أجل تقييم الوثيقة التي سلّمها دي ميستورا لهما الجمعة الماضي.

وذكرت مصادر صحفية أن دي ميستورا لم يستبعد إضافة بنود أخرى تتعلق بإعادة الإعمار، مع تأكيده ضرورة “عدم الاعتداء اللفظي من وفدي الحكومة والمعارضة وعدم الطعن بشرعية بعضهما”.

وكانت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، دعت في وقت سابق إلى عقد مؤتمر دولي يربط إعادة الإعمار بالانتقال السياسي في بروكسل في 7 نيسان المقبل.

ورأى رئيس وفد المعارضة السورية في جنيف نصر الحريري أن نظام الأسد في أسوأ حالاته، وأنه تفاجأ بمواجهة دي ميستورا له بالانتقال السياسي، إذ أن النظام لا يفكر بالانتقال السياسي، مشيراً إلى أن المعارضة جاءت إلى جنيف من أجل الانخراط الإيجابي بعملية سياسية حقيقية تؤدي للانتقال السياسي.

وعلى هامش المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة كانت مفاوضات أخرى تجري بين “وفود” المعارضة حيث سعى الوفد الرئيس القادم من الرياض إلى ضم منصتي القاهرة وموسكو، وعُقدت لقاءات بالفعل بين وفد المعارضة ومنصة القاهرة اعتبر بعدها عضو وفد  الهيئة العليا يحيى العريضي أن الخلاف بين الجانبين شكلي وأنهما متفقان في المضمون على معظم النقاط الجوهرية.

ويضم وفد منصة القاهرة خمسة أعضاء، بينما يشمل وفد “الهيئة العليا” 21 شخصًا على رأسهم رئيس الوفد نصر الحريري، وتنوب عنه إليس مفرج، بينما يشغل محمد صبرا منصب كبير المفاوضين.

ويرى مراقبون ضرورةً في أن تعمل المعارضة ضمن وفد موحد، لضمان الضغط على نظام الأسد، الذي تراه غير جادٍ في التفاوض .

 

تصعيد ميداني

وبالتوازي مع مفاوضات جنيف، صعدت قوات نظام الأسد بشكل لافت من غاراتها وعملياتها العسكرية ضد مجمل المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة السورية خاصة في أعقاب العملية المزدوجة التي أطاحت بضباط كبار في أجهزة النظام الأمنية بمدينة حمص.

وبينما كان وفد النظام يتحدث باسم الشعب السوري في جنيف عن السلام، ويتّهم المعارضة بالإرهاب، كانت طائراته تقوم بإحراق مدن وأحياء سكنية بالصواريخ الفراغية والنابالم الحارق.

وقصفت طائرات النظام مدينة دوما في الغوطة الشرقية بأربعة غارات جوية محملة بصواريخ نابالم استهدفت المناطق السكنية في حملة شرسة ضد المدنيين، ما أدى إلى إصابة العديد منهم ونشوب حرائق ودمار واسع في المنازل .

كما واصلت قوات النظام استهداف حي القابون في دمشق الخاضع لسيطرة المعارضة بعشرات صواريخ الفيل وقذائف المدفعية، فيما بدأت عملية عسكرية على الأرض من جهة بساتين برزة، واشتبكت مع مقاتلي المعارضة في المنطقة وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع والطيران الحربي.

وحاولت قوات النظام التسلل إلى بساتين حي برزة، فتصدى لها مقاتلو المعارضة وقتلوا 7 من عناصرها وعطبوا دبابة، في ظل قصف مدفعي وصاروخي تشهده أحياء القابون وتشرين وبرزة وغربي مدينة حرستا.

ويأتي هذا التصعيد بعد فشل المفاوضات الأخيرة التي حاول من خلالها النظام إجبار الفصائل على تسليم المنطقة، وتوقيع تسويات مع قوات النظام وتهجير الأهالي، وذلك في إطار مساعيه لإفراغ محيط العاصمة دمشق من مقاتلي المعارضة، على غرار ما حصل في بلدات  داريا، ومعضمية الشام، ووادي بردى وقدسيا والهامة وخان الشيح.

وقالت مصادر النظام أن الفرقة الرابعة تتولى الهجمات ضد مناطق القابون وبرزة وحي تشرين، مشيرة إلى أن قائد الحملة على المنطقة هو العميد “غياث دلة” الذي يقوم بمتابعة التطورات عبر طائرة الاستطلاع المسيرة عن بعد.

ووصلت حصيلة الضحايا في حيي القابون وتشرين، منذ السبت الماضي، إلى نحو 50 قتيلاً وأكثر من مائة جريح أغلبهم مدنيون، فيما تعيش آلاف العائلات التي هجرت من حيي تشرين والقابون حالة مأساوية حيث توزعت في الطرقات والمدارس والمساجد، بينما نزحت عائلات أخرى إلى الغوطة الشرقية وحي برزة .

وقال مجلس محافظة دمشق إن 60% بالمئة من حي تشرين و10% من حي القابون بات مدمراً، في حين فُقدت المواد الغذائية والمحروقات في المنطقة جراء حصار قوات النظام، وخرج مشفيا “المجد” في حي تشرين و”الحياة” في حي القابون عن الخدمة، وطالب المجلس في بيان له وفد المعارضة في مؤتمر جنيف بتعليق مشاركته في المفاوضات لحين توقف العدوان على دمشق وريفها وحمص وإدلب.

وفي بلدة سرغايا نجحت قوات النظام في فرض اتفاق تسوية مع المئات من مقاتلي المعارضة، وقال المجلس المحلي في سرغايا أن 700 شخص أجروا “تسوية أوضاع” مع قوات النظام .

وتوصلت الفعاليات العسكرية والمدنية في البلدة إلى اتفاق مع قوات النظام، في السادس من شباط الحالي، بوجود ضباط روس وممثلين عن ميليشيا “حزب الله” اللبناني كجهة ضامنة، تضمن خروج من يرغب من مقاتلي الفصائل وعائلاتهم إلى محافظة إدلب، وتشكيل كتيبة لحفظ الأمن في البلدة ممن فضلوا البقاء، إضافةً للإفراج عن المعتقلين في سجون النظام.

ووصل أكثر من 200 شخص من البلدة الإثنين الماضي إلى مناطق متفرقة في ريف إدلب بموجب هذا الاتفاق.

 

 

وفي حي الوعر وسط البلاد واصلت طائرات النظام غاراتها على الحي وترافقت مع قصف صاروخي ما أسفر عن سقوط 8 قتلى وجرحى،  كما جدد الطيران الحربي قصفه على أطراف تلبيسة بريف حمص الشمالي، إضافة الى بلدات تلدو و كفرلاها وتل ذهب والغنطو وتيرمعلة ما تسبب بسقوط 9 جرحى على الأقل في هذه المناطق.

وتعرضت مدينة أريحا جنوبي محافظة إدلب إلى العديد من الغارات الجوية والتي حصدت عشرات القتلى والجرحى، واستهدفت خاصةً الأحياء السكنية والسوق الشعبي، وتسبب القصف أيضاً بخروج مركز الدفاع المدني في المدينة عن الخدمة، كما شمل بلدات خان شيخون وبنش بريف إدلب.

وفي ريف حلب الغربي تواصلت المعارك أمس بين قوات النظام والميليشيات الموالية له من جهة، وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى بعد محاولات متجددة من قبل قوات النظام للتقدم، لكن مقاتلي المعارضة تصدوا لها.

وتحاول قوات النظام التقدم في منطقة حي الراشدين والبحوث العلمية، لكن مقاتلي المعارضة تمكنوا من صد تلك المحاولات بعد اشتباكات عنيفة بين الجانبين تكبدت خلالها قوات النظام عدداً من القتلى في صفوفها.

وجاء هذا التصعيد بعد العملية المزدوجة التي أطاحت بعشرات الضباط والعناصر من أجهزة النظام الأمنية في مدينة حمص وعلى رأسهم العميد حسن دعبول رئيس فرع الامن العسكري، والعميد ابراهيم درويش رئيس فرع أمن الدولة، وقد تبنت “هيئة تحرير الشام” هذه العملية التي تعد الأولى لها منذ تشكليها بقيادة المهندس جابر الشيخ.

 

معارك شرقي حلب

في غضون ذلك تمكنت قوات “درع الفرات” التي تدعمها تركيا من السيطرة على كامل مدينة الباب في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة حلب، ليخسر تنظيم الدولة بذلك أهم معاقله في محافظة حلب، وذلك بعد معركة طويلة نسبياً بدأت مطلع تشرين الثاني من العام الماضي.

ولم تمضِ ساعات على سيطرة “الجيش الحر” على مدينة الباب، حتى انسحب التنظيم من بلدتي بزاعة وقباسين المجاورتين، ليحافظ على وجوده في بلدة تادف جنوبي الباب المحاصرة من الجهات الشمالية الخاضعة لـ”الجيش الحر”، والجنوبية الخاضعة لقوات النظام، والغربية التي يتقاسمها الطرفان، لكن التنظيم سرعان ما انسحب منها لصالح قوات النظام.

وبعد هذه التطورات، بات التنظيم يحكم سيطرته على بلدتين استراتيجيتين فقط، وهما دير حافر ومسكنة في الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينة الرقة، إلى جانب مطار الجراح الواقع بينهما، لكن قوات النظام التي استأنفت منذ كانون الثاني عملياتها العسكرية ضد التنظيم شرقي حلب باتت على الأبواب الغربية لدير حافر، في مسعى للسيطرة على الطريق الواصل إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي.

وإلى جانب هاتين البلدتين ما تزال نحو 50 قرية تحت سيطرة التنظيم في ريف حلب الشرقي، تقع جميعها في حصار من الجهات الشمالية والشرقية والغربية من جانب قوات الجيش الحر و”قوات سورية الديمقراطية” وقوات النظام.



صدى الشام