سيناريوهات ما بعد جنيف4 .. ماذا أعدت المعارضة؟



منى علي – بلدي نيوز

تعمل روسيا، في الملف السوري، على عدة خطوط سياسية وعسكرية في آن معاً، مستفيدة من تفردها كطرف دولي فاعل بعد غياب واشنطن عن الملف بشكل شبه كامل، بينما يسعى الشركاء الإقليميون لتفاهمات معها ضمن حدود مصالحهم وإمكاناتهم. فمع انعقاد مؤتمر جنيف في نسخته الرابعة، بدت روسيا الطرف المتحكم والمسير للمفاوضات، ابتداء من إملاء وجهات نظرها على المبعوث الدولي ستافان دي مستورا، وليس انتهاء بخلط الأوراق وإقحام بنود جديدة لم تكن على جدول الأعمال، والتسويق لأفكار لم يتضمنها بيان جنيف1 المرجعي أو القرار الدولي 2254 بشأن سوريا. ولتأمين موقفها، وموقف وفد النظام من ورائها، أوصلت موسكو رسالة عبر دي مستورا مفادها أن الدور في الإبادة قادم على محافظة إدلب، كبرى معاقل المعارضة، في حال فشل المفاوضات القائمة، وكي تعبر عن جديتها بدأت فعلياً شن ضربات جوية مدمرة مع طيران النظام على عدة بلدات بإدلب، نالت أريحا منها الحظ الأكبر.

وفي تأكيد نهائي على تمسكها بحماية نظام بشار الأسد، رفعت موسكو البطاقة الحمراء مجدداً في وجه مجلس الأمن والجهود الفرنسية البريطانية لإدانة النظام من بوابة استخدام الأسلحة الكيميائية، معتبرة أن إدانة الأسد تضر بمحادثات السلام ومستقبلها. وأمام هذه القرصنة التي أحبطت المساعي الدولية الخجولة لإيجاد مخرج لأزمة باتت تحرج العالم، لا تبدو المعارضة بشقيها السياسي والعسكري في أفضل حالاتها، فوفد المعارضة قد تم اختراقه بعد “تطعيمه” بمعارضين موالين محسوبين على موسكو والقاهرة، والفصائل المسلحة منشغلة بقتال تنظيم “الدولة” في الجنوب، وبمعارك “درع الفرات” في الشمال، وكثيرا ما تنشغل بالاقتتال البينيّ الذي يستنزف الإمكانات والحاضنة الشعبية، تلك الحاضنة التي صارت على وشك السقوط في بعض المناطق، بعد ست سنوات من الصبر على كل أشكال الموت.

الصحفي السوري، إياد عيسى، رئيس تحرير موقع المصدر، قرأ المواقف الروسية المترادفة والمتناسقة وعبر عن رؤيته بالقول: “تحاول موسكو إعادة تفكيك وتركيب وفد المعارضة على هواها في محاولة لتبني رؤيتها للحل في سورية، ونسف مرجعية بيان جنيف1 لعام 2012 بل نسف القرار 2254 ذاته المستند إلى تلك المرجعية، لذلك خلقت منصات (موسكو، حميميم، آستانة، بيروت، كما اختطفت بالتعاون مع الخارجية المصرية منصة القاهرة عبر جهاد مقدسي)، وهي نجحت إلى حد كبير في محاولاتها، وصولاً إلى أنها كانت تأمل من جنيف4 تكريس شرعية لوفد المعارضة كما تريده، ثم العودة مجدداً إلى العاصمة الكازاخستانية (آستانة) وتحويلها إلى مرجعية بديلة من القرار 2245 المستند إلى بيان جنيف. كما كانت تأمل أن تشطب مسألة (الانتقال السياسي) نهائياً من التداول في جنيف4 وإحلال (محاربة الإرهاب) كبند رئيسي وحيد إضافة إلى بنود أخرى لا أولوية لها بل لا يجوز طرحها حالياً مثل الدستور، مما يسهل لها عملية تكريس آستانة كمرجعية بديلة، لكنها فوجئت بموقف ديمستورا وإعلانه أن جنيف4 سيناقش بند الانتقال السياسي في انقلاب على تصريحاته التي سبقت جنيف4 وتجاهلت ذكر الانتقال السياسي”.

إلا أن خطوط موسكو المتسقة والمعقودة بعناية لتنتهي في الآخر إلى عقدة واحدة تكون هي وحدها من يملك سر عقدها وفكها، قد تشابكت بطريقة يعقّد الوصول إلى الحل المرجو، إذ يرى الصحفي “عيسى” أن “خطة موسكو تتعثر لأسباب تتعلق بالمستجدات الدولية، وبموقف أنقرة التي عبرت عن استيائها من عدم التزام موسكو بما تعهدت فيه في آستانة1 من الضغط على بشار الأسد وإيران، من خلال تخفيض مستوى وفدها إلى آستانة2، وغيابها المؤثر في جنيف4، كما أن عودة الحديث بقوة عن المناطق الآمنة وتبني إدارة ترمب لهذا المقترح يسحب الكثير من أوراق قوة موسكو، التي اعتمدت أساساً على تخلي أوباما عن الملف السوري، ولهذه الأسباب وغيرها من الصعب أن يعاد سيناريو حلب في إدلب مع تغير الظروف الدولية ومواقف الدولة الإقليمية خصوصاً تركيا”.

ويحدد “عيسى” نقطة الضعف الروسية وقد تجلت بقبول “وفد بشار الأسد بمناقشة الانتقال السياسي بناء على ضغط روسي كما أعلنت المعارضة السورية، ما يؤكد أن موسكو تتخوف من إعلان فشل الحل السياسي، لأنه يعزز أن يكون البديل هو الحل العسكري، وهي لا تستطيع الانتصار في حال قررت الدول الإقليمية مواجهتها، وبوجود إدارة أمريكية حازمة”.

وعن سيناريوهات ما بعد جنيف4، يوضح الصحفي السوري ورئيس تحرير “المصدر”، أن على الهيئة العليا للمفاوضات أن تفهم أنها ليست “الحلقة الأضعف”، خصوصاً إذا ما وحدت رؤيتها مع الفصائل، وأن ترفض أي ضغوط لـ”اختراقها من الداخل” من خلال منصات تقبل بإعادة إنتاج بشار الأسد ونظامه، والدخول بحكومة وحدة وطنية معه.




المصدر