(أم ماجد كرمان) تروي لـ (المصدر) تفاصيل قيامة حلب

2 مارس، 2017

مضر الزعبي: المصدر
لا يمكن أن ينسى أي سوري مشاهد التغريبة الحلبية، هي المشاهد الأقسى منذ انطلاق الثورة، فلا شيء أصعب من تهجير عشرات الآلاف من منازلهم قسرا، وقد كان مشهد أم الثوار (أم ماجد كرمان) وهي تودع صورة ابنها الوحيد “الشهيد” (ماجد كرمان) واحداً من أكثر هذه المشاهد ألما.
أطلق عليها شباب حلب لقب (أم الثوار) لأنها من رافقهم منذ البداية وحتى آخر ساعة في مدينتهم. لم تبخل على سوريا والثورة فقدمت ابنها الوحيد فداء لثورة آمنت بها، وعندما جاء خبر مقتله في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، قالت: “لم ألد سوى هذا الرجل لأقدمه في سبيل الله، ويا ليتني قدمت المزيد”، ورفعت لافتة من شرفة منزلها الحلبي مكتوب عليها “الفارس الذي ترجل”.
ولم تقتصر معاناة (أم الثوار) على فقدان ابنها الوحيد وتهجيرها من مدينتها، فقد اختُطف زوجها “أبو ماجد” (محمد كرمان) من أمام منزله في مدينة حلب مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وقضى زوج ابنتها (عبادة أبو ليث) القيادي في كتائب الثوار في العام 2014، ورغم كل هذا كانت (أم الثوار) آخر الخارجين من مدينتها.
وللحديث عن الأيام الأخيرة في مدينتها، وأبرز مشاهداتها، وعن آخر أمنياتها، بالإضافة لتأثير احتلال الروس والنظام لمدينة حلب على معنويات أهالي المدينة، ورسالتها لشباب حلب وسوريا، كان لـ “المصدر” مع (أم ماجد كرمان) الحوار الآتي:

كيف أثر عليكم الخروج من حلب؟

أثر علينا كثيرا، فقد أدركنا أننا مازلنا على قيد الحياة، حيث وصلنا للحظة نتساءل فيها إن كنا أحياء أم أموات، لم نكن نتوقع أن تكون لنا حياة أخرى، وكنا نعتقد أن حياتنا قد انتهت، ولاسيما عندما كنا في المعبر، فكان خوفنا يتركز أن يكون هناك أحد الشبيحة بيننا ويقوم بأي عمل يبرر لقوات النظام وميليشياته إبادتنا، كنا جميعاً نتمسك ببعض ونعطي القوة لبعض، لكن الخوف كان يسيطر على الجميع من الداخل، ونستمد القوة من بعضنا البعض، والتي تنبع من أننا مازلنا أحياء، وفي المحصلة هو شعور لا يمكن وصفه.

ما هي أبرز مشاهداتك في الأيام الأخيرة في حلب؟

الناس كانوا يخافون من المجازر وعمليات الاقتحام، فالشوارع جميعها كانت مرصودة بالقناصين، وكان الناس في حالة حيرة وتخبط. البعض كان يجمع أوراقه وأشياءه الضرورية في حقائب صغيرة، والبعض الآخر كان يتلف ممتلكاته. التخبط هو السمة الأبرز، سواء في صفوف الجيش الحر أو المدنيين. وغامر البعض وتوجه إلى مناطق سيطرة النظام، فاعتقل النظام الشباب منهم، والقسم الآخر استمر معنا ولم نكن نعرف أي شيء عن مصيرنا وماذا تحمل لنا الساعات القادمة.
ومع سماع أخبار الاتفاق الذي نص على الخروج من المدينة، اختلطت المشاعر، فكان بداخلنا غضب من مغادرة بلدنا، ولكن كنا نريد الخروج، وهذا ما تسبب لي بالحيرة، فمن خرجوا في الدفعة الأولى شاهدناهم في فيديوهات وهم فرحين عقب خروجهم من الموت، وهذا هو القهر. القهر أن أشعر بالفرح لأنك خرجت من بلدك لتتخلص من الموت، وبالمختصر ما حدث كان أشبه بـ (يوم القيامة).

الكثير يقول إن احتلال النظام والروس لحلب هو نهاية للثورة السورية؟

ليس نهاية للثورة، الثورة مستمرة والشباب موجودون، في كل يوم كان هناك محاولات اقتحام لأحيائنا والشباب كانوا صامدين بهمم كالجبال، وأنا أشعر بالحزن لأنه لدينا شباب قادرون على تحرير كل سوريا ويملكون الذخيرة، ولكن هذا ما حدث.

أنتِ كسيدة حلبية مواكبة للثورة منذ اليوم الأول، ما هو السبب وراء سقوط المدينة؟

الجميع شركاء، قادة الجيش الحر ورجال الدين والمنظمات. لا يمكن أن نقول فقط الجيش الحر هو وراء سقوط المدينة، بل هنالك عدة أمور اجتمعت وأدت لسقوط المدينة، كان لدينا شباب في الجيش الحر دافعوا عنا، ولا يمكن أن أتحدث عنهم لأنهم دافعوا عن الأهالي حتى آخر لحظة، لكن النظام نجح بتجنيد قسم من مقاتلي فصائل الجيش الحر لصالحة.
كنت أشاهد قسماً من المقاتلين يهربون من الجبهات ويسألون عن منطقة (المشهد) للاختباء. انهارت معنوياتهم وبدأوا برمي السلاح عندما شعروا أن حلب يتم تسليمها، والآن عندما أتذكر أبدأ بالبكاء والانهيار. سبب انهيار المعنويات هو غياب ثقة العناصر بالقادة، فهناك الكثير من القادة الغير جيدين الذين ساهموا بتسليم المدينة.

ماهي رسالتك لشباب حلب؟

أقول لهم لا تيأسوا، واصمدوا، حلب لنا وستعود لنا، والحق معنا. قدمنا شهداء دماؤهم هي القادرة على رد الشباب لوعيهم، وسنتخلص من هذا النظام الظالم. وهي رسالة لكل قائد ولكل مخلص.

ماذا عن عملية اختطاف أبو ماجد كرمان هل لديكم معلومات جديدة؟

لا توجد أية معلومات مؤكدة، غير أنني أعرف أنه في سجون (جبهة النصرة) منذ عشرة أشهر، هكذا كانت معلوماتي.
وقد تم اعتقاله بسبب مخالفتهم بالرأي على ما أعتقد.
أبو ماجد ليس خائناً كما اعتبروه، هو أب للثورة، وقد قدم وضحى في سبيل الثورة، وعنده شهيدان، ابنه وصهره، وهو ابنه الثاني، ولا يمكن لشخص مثل أبو ماجد أن يكون خائنا.

ماهي أمنيتك في الأيام القادمة؟

أن أرجع لبيتي وبلدي مرفوعة الرأس معززة مكرمة، هي الأمنية الأكبر بالنسبة لي، وأن أزور قبر ابني.

ما هو آخر شيء قمتي به في حلب؟

كان لدي أمل أن أبقى لآخر لحظة، وكنت أقول لهم لدي إحساس أنني سأبقى في حلب ومستحيل أن أخرج، كنت أرغب في توديع كل قبور الشهداء، ولكن آخر شيء كان توديع بنات (ماجد).
كنت أتمنى أن أقول للجميع اثبتوا واصمدوا والنصر لنا، لكن لن يسمعني أحد (وردة لا تشكل بستان) يا ابني.

إن تم تقديم عرض لكم بالعودة إلى حلب في ظل التواجد الروسي هل تقبلون؟

لن أٌقبل أن أعود وأعيش مع من كان يقوم بقصفنا، ويرعب أطفالنا ويقتلهم، ويدمر بلدنا، لا يمكن أن نعيش معه.

ماذا عن مشهد الاحتفالات في حلب الغربية؟

كانوا يحتفلون بموتنا، شيء مخزي ومحزن أن يكون لك أخ وصديق وقريب فرح بموتك وتهجيرك، شعور لا يمكن وصفه.

في الختام، ما هو أكثر شيء يعطيك الصبر؟

الشباب الصادقون لا يمكن أن أنساهم، وأنا أعرفهم جيداً وهم أملي، وسنرجع وننتصر ونعمر بلدنا ونبنيها كما نريد، ونحقق أهداف ثورتنا بإرادة الشباب المؤمنين بالثورة.

[sociallocker] المصدر
[/sociallocker]